هآرتس: الكونفدرالية بين إسرائيل وفلسطين والأردن هو الحل الأمثل للنزاع
جو 24 :
قال الأكاديمي الإسرائيلي البروفيسور غبريئيل موكيد -في مقال نشره بصحيفة هآرتس- إن الكونفدرالية بين إسرائيل وفلسطين والأردن تبدو الحل الأمثل للنزاع الذي يمتد لما يزيد على 150 سنة في هذه المنطقة، وفق تقديره.
وأضاف موكيد أن هذه الكونفدرالية بين البلدان الثلاثة تتطلب تخلي الفلسطينيين عن أحلامهم بعودة اللاجئين إلى داخل إسرائيل، والتوقف عن التحريض الوطني والديني برفض وجود اليهود في إسرائيل، والتوقف عن عرضهم كضحايا أبرياء، كما يقول.
ويتطلب إنجاح هذه الخطة -وفقا لموكيد- عدم تمكين اليمين الإسرائيلي المتطرف من أن يملي على الإسرائيليين رؤاه العابثة الكاذبة لبلاد إسرائيل الكاملة من النهر إلى البحر بسيطرة يهودية حصرية، وفق تعبيره.
وزعم موكيد -وهو أكاديمي يحاضر في جامعات إسرائيلية وغربية- أنه كان ينادي بهذه الكونفدرالية بين الدول الثلاث منذ السبعينيات والثمانينيات، مشيرا إلى أن أصواتا مؤيدة لهذه الفكرة بدأت تظهر في الآونة الأخيرة -على حد قوله- بدءا بالرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين وبعض الجنرالات وأبرزهم العميد عوديد تيرا والأكاديمي دورون ماتسا.
وقال الأكاديمي الإسرائيلي إن إسرائيل من الناحية العملية البسيطة لا يمكن تقسيمها بين دولتين فلسطينية ويهودية، في ظل محدودية مواردها الطبيعية كالمياه والكهرباء والطاقة، والمطلوب اليوم -كما يقول- القيام بتعاون كامل بين السلطات السياسية في كل أراضي إسرائيل وفلسطين.
وأشار إلى أن مدينة القدس بأحيائها المختلفة ومواقعها المقدسة للأديان الثلاثة تستوجب التعاون في إطار مدينة واحدة غير مقسمة، مقترحا سلسلة بنود أولية للمشروع الكونفدرالي الذي يتلخص في منح مواطنة عامة لسكان البلدان الثلاثة، بجانب المواطنات التفصيلية الثلاث: الأردن وفلسطين وإسرائيل.
ويقترح موكيد -وهو الرئيس السابق لرابطة الأدباء العبرانيين- أن يتم تحديد شكل الحكم السياسي الداخلي من جانب كل دولة عضو بالكونفدرالية، أما في مجالات التنمية الاقتصادية والسياحة فتقام سلطات كونفدرالية مشتركة، على أن تكون القدس الموسعة عاصمة لهذه الكونفدرالية، ويكون لكل واحدة من الدول الثلاث عاصمة خاصة بها، سواء القدس أو عمّان، كما يقدم في طرحه.
وطالب الأكاديمي الإسرائيلي بأن تقبل هذه الدولة الكونفدرالية كعضو في الجامعة العربية وباقي المؤسسات الإقليمية، وتكون لها قوات عسكرية معينة مشتركة، وعلَم خاص بها، وأن تكون لغتا الكونفدرالية هما العبرية والعربية، إلى جانب الإنجليزية لأغراض العمل الدبلوماسي، وفق تقديره.
وتاليا نصّ المقال كما ترجمته صحيفة القدس العربي:
على فرض أن ينصرف الفلسطينيون ذات مرة من أحلامهم العابثة عن عودة أمثال اللاجئين إلى نطاق «الخط الأخضر»، عن التحريض الوطني والديني، عن رفض وجود الأمة اليهودية في بلاد إسرائيل، وبشكل عام عن تأريخ كاذب يعرضهم كضحية أبرياء على مدى الأجيال؛ وبشكل مشابه، على فرض ألا ينجح يميننا المتطرف في أن يملي علينا رؤيا عابثة كاذبة لبلاد إسرائيل الكاملة من النهر حتى النهر بسيطرة عبرية حصرية، مع 4 ـ 5 مليون فلسطيني في نطاق سيادتنا- لعلنا نتمكن، نحن القوميتين في البلاد معا، من أن نخطط مستقبلا مشتركا أفضل في ظل هجر أقانيم فكر قديمة وفي ظل التقدم في طرق تفكير جديدة.
نقطة منطلق لطرق تفكير جديدة وضرورية كهذه كفيلة بأن تكون حقيقة أن البلاد من النهر حتى النهر أصغر من أن تقسم من خلال سور لا يمكن عبوره، من خلفه تسكن الأمة الثانية التي نرغب في أن ننفصل عنها. إذ انه من الناحية العملية البسيطة لا يوجد مكان وإمكانية حقا لتقسيم كاتم كهذا بين دولتين، بلا تعاون بعيد الأثر بينهما. هكذا، مثلا، حتى من الناحية البيئية البسيطة لوحدة اقتصاد المياه، ومن ناحية شبكة الكهرباء وباقي أشكال الطاقة، مطلوب في كل الأحوال تعاون كامل بين السلطات السياسية في كل أراضي بلاد إسرائيل «فلسطين». هو الحكم أيضا اقتصاد العمل المشترك والمخططات المختلفة للتنمية الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، فإن مجال السياحة، المعتبر منذ الآن والكفيل بأن يكون أوسع بكثير في مستقبل السلام، لن يوصف على الإطلاق من دون تفعيل مشترك لكل أرجاء البلاد. إضافة إلى ذلك، فإن القدس بأحيائها المختلفة ومواقعها المقدسة للأديان التوحيدية الثلاثة وسكانها من القوميتين لا بد أنها تستوجب التعاون في إطار مدينة واحدة غير مقسمة. ويمكن أن نضيف أن ترتيبات الأمن الحيوية، التي بدونها لن تقوم هنا أي تسوية سلمية تفترض أطرا من التعاون الشامل، على الأقل بين النهر والبحر.
ومع ذلك، فإن الأسباب التي تستوجب إقامة إطار سياسي مشترك بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل أعمق حتى من كل الأسباب العملية التي ذكرت أعلاه. هذه الأسباب، الأعمق، هي في أساس الأمر نفسية، وجدانية وعاطفية. فقسم مهم من الأمة اليهودية في بلاد إسرائيل وربما كل الأمة العربية ـ الفلسطينية في البلاد، يرون في كل أرجاء بلاد إسرائيل (فلسطين) مجال الوطن ويعتقدون أن لهم صلة كهذه أو تلك بها كلها. ناهيك عن أنه في نطاق الخط الأخضر أيضا توجد أقلية فلسطينية جدية، وكذا خلف الخط الأخضر توجد اليوم أقلية يهودية ذات مغزى ـ ووجود هذه الأقليات القومية يعزز فقط الإمكانية والحاجة إلى خلق إطار أعلى يعطي تعبيرا لصلة الشعبين بوحدة عليا إقليمية واحدة لبلاد إسرائيل. نضيف إلى ذلك أنه لأسباب قومية ـ تاريخية ودينية، فإن الضفة الثانية، الشرقية، من نهر الأردن هي ذات صلات عديدة في الضفة الغربية. مجرد وجود دولة الأردن مضمون ومحمي بقدر كبير ليس فقط من جانب اعتبارات دولية مختلفة، بل وأيضا من جانب التأييد، الذي يصل إلى عموم الضمانة لوجودها، من جانب دولة إسرائيل، ناهيك عن أن تفكك الدولتين البعثيتين ذاتي القوة العسكرية من شمال الأردن ـ سوريا والعراق ـ يعطل خطر الضغط العسكري العموم عربي ضد خلق إطار أعلى من «كونفدرالية القدس» على جانبي الأردن. وبالتالي، بدلا من الشعار القديم لليمين الإصلاحي عندنا «ضفتان للأردن ـ هذه لنا، وتلك أيضا» يأتي الشعار الحديث: «ضفتان للأردن ـ هذه معنا، وتلك أيضا».
وهاكم بضعة بنود أولية للمبنى الكونفدرالي المقترح:
٭ مواطنة عامة للكونفدرالية تقوم إلى جانب المواطنات التفصيلية الثلاثة.
٭ مواطنة عامة هذه تمنح حقوقا محددة، كحرية الحركة والتجارة في أرجاء الكونفدرالية لكل مواطنيها.
٭ تتحدد مجالات خاصة لكل قسم من أقسام الكونفدرالية، تكون متعلقة حصريا بقرارات ذاك القسم (مثلا: شراء الأراضي).
٭ شكل الحكم السياسي الداخلي يتقرر انفراديا من جانب كل واحدة من الدول الثلاثة التي تتشكل منها الكونفدرالية.
٭ في كل مجالات التعاون الكونفدرالية (كالتنمية الاقتصادية والسياحة) تقام سلطات كونفدرالية مشتركة.
٭ القدس الموسعة تكون عاصمة الكونفدرالية، فيما يكون لكل واحدة من الدول الثلاثة عاصمة خاصة بها، سواء في القدس أم في عمان.
٭ تحيي الكونفدرالية بروح الأخوة والاعتراف الثقافي المتبادل كل كنوز الثقافة والتاريخ لبلاد إسرائيل (فلسطين)، وتعرضها في أرجاء العالم.
٭ تقبل الكونفدرالية كعضو مرافق في الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات الإقليمية.
٭ تكون للكونفدرالية قوات عسكرية معينة مشتركة وعلم خاص بها.
٭ تقيم الكونفدرالية سلطة خاصة لمكافحة الإرهاب.
٭ مفهوم أن لغتي الكونفدرالية ستكونا العبرية والعربية، إلى جانب الإنجليزية لأغراض التمثيل.
٭ مثل حق هجرة يهود الشتات إلى دولة إسرائيل، يكون لأنسال الفلسطينيين اللاجئين الحق في الاختيار بين بدل التأهيل في بلدان إقامتهم الحالية وبين حق التأهيل بالتدريج ـ وفقا لجدول زمني لخطط التنمية المقررة، في نطاق دولة فلسطين التي في الكونفدرالية.
وأخيرا أشير (وآمل من دون أن أقع في خطيئة الغرور) بأنه منذ السبعينيات والثمانينيات حاولت، إلى جانب البروفيسور اندريه شوراكي، رحمه الله (مترجم القرآن إلى الفرنسية)، أن أنشئ في البلاد حركة أو مجموعة ضغط، من أجل الكونفدرالية بل وعرضت هذه الفكرة باختصار في السنوات الأخيرة في سلسلة مقالات.
كما أنه منذ السبعينيات حين كنت أدرس في اكسفورد، دعين للمحاضرة عن فكرة الكونفدرالية أمام المجتمع العربي لأكسفورد الذي قادته عدة شخصيات فلسطينية بارزة.
يسرني أن انطلقت مؤخرا في البلاد عدة أصوات تؤيد هذه الفكرة، بدء برئيس الدولة روبين ريفلين وحتى شخصيات مختلفة كالعميد احتياط عوديد تيرا ود. دورون ماتسا. وبالذات في أيام الاشتعالات الأمنية الجارية من المهم عرض حلول ممكنة للنزاع الوطني والديني القائم في البلاد منذ نحو 150 سنة.
هآرتس 11/8/2017
البروفيسور غبريئيل موكيد
٭ محرر مجلة «الان» و«جيروزاليم ريفيو»