زواج القاصرات.. بين مطلب"السترة" الإجتماعي وانتهاك حقوق الطفل
كتبت: غدير السعدي
أكد معنيون وأخصائيون في علم النفس والاجتماع أن زواج القاصرات جريمة بحق الاطفال معتبرين أن الحالات التي تتزوج فيها الفتاة في سن مبكرة إجحاف بحق الطفولة وزواج لا يقوم على أسس التكافؤ وعدم نضوج فكري نهايته الفشل، ومخالف للقوانين الدولية والعالمية التي تعرِّف سن الطفولة في "اتفاقية حقوق الطفل " في المادة رقم (1) من الجزء الاول على ان الطفل هو" كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه. وهذا ما ورد في المادة رقم (2) من اتفاقية رقم 182 بشأن حظر اسوأ اشكال عمل الاطفال والاجراءات الفورية للقضاء عليها.
احصاءات صادمة
تكشف الأرقام الرسمية عن حالات زواج القاصرات الكثير من المعلومات الصادمة، فقد أظهرت الأرقام أن عدد حالات الزواج بين الفتيات اللواتي تزوجن في الفئة العمرية (15-19 ) سنة كانت في عام 2010 ( 16151) حالة بنسبة (27%) من عدد حالات الزواج- حسب المحاكم الشرعية، كما أن عدد حالات الزواج للفتيات في نفس الفئة العمرية (15-19) كانت ( 14188) حالة زواج في عام 2003 ، وارتفع إلى ( 16513) في عام ( 2008)، لتسجل ارتفاعا سنويا بمعدل 500 حالة زواج في هذه الفئة العمرية الوردية.
بالمقابل فان حالات الطلاق في محيط هذه الفئة العمرية تشهد ارتفاعا مستمرا، فقد بلغت حالات الطلاق في عام 2003 ما مجموعه ( 1403) حالة طلاق، ليرتفع في عام 2008 الى ( 1813 ) حالة طلاق، وصولا الى (2432 ) حالة طلاق سنة 2010 .
طوالبة: ظاهرة الطلاق في الزواج المبكر
ترى الدكتورة ديالا طوالبة أنه مع التغير الواضح والتقدم في جميع المجالات فكرياً وعملياً، أصبحت فكرة زواج القاصرات تتراجع، لافتة إلى أن مقومات الزواج الناجح؛ التكافؤ في التعليم والمستوى الاقتصادي والسن أولاً.
وتستدرك بالقول" لكن للاسف توجد العديد من حالات "زواج القاصرات" فالمتابع للاحصاءات الرسمية في الأردن والتي تدخل في صلب البناء الاجتماعي يرى بوضوح إرتفاع ظاهرة زواج وطلاق المراهقات، أي الفتيات اللواتي تزوجن وأكملن عمر ال( 15) سنة ولم يكملن عمر ال(19) سنة، وانهن قضين (4) سنوات في الحياة الزواجية.
وترى طوالبة ان الفتاة التي تتزوج في عمر ال ( 15) سنة غير قادرة على منح الزوج المشاعر الرومانسية المطلوبة، وخاصة أن عدم الانسجام والاشباع الغريزي والعاطفي بين الزوجين يعد احد الاسباب الخفية التي تؤدي الى الطلاق والدراسات الاردنية تشير الى ان (80%) من اسباب العنف الاسري يعود الى عدم وجود التواصل العاطفي الايجابي بين الازواج.
سرحان : ارتفاع سن الزواج
ويرى مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان أن واقع الحياة في الأردن يشير إلى ارتفاع سن الزواج وليس إلى انخفاضه، ويصل سن زواج الذكور إلى 29.5 سنة، أما الإناث فتقارب 27 عاما.
ويلفت سرحان إلى 100 ألف فتاة تجاوزن الثلاثين عاماً ولم يسبق لهن الزواج، كما ان الأرقام والإحصائيات تشير إلى أن نسبة قليلة من الفتيات يعقدن عقد الزواج في سن اقل من 18 عاما حيث ان تاريخ عقد الزواج لا يعني بالضرورة ان يتم الزواج في هذا التاريخ، بل ان واقع الحال يؤكد ان ما يقارب نصف هذا العدد لا يتم زواجهن الا بعد عام او عامين وبالتالي فان نسبة قليلة من الفتيات يتزوجن فعليا في عمر اقل من 18 سنة.
ويضيف: لا يوجد ظاهرة في الاردن يمكن تسميتها بالزواج المبكر بل هناك حالات محدودة ذلك مراعاة للاختلافات والفوارق بين الناس وخصوصا من حيث النضج الفكري والجسدي والاستعداد المناسب للزواج. ويعتبر سرحان أن نسبة بسيطة من الشباب والفتيات يتزوجون في سن أقل من 18 عاما، وقال: إن الإحصاءات أشارت أيضاً إلى أن هذه الفئة هي الأقل من حيث نسب الطلاق.
وينوه سرحان إلى عدم المبالغة في التشدد في منح الإذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة، اذ قد ينتج عن هذا التشدد إشكاليات سواء على الأسرة او الفرد أو المجتمع، وهذا الأمر قد يترتب عليه انحرافات او مشكلات وهو يتعارض مع الحق الطبيعي للإنسان وحتى لا يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى إجراء عقد الزواج خارج المملكة أو الزواج العرفي أو عدم تسجيل الزواج رسمياً، وأن المصلحة تقتضي أن تتم الأمور داخل البلد لتكون الصورة واضحة عند متخذي القرار، لا أن تحصل زيجات غير مسجلة.
ويعتبر سرحان أن ما يثار عن أن أغلبية حالات الزواج هذه تنتهي بالطلاق غير صحيح، إذ أن المحاكم الشرعية سجلت في عام 2009 (259) حالة طلاق في سن أقل من (18) عاماً من أصل (2939) حالة طلاق من زواج عام 2009، أي بنسبة 0,88% وهي نسبة بسيطة، وهذا يعني أن نسب الطلاق في الفئة العمرية أقل من (18 سنة) هي من أقل النسب.
ويضيف، في حالة تقييد الزواج بعمر معين فهذا يعني منع الناس من ممارسة حقهم في الزواج، والذي منحهم إياه الشرع دون قيود، كما ان الفتاة حتى وإن كانت في سن أقل من 18 عاماً فيمكن أن تقوم بتربية أطفالها والعناية بهم لأن التربية تكتسب بالممارسة وما لديها من خبرات اجتماعية اكتسبتها من بيئتها.
الخزاعي : مخاطر اجتماعية جسيمة واسر مفككة
ويدق استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور حسين الخزاعي ناقوس الخطر بعد تنامي معدلات الطلاق في الاردن بمعدل زيادة سنوية تصل الى 500 حالة، ففي عام 2010 سجلت (2432 ) حالة طلاق معلقا على ذلك بان هذه المعدلات الرسمية اصبحت تشكل ظاهرة مقلقة يتطلب دراستها ومعالجتها والحد من تفاقمها من قبل الجهات المعنية.
ويلفت د. الخزاعي الى قضية مهمة بدأت تظهر في المجتمع الا وهي زواج وطلاق المراهقات اي من هنَ اقل من 19 عاما وقال عنها " ان اكثر ما يؤرقنا في المجتمع كباحثين هو الازدياد الملحوظ في اعداد المطلقات المراهقات اي اللواتي لم تتجاوز اعمارهن 19 عاما والبالغة اعدادهن 2432 حالة بينما عدد المتزوجات من ذا ت الفئة بلغ 16151 حالة وهذا ما يشكل نسبة 30 % من المتزوجات اي ان ثلث المتزوجات في الاردن يتزوجن وهن في سن المراهقة .
تعديل المادة ( 5) من قانون الأحوال الشخصية الأردني
ويعتبر تعديل المادة رقم (5) من قانون الاحوال الشخصية الاردني لسنة 1976 انجازا وطنيا والذي كان يشترط في أهلية الزوج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر ، والتعديلات الجديدة التي اجريت على هذه المادة في القانون المؤقت رقم (82) لسنة 2001 المادة (2) التي نصت " ان يكون كل منهما قد اتم الثامنة عشرة سنة شمسية إلا انه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن إذا كان قد أكمل الخامسة عشرة من عمره وكان في مثل هذا الزواج مصلحة تحدد اسسها تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية.
أي اننا تركنا امر البت في العمر عند الزواج إلى القاضي الشرعي ، وقد اذن القضاة الشرعيون في عام ( 2008) بزواج ( 9014) فتاة لم يتجاوزن العمر ( 18) سنة ، و ( 16513) فتاة لم يتجاوزن العمر (19) سنة اي (27.4% ) من حالات الزواج التي تمت في ذلك العام ، وهذه اعداد كبيرة تتطلب اجراء تعديل على هذه المادة في قانون الاحوال الشخصية ومنع اجراء أي عقد زواج قبل بلوغ الثامنة عشرة من العمر للشاب والفتاة.
وبحسب د. الخزاعي فقد تم تسجيل 6 الاف حالة زواج بين المطلقات وهذه تشكل ما نسبته 10 % من حالات الزواج في الاردن البالغة 60 الف حالة وهذا يعني ان المطلقة تتزوج ولا تجد صعوبة في ذلك، نظرا لتغيرنظرة المجتمع الأردني للنساء المطلقات.
الحباشنة: اطفال قاصرون عن تأدية وظائفهم
ويرى أستاذ علم النفس في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الحباشنة أن زواج القاصرات في القانون الأردني ممنوح لحالات استثنائية، ومن ناحية طبية واجتماعية يكون محل انتقاد وتحريم فنحن نتعامل مع فتاة في مرحلة يافعة لم تخرج من مرحلة الطفولة، ولا يمكن الاعتماد على أنثى غير ناضجة وغير مسؤولة لتربية الأطفال والتعامل مع الزوج بالصيغة الكاملة، هذه الأنثى قد تصاب بالإحباط وعدم الرضا وصعوبة التأقلم مع الحياة الزوجية وتفقد فرصتها في تحقيق إنجازاتها الدراسية والاجتماعية.
ويعتبر زواج القاصرات حرماناً للفتاة لها من نواحي الإنتاج، مؤكداً أن هذا الزواج محكوم عليه بالتعسر إن لم يكن بالفشل وعدم تكوين الشكل الوظيفي للأسرة، فالزواج الناجح مبني على معرفة كل طرف بحقوقه وواجباته.
خليفة : الحالة البدنية
ويلمح مستشار النسائية والتوليد الدكتور ياسر خليفة إلى مخاطر صحية ينطوي عليها زواج القاصرات، ويقول إن الفتاة دون سن الثامنة عشرة غير ناضجة بيولوجيا او حتى نفسيا لتحمّل أعباء الحمل والتعامل مع الطفل المولود، مبينا ان العلم يشير إلى ضرورة نضوج جهاز الغدد الصماء لدى الفتاة لأنه المسؤول عن تهيئة الأم للتعامل مع طفلها من حيث الرضاعة والتنشئة والتربية.
ويوضح ان الحمل لمن هن دون سن الثامنة عشرة يعد حملا خطرا ذلك ان الحوض والرحم لدى الانثى يكونان غير ناضجين بالشكل الكامل مما يؤدي في حالات عديدة الى الاجهاض المبكر او الى ولادات مبكرة (مواليد الخداج) الامر الذي يترتب عليه مضاعفات طبية سلبية للطفل واحتمالية إصابته بأمراض وضعف في مناعته ما يرتب أعباء مادية ونفسية كبيرة على الأسرة.
ويضيف ان سن البلوغ عند الفتاة يختلف من منطقة إلى أخرى في بلادنا، لكن هذا البلوغ لا يعني باي حال ان الفتاة اصبحت جاهزة ومؤهلة صحيا وجسديا ونفسيا واجتماعيا لتتزوج وتصبح أماً بهذه البساطة التي قد يتوهمها البعض.
وهذا مخالف لاتفاقية حقوق الطفل في المادة 19 – البند الاول ( تتخذ الدول الاطراف جميع التدابير التشريعية والادارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة اشكال العنف او الضرر او الاساءة البدنية او العقلية والاهمال او المعاملة المنطوية على اهمال، واساءة المعاملة او الاستغلال بما في ذلك الاساءة الجنسية ، وهو في رعاية الوالدين او الوصي القانوني، او اي شخص اخر يتعهد الطفل برعايته).
القضاة : المرأة اذا بلغت فانها تصبح مكلفة شرعا
ويرى عميد كلية الشريعة في الجامعة الاردنية الدكتور محمد القضاة ان هناك من الناحية الشرعية سن البلوغ وسن الأهلية للزواج وسن الرشد وقد جعلت الشريعة الإسلامية التكليف الشرعي في سن البلوغ.
ويضيف: المرأة اذا بلغت فانها تصبح مكلفة شرعا، أي يجب عليها ان تصلي وتصوم، واذا تقدم احد لخطبتها فإنها تتزوج ولكن قانون الأحوال الشخصية أراد ان يمكّن الفتاة من التفكير بمستقبلها وحياتها الزوجية لذلك حدد القانون اهلية الزواج في عمر الثامنة عشرة وهو سن الرشد الا انه أجاز للقاضي أن يأذن بإجراء عقد الزواج في سن الخامسة عشرة الشمسية وليست السنوات القمرية وهذا الاستثناء يجب ان يقدم له مصوغه الشرعي وهي ان المصلحة لهذة الفتاة ان تتزوج بهذه السن المبكرة.
ويبين د.القضاة ان زواج القاصر لا يعد ظاهرة في مجتمعنا لان معظم الأولياء يحرصون على زواج بناتهم بعد ان يكملن دراسة الجامعة او الكلية او على الاقل الثانوية العامة وسنها ستكون الثامنة عشرة فما فوق وكل ما ذهب اليه القانون مستمد من شريعتنا .