مصيدة اسمها "شقة العمر": التعثّر بسداد قروض البنوك يلقي بـ 6 آلاف أسرة إلى الشارع
«مع القرض السكني أصبح امتلاك بيت أحلامك واقعا! بهذا القول الجذاب يثير البعض احاسيس الطبقة الوسطى لامتلاك شقة العمر، ومثله المئات من الاعلانات التي تدفع المواطن إلى اللجوء لبنوك للحصول على القرض، وسط شروط ميسرة، دفعت عشرات الالاف للاقبال على هذه القروض والاستفادة منها.
إلا ان هذا الإعلان الجذاب والمطمئن نفسيا يفقد بريقه، بل ويتحول الى نكبة نفسية واجتماعية لنحو 6 الاف أسرة اردنية سنويا، عندما يقع الحجز البنكي على «شقة العمر» بعد تعثّر «العميل» بسداد القرض، وتباع الشقة بالمزاد العلني، ليجد «صاحبها» نفسه واسرته في الشارع!.
عشرات آلاف الشقق السكنية، التي امتدت على المساحات الشاسعة للعاصمة عمان، وغيرها من محافظات، خلال العقدين الماضيين، مرت عملية امتلاكها من قبل مواطنين عبر بنوك، من خلال قروض سكنية وتسهيلات بنكية، قدرت العام 2015 فقط بنحو 37.9% من حجم القروض الاجمالية الممنوحة للافراد من قبل البنوك في الاردن، وعددهم الاجمالي نحو 565 ألف مقترض، بلغت قيمة مديونيتهم حوالي 9.748 مليار دينار، بحسب تقرير الاستقرار المالي للبنك المركزي.
والمستفيدون «العملاء» هنا في غالبيتهم موظفون بالقطاعين العام والخاص، ممن يمكن أن يدرجوا ضمن الطبقة الوسطى أو حتى محدودة الدخل.
طرفا المعادلة، البنك والعميل المواطن، يستفيدان من هذه العلاقة التجارية، لكن خبراء اقتصاديين واجتماعيين يرون ان ارتفاع حالات الحجز البنكي على شقق سكنية وبيعها بالمزاد العلني، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، يطرح اكثر من سؤال عن كيفية تطوير هذه العملية التجارية وشروطها لتجنب وقوع الاف الاسر سنويا ضحية فقدان مساكنها، بما يجره ذلك من اضرار اجتماعية ونفسية ومعيشية وامنية على الاسرة المتضررة والمجتمع عامة.
الاصطدام بجدار التعثـر المالي
«صميم عمل البنوك استقطاب الودائع، ومنح القروض والتسهيلات، بصرف النظر عن كيفية هذا الاستقطاب، نعم، ودون ادنى حرج، على البنوك اغراء المواطن، وخاصة «النظيف ماليا» غير المتعثر ماليا، وغالبا بعض البنوك تقبل تحويل الرواتب، بغرض منح القروض، لو كان متدنيا» يقول مصدر مصرفي عامل باحد البنوك، فضل عدم نشر أسمه.
يقول المصدر لـ «الدستور» انه «بمجرد توقيع العميل مع البنك على عقد القرض، فهذا يعني انه دخل مصيدة «الاذعان»، حيث ان القانون يفترض ان توقيع العميل على بنود عقد القرض السكني يعني انه قد علم بما جاء فيه بالكامل»، مؤكدا ان موظف البنك غير مسؤول عن افهام المواطن بكافة بنود العقد.
لم ينس احد المقترضين يوم 3 آذار 2013 عندما هاتفه موظف البنك ليبلغه بمراجعته يوم غد، وللضرورة القصوى، حيث يقول«في داخلي كنت اعلم ان الاتصال سيكلفني اخلاء الشقة والحجز عليها وبيعها بالمزاد.. لعدم قدرتي على سداد اقساط البنك، لكن لم اكن اتوقع ان يأتي اليوم الذي اجد نفسي فيه خارج شقتي العزيزة، التي الفتها وحلمت بامتلاكها منذ شبابي»، يقول حازم.
حلم المقترض، الموظف في شركة خاصة، وعائلته بامتلاك شقة سكنية: «كنت مبهورا باعلانات بعض البنوك وبالاغراءات التي تقدمها للمواطنين، وبين بنك واخر اصابني التيه، والحلم الكبير بامتلاك شقة العمر اصبح وشيكا»، هكذا يصف بدايات الحلم.
يتابع:«لملمت وزوجتي 3000 دينار، كانت كل ما نملكه، حتى جاءني صديقي وعرض علي شراء سيارتي بـ 4000 دينار فوافقت فورا، وتبرع شقيق زوجتي بمنحي 3000 دينار حتى نكمل مبلغ الدفعة الاولى للشقة بمساحة 150 مترا، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن حلم العائلة الكبير».
ترك المقترض منزلا متواضعا وقديما كان ورثه من والده بمخيم الحسين، ويقول «كان بيتنا متهالكا ومهددا بالسقوط باي وقت».
ويتابع «كنت قد دفعت من ثمن الشقة عند تركها 17 ألف دينار، عشرة الاف منها دفعة اولى، و7 الاف توزعت على 24 قسطا لعامين، في حين وقعت على قرض لـ 25 عاما، وقد قصرت بدفع 4 اقساط بعدها، ليقوم البنك على اثر ذلك بالعمل وفق قوانينه ، أولها اللجوء إلى القضاء ثم الحجز حتى الإخلاء».
يتذكر هذا المقترض بحرقة خسارته للبيت والمبلغ الذي دفعه للبنك، حيث انه لم يسترجع من ثمن الشقة بعد بيعها بالمزاد الا نحو 1200 دينار، من اصل ما دفعه اي 17 ألف دينار، ونوه إلى أن البنك أبلغه بأن ما دفعه كان فائدة عن المبلغ، لا اقتطاعا من ثمن البيت الحقيقي.
ويشعر الآن بعد مضي 4 سنوات على واقعة الاخلاء، بـالخيبة المريرة، وخاصة بعد عودته إلى بيت ابيه بالمخيم، والذي يصفه بـ «جهنم الدنيا، ولا يسكنه الا المغضوب عليهم!»، ويتساءل «كيف كان بإمكاني مواصلة سداد القرض ولدي شاب يتعلم بالجامعة، وشقيقتي كانت طالبة توجيهي، وبحاجة لدوسيات واساتذة خصوصي وقرطاسية ومتطلبات كثيرة؟!».
البحث عن بدائل للإخلاء
يقول هذا المقترض: «افهم حق البنك بتحصيل امواله بأي طريقة، ولكن الاخلاء ليس الطريقة الصحية، ومبيت الكثيرين وعائلاتهم في الشارع .. احمد الله انني ورثت بيت والدي».
ويزيد «باعوا شقتي، بتراب المصاري، والان يمتلكها عريس جديد، تخيل، لا اعرف ما الذي حصل معي! لا افهم كيف ان بيتا سكنته وحفظت زواياه، وضحكت وبكيت فيه، يذهب مني فجأة، ودون سابق انذار».
«ثمة حاجة اليوم للتفكير في بدائل تساعد المتعثرين بنكيا على الخروج من عنق التعثر، وذلك تحقيقا لمبدأ المسؤولية الاجتماعية للبنوك، وترسيخا للاستقرار المجتمعي، وفق مختصين وخبراء بالقطاع المصرفي.
ويقول هؤلاء لـ»الدستور»:»يمكن للبنوك التفكير بتسوية المديونيات المتعثرة للمواطنين»، ما يصب ايجابياً في نواح مختلفة، خاصة على صعيد عودة الاستقرار لأسر متضررة وللمجتمع، إضافة إلى ما يمثله ذلك من تخفيف في الأعباء على المحاكم والسجون.
ويحاجج خبراء بأن البنوك غير المتعاونة بمعالجة ديون المتعثرين «تخسر مادياً ومعنوياً»، موضحين أن البنوك «لن تتضرر من تسوية المديونيات المتعثرة بل ستكسب مزيداً من السمعة التي تعتبر أفضل بكثير بالنسبة لها مقارنة بالإيرادات المالية المرتفعة أو الأرباح القياسية».
ويذهب المصدر البنكي إلى الاقتراح على البنوك «التفكير بايجار المتعثر للشقة السكنية المحجوز عليها، مع إيقاف القرض، اذا كانت شقة سكنية كبيرة، وثمنها مرتفعا وقسطها الشهري كبير»، مشيرا إلى أن البنك بهذه الحالة يخفف على العملاء ويساعدهم على الخروج من عنق التعثر.
تائه بين بنكين
يروي مقترض اخر لـ «الدستور» رحلة نقل مديونيته من بنك إلى آخر، بعد ان وقع في تعثرمادي بسداد قرض بيته السكني، بهدف الحصول على فائدة أقل واقتطاع شهري أقل من الراتب.
كانت تجربة «مريرة»، بهذه الكلمات يلخص معاناته، قائلا: «طالبت البنك الدائن الأصلي بشهادة مديونية لعدة أسابيع، وبعد مراجعات كثيرة وانتظار طويل حصلت عليها، وعندما سلمته شيكا بقيمة ما تبقى من القرض لاستكمال إجراءات نقل المديونية، احتفظ البنك بالشيك لمدة 70 يوما وبقي يقتطع من راتبي، واستمر باحتساب الفائدة».
يقول المصدر البنكي ان مصلحة البنوك «تكمن في إعادة جدولة القروض للمقترضين المتعثرين»، معتبرا أن إعادة الجدولة «تعفي البنوك من تخصيص مخصصات إضافية لمواجهة الديون المشكوك في تحصيلها، وفقاً لمعايير البنك المركزي من جهة، ويسمح لها بتمديد فترة القرض وتحميل العميل المزيد من الفوائد المتراكمة التي ستثقل كاهله مرة أخرى بعد فترة من الزمن، من جهة أخرى».
وأضاف أن إعادة جدولة القروض للمتعثرين «تحل مشكلة للبنك، لكنها لا تقدم حلاً جذرياً لمشكلة العميل، بل تزيد عبء المديونية والتزاماته مقابل ترحيل المشكلة مؤقتاً».
في السياق، يرى الخبير المصرفي مفلح عقلان المواطن «يرهق نفسه كثيرا بأكثر من قرض، وهو بهذه الحالة لا يرى أبعد من أنفه، ولا يقدر حساباته وقدراته المالية بتحويل اجزاء من الراتب على أكثر من جهة».
ويعتقد عقل، في حديثه لـ»الدستور» ان التوسع في القروض الشخصية «سبب مهم» للوقوع في مشكلة التعثر، ما يؤدي بالضرورة الى الاخلاء من الشقة السكنية.
ويؤكد ان على البنوك التفكير جديا بالظروف التي يمر بها المواطنون في ظل حالة التباطؤ الاقتصادي التي تشهدها البلاد وتراجع المداخيل «وهي اسباب تؤدي الى التعثر ومبيت الكثير من العائلات في الشارع».
ويصف عقل عملية اخلاء المتعثرين ماليا بانها «غير انسانية»، لافتا في المقابل الى احقية البنوك باسترداد حقوقها «باية طريقة تراها مناسبة»، لذلك، يرى ان من الاجدى «التفكير ببعض البدائل لحماية العائلات من التشرد والضياع في رحلة البحث عن مسكن».
4.8% من القروض البنكية متعثـرة
المدير العام لجمعية البنوك في الأردن عدلي قندح يقول ان «ما يقارب 4.8 % هي قيمة التعثرات بالقروض البنكية»، مبينا ان من «حق البنك الحصول على حقوقه بكافة الطرق التي يراها مناسبة وصحيحة».
لكن قندح يدعو ، في الوقت ذاته، البنوك الى ضرورة «الإفصاح في القطاع المصرفي والتعامل مع العملاء بعدالة وشفافية».
ويوضح ان معظم الناس «يلجأون للقروض من البنوك والشركات الاستثمارية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة لتامين قرض سكني، لكن البعض يجد نفسه ضمن «الخيار الاصعب» الذي تحاول فيه بعض البنوك استرداد حقوقها بطرق مختلفة، ومن ضمنها الاخلاء».
قندح، لم يجد نفسه متشجعا للرد على سؤال حول ماهية «البدائل» الممكنة التي يمكن للبنوك اللجوء اليها بدل الاخلاء وبيع الشقة في المزاد العلني.
المحامي معاذ المومني، وبعد ان يلفت الى ان «التشريعات الدولية وجدت لتكون بصف الفرد باعطائه الاولوية بتامين المسكن، كابسط الحقوق الانسانية والحياتية»، يرى ان التشريعات الاردنية «لا تتوافق في كثير من حالاتها مع المواثيق الدولية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ويعتبر أن «الأولى من إخلاء المواطن من منزله باستخدام القوة الجبرية لتعثره المالي هو توفير الضمانات لاستقراره والبحث عن بدائل».
ويشير المومني الى ان القانون الاردني ينص على ان «بيت السكن لا يجوز الحجز عليه او بيعه»، وهو يحمل الحكومة واجهزتها مسؤولية تبعات اخلاء المتعثرين من مساكنهم، ويؤكد ان واجب الدولة هو «اعادة النظر في القوانين التي تجيز للبنوك الاخلاء بما يتواءم مع حق المواطنين بالحصول على سكن»، منبها الى ان هذه المسألة «اقتصادية اجتماعية وليست قانونية فقط».
وكان مجلس النواب أقر في دورته الاستثنائية الأخيرة مشروع قانون معدل للتنفيذ، رفض خلاله تعديلا حكوميا ورد في مشروع القانون، يسمح ببيع البيت، الذي يسكنه المدين إذا كانت القيمة المقدرة للبيت تزيد على ضعف الدين، ووافق المجلس على الرجوع للقانون الأصلي للعام 2007، الذي تقول المادة 28 منه: «لا يجوز بيع البيت الذي يسكنه المدين أو حصته الشائعة فيه إلا إذا كان البيت أو الحصة الشائعة مرهونة او موضع تأمين، أو كان الدين ناشئا عن ثمنه فيجوز حجز أي جزء منه وبيعه لوفاء بدل الرهن او التأمين او الدين».
البحث عن معادلة تحفظ الأمن الاجتماعي
الخبير الاقتصادي محمد البشير يعيد تزايد حالات الاخلاء للمساكن والتعثر بسداد القروض البنكية الى «ارتفاع تكاليف المعيشة، وتاكل الدخول وانخفاض مستوى الرواتب». ويقول:»هذا حالنا ،هناك التزامات وركود وارتفاعات من كل صوب، لذلك ترى رب الاسرة غير قادر على سداد البنوك والديون المتراكمة عليه».
ويعتبر البشير، في حديثه لـ»الدستور»، انه يتوجب على الحكومة «التدخل لايجاد حلول منطقية، ومطلوب ان تتفاعل وتساهم بادواتها الكثيرة المتشعبة بايقاف التغول على اسمى حاجات المواطن، وهو المسكن الآمن».
كما يرى ضرورة زيادة منسوب التثقيف المالي للناس في حال اقتراضهم من البنوك، وتوعيتهم بكيفية استخدامها لعدم ترتب التزامات مالية فوق حاجاتهم،ودعا المواطنين لضرورة التفكير المنطقي قبل الوقوع في ديون والتزامات بنكية تفوق قدراتهم المالية الحالية والمستقبلية.
بحسب تقرير اصدره البنك المركزي، فقد بلغ اجمالي القروض السكنية الممنوحة للإفراد من قبل البنوك حتى نهاية العام 2015 نحو (23,8) مليار دينار، هذه التسهيلات ساعدت على رواج تجارة العقارات والشقق السكنية ودفعت المواطنين الى شراء الشقق السكنية بتمويل من البنوك الا ان الوضع الاقتصادي الصعب ادى الى تخلفهم وعجزهم عن تسديد الاقساط المترتبة عليهم، ما دفع بعض البنوك للحجز على هذه الشقق، حيث ارتفعت نسبة الحجز خلال ذلك العام(15%) عبر الحجز على (5300) شقة.
الخبير الاقتصادي حسام عايش، يرى أن توجه الأردنيين للقروض السكنية «مؤشر يعكس عجزهم عن الادخار وتوفير القدرة المادية لشراء شقة». يقول «ثمن الشقة كبير مقارنة مع الدخل الشهري الذي يقدر بـ 460 دينارا. وبحسب وكالة «ستاندرد اند بورز» مؤخرا، فإن نصيب الاردني من الناتج المحلي الإجمالي يصل سنويا الى 4 آلاف دولار بنهاية العام الحالي، مقارنة مع 4.5 ألف دولار في 2011، وبالتالي فالظروف الاقتصادية سيئة بشكل عام.
لكن عايش يحذر من آثار التوسع في قضية إخلاء المدينين المتعثرين من شققهم، ويقول « عملية اخلاء الافراد من بيوتهم تؤدي إلى مشاكل كبيرة جدا، تؤثر بشكل سلبي على الاسرة والوضع الاجتماعي ككل».
مشكلة اسمها ارتفاع الفائدة البنكية
ويرى عايش ان على البنوك «الالتزام بسعر الفائدة على القرض، ، والبحث عن تسويات مع العملاء لتتحقق الفائدة لكلا الطرفين».
وتقع على البنوك – حسب عايش- مسؤولية دراسة أوضاع العميل قبل تورطه بالقرض، منتقدا بنوكا تشجع «بصمت» على اقتراض الافراد دون الاخذ بالاعتبار غياب الثقافة المصرفية لدى العملاء.
ويقول «الخطأ مشترك بين البنك وبين العميل؛ حيث ان الاخير يصدق أن مشاكله يمكن أن تنتهي بمجرد الحصول على القرض دون التوقف عند ظروفه».
ويفسر عايش ظاهرة التوسع في تعثرات الافراد بارتفاع «الفائدة البنكية على القروض»، التي تُحمل المقترض كلفا إضافية، قد يعجز عن الوفاء بها إذا ما تعرضت وظيفته للخطر، إضافة إلى عدم تقصي بعض البنوك للحقائق الفردية عن المقترض، كالدخل وإمكانية السداد، التي بدورها تحمي العملاء من الوقوع بالمخاطر.
ومع زيادة معدلات الفقر وتراجع حجم الطبقة الوسطى، طالب عايش الجهات الرسمية خاصة البنك المركزي التدخل بحماية المواطنين من جشع بعض البنوك وشركات التسهيلات المالية ، وذلك بمراقبة اسعار الفائدة، المتراوحة ما بين 5 – 6% فقط كفائدة على القروض».
ووصل عدد المقترضين الأفراد من البنوك في الأردن العام 2015 الى نحو 826362 مقترضا، منهم 157730 مقترضة، في حين كان العدد العام 2014 حوالي 565 ألف مقترض، وذلك وفقاً للتقرير السنوي لجمعية البنوك في الأردن لعام 2015.
وتشير آخر نشرة احصائية للبنك المركزي الى ان قيمة قروض البنوك المحلية في النصف الأول من العام الحالي ارتفعت بمقدار 1.147 مليار دينار، بما نسبته 5 % مقارنة مع مستواها في نهاية العام الماضي.
وبلغت القيمة الإجمالية للقروض في نهاية النصف الأول من العام الحالي 24.05 مليار دينار، مقارنة مع 22.905 مليار؛ مستواها في نهاية العام الماضي، بحسب جدول التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك وفقا للنوع.
سوق «السمسرة» ينتعش على الهامش
تزايد ظاهرة الحجز على الشقق السكنية وبيعها بالمزاد العلني في السنوات القليلة الاخيرة انعش سوقا آخر، هو سوق «السمسرة» والوساطة في بيع تلك الشقق بطرق ملتوية! بعض أبطالها تجار عقارات وموظفي بنوك او اشخاص عاديين يبحثون عن ربح سريع.
تقمص معد التحقيق دور الباحث عن شقة حجز عليها بنك بعد تعثر صاحبها عن سداد الاقساط الشهرية، وعدم قدرة المتعثرعلى البيع لتحصيل ما دفعه للبنك، حيث وجد المعد نفسه اخيرا امام سمسار يعمل بمكتب لبيع وشراء الشقق السكنية في عمان.
بعد ترحيب وتفحص دقيق لصاحب الطلب وطلبه: «أبحث عن شقة تكون محجوزة من بنك، لكن بصراحة اريد سعرا جيدا.. بدي اوفر.. وعمولتك متوفرة؟».
جاء الجواب سريعا:«أوصلتْ.. يومين او ثلاثة بالكثير سأجد لك واحدة مناسبة، ومدفوع من سعرها الشيء الفلاني، لكن قبل ذلك اريد الحلاوة!».
3 ايام عاد معد التحقيق للاتصال بالسمسار: «مرحبا، شو صار معك؟ وجدت لي الشقة؟» يرد: «طبعا.. ومدفوع من حقها عن طريق بنك (...) عشرة الاف دينار، واتفقت مع صاحبها على بيعها بسبعة الاف.. وانت بتكمل مع البنك قسطها الشهري ( ...)، وفّرت عليكَ 3000 دينار، شو رأيك؟»
وافق معد التحقيق على شراء الشقة الواقعة ، بالمبلغ الذي طلبه السمسار، على ان يرتب الاخير لقاء مع المتعثر (صاحب الشقة)، حتى يتم تسوية المعاملة والاتفاق معه على موعد فك الحجز وتسليم الـ 7000 دينار، لكن لم يلق ذلك استحسان السمسار، رافضا ان يتم اللقاء.
ويقول السمسار: «ما دامك تريد الشراء عن طريقي ليس لك الحق بلقاء البائع، انا سابعثك لموظف البنك حتى تتفاهم معه على الأمر، ولا تشغل بالك في شيء ثاني».
بدا ان السمسار يتخوف من كشف أمره، ويحرص على تجنب الدخول في «سين وجيم»، مع (المشتري/ معد التحقيق)، ويقول: «اعمل في هذا المكتب، ليلا ونهارا حتى احصل على مبلغ بسيط، من وراء بيع الشقق المحجوزة للبنوك، وحتى أؤكد لك صدق كلامي، المبلغ الذي ساحصل عليه اذا اشتريت الشقة سناخذه من البائع، سيقسم على اربعة، لكل واحد فينا 500 دينار»، وانت عليك 200 دينار مقابل خدمة المكتب».
« كل اسبوع ياتي الينا من 5 – 10 مواطنين تعثروا بالسداد، يريدون بيع شققهم، حتى ينتهوا من عذاب التفكير والهم والقروض»، هكذا يلخص السمسار اعداد الذين يتفقون مع سماسرة او مكاتب لبيع الشقق المحجوزة باقل الاسعار.
وعند سؤال معد التحقيق حول كيفية وصول السماسرة والمكاتب الى المتعثرين بنكيا، يجيب السمسار: «شو دخلك، مو شغلك .. واحكيلك... انا زلمة ما بحسب حساب حدا، فيه موظفين بالبنوك بتعاملوا معنا عشان يخلصوا من الشقة ويستفيدوا عند مديرهم، واحنا كمان بنستفيد ونفيد حضرتك، شفت كيف!».
الخاتمة لا يمكن ان تكون سعيدة أو عادية للمتعثر ماليا بقرضه البنكي السكني ولا لاسرته، ففيها تكون بداية جديدة من السقوط في براثن الاضطراب النفسي والاجتماعي.. وتداعيات اخرى لا يمكن حصرها.
يقول استاذ علم النفس والارشاد النفسي المساعد بجامعة فيلادلفيا د. عدنان الطوباسي ان «السلوك الذي ينتج عن اخلاء او ابعاد الاسرة عن مسكنها الآمن، المظلل بالمحبة والعيش الكريم إلى الشارع، يؤدي للكثير من الامور التي لا تحمد عقباها»، منها «ازدياد حالات العنف، والتوتر النفسي، والضغوط الاجتماعية، والحقد الاجتماعي، الذي يبعد الإنسان عن كينونته الأساسية (الخيّرة) الى جوانب مظلمة يسودها التعطش والانتقام وسعي الفرد للوصول إلى ما يريد بأية طريقة ممكنة، فهو قد بات ببعده عن مسكنه الامن ضائعا من الفضاء والفراغ».
(الدستور - تحقيق: جلال ابو صالح)