إرحموا أطفالكم.. باكتشاف الأمراض الوراثية باكراً
كثيرة هي الأمراض الوراثية، المنتشرة في العالم وخصوصاً في الدول العربية، نتيجة قلّة الوعي والتمسّك بالعادات البالية مثل الزواج من الأقارب. فما هي أبرز الأمراض وكيف يمكن الحدّ منها طبّياً؟تؤثر الوراثة في ظهور الأمراض التي تتعلق بالكروموسومات، بما أنّ كل إنسان يملك 46 كروموسوماً متألّفة من 23 زوجاً (تملك المرأة الكروموسومات نفسها XX، بينما الرجل XY).
ويوجد على هذه الكروموسومات آلاف الجينات، منها الجنسية وأخرى المتنحّية. وحتّى الآن، إذا حصل أيّ خلل في تكوينها يؤدي ذلك حتماً الى الأمراض الوراثية المتعددة.
التلاسيميا الهيموفيليا
وفي هذا السياق، فسّر رئيس الجمعية العربية لأمراض كلى الاطفال والاختصاصي في أمراض الكلى والمسالك البولية وزراعة الكلى عند الأطفال والشبّان البروفيسور شبل موراني، كيفية حدوث الخلل الجيني الذي يؤدّي الى ولادة طفل مصاب، قائلاً: "ليس غريباً أن يُصاب الطفل رغم أنّ الأهل أصحّاء وأكبر دليل على ذلك، هما مرضان شائعان في لبنان، الأول يُعرف بالتلاسيميا حيث يحتاج المصاب الى الكثير من الدم، والثاني الهيموفيليا والذي يؤدي الى نزف المصاب بشكل مستمر.
وفي هذه الحالات يكون الأهل غير مصابين، ولكنّ إمكانية انتقال المرض موجودة في حال كانوا حاملين للجين الخطأ".
وفصّل: "بالنسبة للتلاسيميا، يحمل الوالدان جين التلاسيميا (جين متنحّي غير جنسي) دون أن يكونا مصابين بالمرض، ولكن 25 في المئة من أطفالهم سيصابون به، لأنّ الجين المتنحّي يُؤخذ من الأب والأم فيظهر المرض عند 1 من كلّ 4 اطفال. أمّا في ما يتعلق بمرض الهيموفيليا، فتكون الأم حاملة للجين المتنحّي ولكنه موجود أيضاً على الكروموسوم الجنسي فتنقله فقط للأطفال الذكور".
لبنان
ترتفع نسب الاصابة بالأمراض الوراثية في الدول العربية حيث تتراوح نسبة زيجات الأقارب بين الـ40 و50 في المئة، خصوصاً بين الأقارب من الدرجة الأولى.
وبحسب د. موارني "أكّدت الدراسات ارتفاع معدّل خطر الإصابة والموت جرّاء بعض الأمراض الوراثية بين الأطفال من الأزواج الأقارب، كالتخلّف العقلي، أمراض الكلى والكبد والمخ والدم والجلاكتوسيميا، إلى جانب أمراض الدم الوراثية التى تشمل الأنيميا المنجلية، وأنيميا البحر الأبيض المتوسط (التلاسيميا).
وفي لبنان أجريت دراسة على 1556 زوجاً، تبيّن فيها أنّ 35 في المئة من السيدات تزوّجن من أحد افراد العائلة، وفي أكثر الحالات كان ابن العم وابن العمة وابن الخال، ونتيجة ذلك ارتفعت نسبة الامراض الوراثية المزمنة خصوصاً عند بعض الطوائف والفئات غير المتعلّمة أو المثقفة".
أمراض الكلى
من جهة أخرى، أشارت دراسة اخرى أُجريت على 925 مريضاً يخضعون لغسيل الكلي في لبنان، الى أنّ 26 في المئة منهم، يعود سبب اصابتهم الى زواج الأقارب. ويوضح د. موارني: "تنتقل أمراض الكلى عن طريق الأم حتى لو لم تكن مُصابة، فتنقل مرضين شائعين هما متلازمة آلبورت وداء فابري بنسبة 50 في المئة.
وتؤدي متلازمة آلبورت (Alport Syndrome)، الى نقص في السمع ومشكلة في النظر والى القصور الكلوي. أمّا داء فابري (FABRY’S disease) الذي يصيب الذكور، حيث يعاني المرضى من اصابة في الكلى (فشل كلوي الى حدّ زراعة الكلى). كما تظهر عوارض الاصابة على مستوى القلب والجلد والعضل، وفي الجهاز العصبي. وتجدر الاشارة الى أنّ كلفة علاج هذين المرضين مرتفعة، ولا يمكن حلّ المشكلة نهائياً".
تكيّس وتكلّس الكلى
ينتج عن الجين المتنحّي غير الجنسي، اصابة 25 في المئة من الاولاد بأمراض الكلى مثل التكيس والتكلس. ويشرح د. موراني «فيما يخصّ التكيس،
فبدل أن تكون الكلى بوضع سليم، تتحوّل الى اكياس تُفقدها وظيفتها مع مرور الوقت (Polycystic Kidneys). وقد يصل المصابون الأطفال جرّاءها الى القصور الكلوي خلال سنة. وفي بعض الأحيان يكون الكبد مصاباً أيضاً بالتكيس ما يسبب القصور فيه، فيصبح بحاجة الى زرع كلية وكبد.
وبالنسبة للتكلس، تتناقص الانزيمات الاساسية لتفتيت الرمل، فبدل أن تفرز كلية الطفل بولاً طبيعياً، يتراكم الكالسيوم مع الفوسفات أو الاوكسالات (oxalate) في الكلى، وبالتالي يصيبها التكلس الذي ينتج عنه قصور كلوي نهائي أي المرض الذي يُعرف بالـ"Oxalosis"، وهنا يحتاج المريض لزرع كبد قبل زراعة الكلية".
أهمية الفحص الجيني
بهدف الحدّ من هذه الامراض الوراثية التي يمكن تفاديها، من المهم أن يقوم المقدمون على الزواج، بالحصول على استشارات أوّلية قبل هذه الخطوة وقبل الحمل، وخصوصاً الأقارب من الدرجة الأولى، بهدف بناء أسرة سعيدة متوافقة صحّياً وطبّياً. وفي هذا الاطار يؤكد د. موراني أنّ "أمراض الكلى الوراثية تمثل 30 في المئة من أمراض الكلى المزمنة، ويمكن تشخيصها بصورة دقيقة وتفاديها.
فاليوم يمكن اكتشاف هذا الخطأ عبر الدراسة الجينية التي تظهر اذا كان هناك خطأ بالجين الذي يؤدي الى المرض. ويتم هذا الاجراء من خلال فحص دم لدرس الكروموسومات عن طريق فحص الحمض النووي «ADN» الموجود في دم المريض والأب والأم.
وتحدّد الفحوصات الجينية وجود المرض أو لا، بصورة دقيقة لا تقبل الشك، وإذا تبيّن أنّ الجنين سيكون حاملاً للمرض نلجأ عندها الى الاجهاض الطبي بين الاسبوع العاشر والثاني عشر، وهذا الإجراء مقبول دينياً وأخلاقياً لتفادي الحالة المؤلمة التي سيعاني منها الطفل في المستقبل.
وتجرى هذه الفحوصات في مختبرات متخصّصة، ويأخذ ظهور نتائجها بعض الوقت كعدد من الأسابيع أو حتى الاشهر. وأقول للأهل، لو أنّ تكلفتها مرتفعة إلّا انها تبقى أرخص من العلاجات التي سيحتاجها الطفل لاحقاً كزراعة الكبد والكلى، وعدا المعاناة الأليمة التي ستعيشها العائلة ككل".
وختم حديثه ناصحاً بـ"الابتعاد من زيجات الاقارب، وفي حال ولد طفل يعاني من الأمراض الوراثية فمن غير المسموح أن تتكرّر هذه المأساة في العائلة نفسها لأنه يمكن تفاديها عبر الفحوصات الجينية".
(جنى جبور - الجمهورية)