السر السعودي «المخفي»: إيفانكا أهم من الأردن
جو 24 :
القدس العربي - كتب بسام بدارين - ضجر الأردنيين يمكن تبريره عندما يتعلق الأمر باليأس من ترديد وطرح السؤال الدائم والموسمي حول اسباب «تجاهل» الشقيق السعودي الكبير للاحتياجات الحيوية ماليا واقتصاديا واستثماريا للأردنيين وبصورة بدأت تثير الكثير من الضجة والاستفسارات.
السؤال تبدل في عمان المغلقة والعميقة اليوم وتحول من.. «لماذا لا يقدم الشقيق السعودي مساعدة بسيطة في معاييره الرقمية رغم التحالف الكبير؟»… إلى صيغة» ما هو سر الصمت الرسمي الأردني الذي يصل إلى مستوى الخوف احيانا إزاء كل هذا النكران والتجاهل؟».
طبعا مثل هذه التساؤلات الحائرة لا تناقش في العلن بالأردن وعند طرحها يستدعي المسؤول الأردني كل معلبات وانشائيات الخطاب التحالفي الأخوي الذي لا ينفع ولا يتحول إلى آلية منتجة حتى لتبادل المصالح والمنفعة.
عندما اتفقت السعودية مع مصر عبد الفتاح السيسي على إقامة مشروع الجسر العملاق بين طرفي البحر الأحمر لم يسأل أي من الجانبين عن مصير منفذ الأردن المائي الوحيد في العقبة حيث ستتأثر سلبا الحركة التجارية المائية وقطاع نقل المعتمرين وتجارة الترانزيت.
المصريون يتعاملون مع «التعاون الأردني» باعتباره تحصيل حاصل، وخبير صديق بالشأن المصري أكد لي شخصيا بان القاهرة تتحدث مع عمان فقط عندما يتعلق الأمر بمقايضة مصلحة مباشرة لها مشيرا لأن مصر لا تتحدث مع الأردن حتى بشأن ملف عملية السلام وكل تركيزها منصب على قصة «الأمن القومي المصري» وقطاع غزة وحركة حماس والاخوان المسلمين.
السعوديون عندما طرح مشروع جسر البحر الأحمر العملاق وبعدما «دب» بعض الأردنيين الصوت بخجل غامض الخلفيات ارسلوا رسالة تخدير بعدما ظهر الأمير محمد بن سلمان على شواطئ العقبة واعدا باستثمارات ضخمة تحمي العمل الحيوي لخليج العقبة لا توجد أي قرينة تدلل على انها ستأتي للعام الثاني على التوالي.
في عمق المشهد يرفض صانع القرار الحكومي الأردني الاستجابة لتلك الاجتهادات التي تستغرب الانغلاق التام على إيران وتركيا لصالح ما يمكن وصفه بالعقدة السعودية في السياسة الأردنية ومجانا وبدون مقابل.
في الإعلام الأردني لا يمكن نقد السعودية بأي شكل اوصيغة ومن الصعب في الإعلام الرسمي الأردني مناقشة قصة «المساعدات او الاستثمارات التي لم تأت بعد» والحماية كبيرة جدا للعامل السعودي في الساحة الأردنية وليس فقط على الصعيد الرسمي.
حتى عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية المتخابثة والتنويع السياسي التي تعتبر من حقوق الدول في إطار ليس فقط «حق الجوار» ولكن ايضا تبادل المصالح لا يمكن تطبيق القواعد المعتادة في هذا الأمر.
بنفس الوقت يطالب كل مسؤول في الحكومة الأردنية كل من يستفسر عن «تأخر» المساعدة او التضامن السعودي بـ«الصبر فقط».
ينتقد كثيرون اليوم موقف «التبعية» الذي تظهره الحكومة الأردنية احيانا للشقيق السعودي الكبير دون تحقيق ادنى حد من المصالح.
يمكن بالأثناء رصد المفارقة التالية: لم يعد سرا في عمان بأن السر الأعظم يتعلق بالإخفاق في «تبرير» الموقف الأردني الرسمي الصامت تماما على النكران والتجاهل السعودي خصوصا بعدما تيقن الجميع من أن قصة «تأمين الحدود» ليست أكثر من إسطوانة مشروخة لا معنى لها لأن الحدود بين أي دولتين يتم تأمينها في الواقع من الطرفين حيث لا فضل للأردن أو للسعودية في واقع ان الحدود بين البلدين «آمنة».
السر وقد جمعنا بعض خيوط تفكيكه مؤخرا فقط ليس في طبيعة «المصالح» التي يقدمها الأردن للإدارة السعودية الجديدة.
ولكن في تلك المصالح والخدمات التي لم تعد تقدم بحكم الواقع الموضوعي في الإقليم وبحكم تبدل وتغير السياق الاستراتيجي لأولويات الشقيق السعودي وتفعيله اليومي لمنهجية «المنفعة المتبادلة».
قائمة المصالح والخدمات التي لم تعد عمان مصدرها الوحيد على الأقل بالنسبة للشقيق السعودي تطول وفيها الكثير من الغموض العميق سياسيا.
مثلا وليس على سبيل الحصر الإدارة السعودية الشابة تقيم اليوم خطوطا مباشرة من الاتصال بإسرائيل عبر قنوات خاصة مثلها مرة المدعو أنور عشقي ومرة شخصيات سعودية التقت في لندن مع إسرائيليين.
مشروع صنافير وتيران الذي تحتفي به تل ابيب بالسياق نفسه.
بمعنى آخر لم تعد الخبرة الأردنية في التواصل مع إسرائيل مطلوبة في سوق القيادة الشابة اليوم بالسعودية لأن هذه القيادة تظهر وتحت لافتة الخطر الإيراني المشترك حسا براغماتيا كبيرا يروج لفكرة الاستشعار والتواصل وفي بعض الأحيان تبادل المصالح مع اللاعب الإسرائيلي.
وبالتالي لا تستطيع حكومة عمان بيع هذه البضاعة اليوم للجار السعودي ولم يعد مطلوبا من الأردن ان يلعب دور الحاجز الجيوسياسي الذي يباعد المسافة بين الرياض وتل ابيب بالمعنى السياسي والأمني والتطبيعي.
السعودي ايضا لديه المبادرة العربية التي تشكل أساسا للتورط في مسألة عملية السلام وهي مشروع يعزز الموقع التفاوضي للجانب السعودي ويمكنه من المقايضة والمبادلة وإن إحتاج الأمر أحيانا على حساب القضية الفلسطينية.
مثال آخر طوال ثلاثة عقود كانت الخبرة الأردنية في المجال الحيوي الأمريكي محط أنظار دول الخليج والقنوات الأردنية مع وزارتي الخارجية والبنتاغون تحديدا وفي بعض الأحيان مع لجان الكونغرس كانت تستعار او تستخدم.
وقد سمعت شخصيا من وزير بارز في الأردن كيف يستغرب مسؤولون سعوديون من قدرات الأردن على التواصل مع بعض المؤسسات العميقة في الولايات المتحدة.
تبدل هذا المعطى اليوم ايضا فرجل واشنطن القوي في الرياض عادل الجبير اصبح في موقع مختلف ويستشيره أردنيون بالشأن الأمريكي بعدما كان يسألهم وقمة الرياض الإسلامية الأمريكية اعادت ترسيم المسألة وإيفانكا ترامب وزوجها اهم من كل الخبرة الأردنية بالنسبة للسعوديين.
بالمحصلة تقلص هامش المكاسب السعودية من الخبرة الأردنية عندما يتعلق الأمر بالأمريكيين وهي مسألة اكتشفنا انها في غاية الحساسية وقد تكون من بين الأسباب التي تمنع نخبة الرياض المستجدة من الإصغاء للشكاوى الاقتصادية الأردنية.
الخلاصة ان السعودي يمكنه الاستغناء عن شقيقه الأردني اليوم بعدة مجالات كانت في الماضي حيوية جدا.
قد يفسر ذلك تباطؤ التعاون الاقتصادي والتجاهل الاستثماري لكنه لا يفسر عقدة الخوف الأردني إلا إذا تعلق الأمر بالمغامرات السعودية الاقليمية التي يمكنها وفي اي لحظة ـ نقول يمكنها من باب الاحتمال ـ المجازفة بالأردن ومصالحه على نحو حرج وانزلاقي.
تحديدا في مثل هذه اللحظة يمكن التصفيق لحكمة «الصبر» وقيمة «الصمت» الأردنية.