ذكريات المدرسة.. مخزن لبراءة لا تنسى
مواقف لا تنسى في المدرسة، تلك التي تخزن بالذاكرة، وحينما يستذكرها المرء يبتسم، وكأنه يعاود الرجوع لكل ما في تلك المرحلة من براءة وطفولة جميلة، وأوقات فرح ومرح، وربما غضب ومشاكسات، لكنها تبعث على البهجة بتفاصيلها.
ذكريات استرجعها الصديقان فادي ومصطفى عندما كانا طالبين لدى لقائهما، بعد أن أصبح لكل منهما بيت وعائلة تضم أطفالا على مقاعد الدراسة.
تخلل جلسة الصديقين الضحك بصوت عال، لدرجة أن أحدهما قال للآخر "هل تعلم أنني لم أضحك من قلبي مثلما ضحكت اليوم؟!”، لم يشعر كل منهما بمرور الوقت في استذكار أيام المدرسة في المرحلة الإعدادية، بكل ما فيها.
فادي كان يذكر صديقه، بمواقف عديدة، في الدراسة ومع المعلمين، ومع علاقته بأقرانه، والمشكلات الصغيرة التي كانا يتعرضان لها، وكيف كان اليوم الأول بمعرفتهما ببعضهما بعضا. وقاما بفتح ألبوم صورهما القديم، في الصف والساحة المدرسية، والابتسامة لا تفارقهما، وهما يعودان للوراء بشريط مليء بالتفاصيل.
أما الستيني أبو عمر، فلا يتردد في سرد ذكرياته في المدرسة على مسامع أبنائه أو أبناء أشقائه وشقيقاته عندما تتسنى فرصة الحديث عن أيام الدراسة، وكذلك عند لقائه بأبناء جيله.
يقول ابنه البكر عمر: "يحدثنا والدي دائما عن الصعوبات التي واجهتهم خلال دراستهم في السابق، منها: المشي على الأقدام مسافات طويلة وصولا للمدرسة، صرامة المعلمين في أداء الواجبات المدرسية، مساعدة الأهل في أعمال زراعة الأرض وحراثتها وجني الثمار، مقارنة المصروف للطالب السابق بالحالي.. وغيرها من القصص”.
لذلك، تبقى ذكريات المدرسة عالقة في أذهان مرتاديها مع مرور الوقت، ففي المدرسة تمر على الطالب أكثر المواقف الطريفة والمحرجة، وسرعان ما يسترجعها بتفاصيلها ويتحدث عنها أمام أو مع الآخرين.
وأكثر ما تسترجعه ذاكرة ربة المنزل أم فايز أيام الدراسة "حقيبة المدرسة”، تصفها بأنها عالم سري مليء بالأسرار، و”فتافيت” السندويشات وبري أقلام الرصاص والطباشير، والعلامات المتدنية المخفية في مكان سري.
أما الذكريات التي يسترجعها "فيسبوك” حول أيام الدراسة، فهي سرعان ما تنعش ذكريات المتابعين، مثل "من هو شريك مقعدك أيام المدرسة؟”، "من هم أصدقاؤك أيام الدراسة؟”، "شكلي أنا ورفاقي بالصف”.
وعن هذه الذكريات، تقول الموظفة فدوى: "أجمل أيام هي أيام المدرسة، ولم نقدر قيمتها إلا عندما كبرنا وتخرجنا، نحنّ لها دائما، ونتحدث عن ذكرياتنا أمام أبنائنا، وعندما يذكرون أمامنا موقفا مشابها لموقف أو تجربة خضناها في المدرسة.. نضحك ونعيد على مسامعهم ما حصل معنا في السابق”.
اختصاصي علم النفس، د. موسى مطارنة، يقول: "ذكريات المدرسة تمثل مرحلة مهمة في حياة الإنسان (مرحلة الطفولة)، وهي فترة البراءة وكل ما يعلق بشخصية الإنسان من تجارب في النضج، ليتصفحها بشكل عفوي”.
ويضيف أن ذكريات المدرسة حياة خاصة يعيشها الإنسان في حالة من البراءة والصفاء، ولذلك العلاقات بها قائمة على المحبة والمودة الفطرية التي لا يلوثها أي شوائب أو مصلحة أو خبث، وبالتالي تبقى عالقة في الذهن حتى لو بلغ الشخص مائة عام. لا ينسى الشخص مدرسته، زملاءه، معلميه في مراحل مختلفة، مقعده، ساحة اللعب.. وغيرها، وفق مطارنة، وبالتالي عندما يشاهد زميله في الدراسة، وكأنه يعود للوراء بسنوات وتحضر الأيام أمامه على شكل صور خاصة لها جمالية في أحداثها وقصصها وبعض المشاكسات التي لها ذكرى جميلة.
ويؤكد مطارنة أن أيام الطفولة والمدرسة جميلة ولا يقدر قيمتها إلا من تجاوزها، وهي تفضي على النفس حالة من الجمالية والانتماء، وبها ارتباط إنساني رائع في الجوانب الحسية والحالة النفسية التي تتعمق في هذه الروابط من تواصل حول اللقاءات المنزلية، الحوادث النادرة التي حصلت معهم، وبالتالي لهذه المرحلة منزلة ومعنى خاص نفسي واجتماعي.
ولذلك، هؤلاء الأشخاص يبقون على ترابط مدى الحياة، علاقتهم لا تنتهي أبدا، يستعيدون الحديث عن تلك المرحلة بأي فرصة، على الهاتف، على مواقع التواصل، بلقائهم.. أو يسردونها أمام أبنائهم وأحفادهم في المستقبل.
الاستشاري التربوي الأسري، د. أحمد سريوي، يقول: "يحن الإنسان بطبعه لكل ما هو جميل بماضيه من ذكريات تشعره بالسعادة، ومن المعروف أن ذكريات الطفولة عموما فيها من الجمال الكثير، خاصة أنها كانت تتصف بالبراءة وقلة الهموم والمسؤوليات”.
ويذهب إلى أن كثيرا من البشر يتمنون لو يعودوا أطفالا غير مسؤولين عن أي شيء، ولهذه الذكريات إيجابيات جمة يتلخص معظمها في شعور أصحابها بالسعادة وتجديد لحظات الشعور بالفرح. ويبين أنها تجارب جميلة فيها توثيق للحظات حياتهم الجميلة في أوقات التعب والضيق النفسي، كما أنها وثيقة لنقل الخبرة للأبناء فيما بعد.