الاسلام الرسمي
جو 24 :
كتب الخبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط البروفيسور ناثان براون -
كل الدول العربية لديها مؤسسات دينية إسلامية كبيرة، تمنح الحكومات دوراً رئيساً في الحياة الدينية. هذه المؤسسات تطوّرت على نحو مُتباين، وفقاً للتجارب التاريخية المختلفة في كل دولة.
تمتعت الدولة عبر هذه الكيانات، بنفوذٍ على التعليم الديني، والمساجد، والإعلام الديني المرئي والمسموع، ماحوّل المؤسسات الدينية الرسمية إلى أدوات فعّالة للسياسات العامة. بيد أن تعقيد المشهد الديني يعني أن مثل هذه المؤسسات لاتكون سوى نادراً مجرّد رجع صدى لصوت الأنظمة، وأنه من الصعب توجيهها نحو منحى معيّن.
المؤسسات الدينية في العالم العربي
المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي، وعلى رغم أنها عموماً موالية لأنظمة بلدانها، إلا أنها بيروقراطيات ضخمة يسمح لها حجمها وتعقيدها ببعض الاستقلال الذاتي.
تتحكّم الأنظمة العربية بالهياكل الدينية الرسمية، لكن قدرتها على لَيّ عنق هذه المؤسسات الدينية لملاءمة أهدافها تبدو متباينة.
تطوُّر المؤسسات الدينية الرسمية يعود بأصوله إلى عملية تشكُّل الدولة الحديثة.
المؤسسات الدينية الرسمية تلعب أدواراً متعددة، تشمل الانخراط في قطاعات الأوقاف، والبر والإحسان، والإرشاد، وتفسير النصوص الدينية، والتعليم، والصلاة، وقانون العائلة، والإعلام المرئي والمسموع.
تتعرّض سلطة الأصوات الدينية الرسمية على نحوٍ مطّرد إلى التحدي من قِبَلْ أطراف غير رسمية. بعض هذه الأطراف توجد كليّاً خارج الهياكل الرسمية، لكن بعضها الآخر قد يجد ملاذاً في أجزاء تتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي في المؤسسات الدينية، مايضيف مزيداً من التعقيد على المشهد الديني في العديد من البلدان.
اللاعبون الدوليون يرغبون بمشاهدة ممثلي المؤسسات الدينية الرسمية يعارضون التطرّف العنفي. لكن الواقع أن المسؤولين الدينيين غير حائزين سوى على أدوات إيديولوجية محدودة لمواجهة الإسلاميين المتطرّفين، وأولوياتهم مختلفة عن تلك التي تضعها أطراف من خارج المنطقة.
العلاقة بين الحكومات والمؤسسات الدينية
تخاطر الأنظمة، بسبب تصرفها بشكل طُفيلي في الشأن الديني وأيضاً بسبب سعيها إلى زيادة سيطرتها، بجعل المسؤولين الدينيين يبدون مجرّد أُجراء، الأمر الذي يقوّض صدقيتهم. كما أنها تخاطر بدفع المعارضين إلى أحضان المنظمات السرّية.
يمكن للأنظمة، من خلال السماح للمؤسسات الدينية الرسمية بممارسة شيء من الاستقلال الذاتي، أن تُحسِّن قدراتها الرقابية والسُمعة الحسنة للمسؤولين الدينيين. بيد أن هذا قد يعني أيضاً أنها ستخسر بعض السيطرة وتخلق بشكل غير مباشر فضاءات يمكن أن ينتظم فيها معارضوها.
يتعيّن على الدول الغربية أن تعرف أن حجم وتعقيد المؤسسات الدينية الرسمية، يعنيان أنها ليست قادرة دوماً على أن تكون فعّالة في مكافحة التطرّف، كما قد ترغب هذه الدول. ثم أن الأنظمة التي تسيطر على هذه المؤسسات، غالباً ماتكون لها أجندات أوسع من مجرّد منازلة المجموعات المتطرّفة.
بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى إنزال الهزيمة بالإيديولوجيات المتطرّفة، فإن التحالف مع الأنظمة السلطوية ومؤسساتها الدينية يبدو خياراً جذّابا. لكن هذه المقاربة، عبر طرحها توقعات غير واقعية حول ماتستطيع الأنظمة ومؤسساتها أن تفعل أو ماهي مستعدة لفعله، وأيضاً عبر استنساخ الاستراتيجية التي غالباً ماتَهزُم نفسها بنفسها بسبب اعتمادها على أدوات السيطرة السلطوية لمكافحة الحركات والأفكار المُنشقة والمُتمردة، لن تقدم شيئاً سوى أوهام الحلول.