أحداث الرصيفة: جرح عميق يستوجب رحيل الحكومة.. وتشديد الاجراءات الأمنية بحق المجرمين
جو 24 :
كتب خالد الخواجا -
لم يكن ممكنا أن نصدق أن الدولة تركت مشكلة الرصيفة بعد مقتل شابّ من عشيرة الخلايلة وتشويه شقيقته وابنتها دون حل، لتأخذ القضية مداها البعيد، ويبدأ تقاذف الاتهامات في كلّ اتجاه وصوب، وتندلع الاحتجاجات ويزداد الغضب وتتولد الأحقاد لتخلق اتهامات غير مسبوقة في الشارع الأردني.
صحيح أن الأجهزة الأمنية تمكّنت بعد أربعة أيام من القبض على المتهمين الثلاثة في القضية، غير أن تلكّؤ الأجهزة الأمنية في البداية خلّف ضغطا على ذوي وعشيرة المغدور، ودفعهم لأعمال انتقامية طالت اغلاق الشوارع وحرق منازل واغلاق طرق واطلاق العيارات النارية ونشر الرعب بين سكان الرصيفة، والحقيقة أن "الجريمة النكراء" كانت الشرارة التي فجرت احتقانات دفينة تجاه الحكومة لدى الأهالي.
الواقع أن انتشار المجرمين في محافظة الزرقاء لم يعد يطاق أبدا، وصار لزاما على الحكومة أن تتخلّى عن صمتها تجاه تلك الحقيقة، حيث أن استمرار الصمت الرسمي على المجرمين يغذّي دوافع الانتقام ويثير مشاعر الحقد ويعزز ايمان الناس بامكانية تحصيلهم حقوقهم بشكل فردي وخارج اطار دولة المؤسسات والقانون، خاصة في ظلّ فقدان "الحلول العشائرية" واستبدالها بـ "الفزعات العشائرية"، ولعّلنا كنّا أمام حالة في لواء الرصيفة خلّف اثار سلبية على الاردنيين كلهم وليس أهالي الزرقاء فقط؛ فقد تمزّقت الوحدة الوطنية إربا بكلمات وشعارات وأفعال غذّاها بعض رموز طرفي الحادث.
ما جرى في الرصيفة وما شاهدناه من أخبار وصور وردتنا وانتشرت أيضا عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي غير الأردنية، يضعنا أمام مسؤولية كبيرة، وهي حاجتنا إلى عملية اصلاح ذات البين وإعادة زرع وتغذية بذور المحبة والتآلف بين كافة مكونات هذا اللواء.
كما أن ما حدث يثير تساؤلات عن دور وزارة الداخلية ممثلة بمحافظ الزرقاء ومتصرّف اللواء وقادة الأجهزة الأمنية، إضافة إلى وجهاء اللواء ونوّاب المحافظة والشيوخ ورموز العائلات العريقة، والتي كان من الواجب عليها أن تزور مضارب عشيرة الخلايلة للتخفيف من مصابهم ومواساتهم والوقوف معهم لترسيخ قيم المحبة والتعاطف، وردم الفجوة بين مكوّنات الشعب الأردني, ودرء الفتن والاعمال التي نتجت عنها.
صحيح أن أكبر المتضررين هما طرفا الجريمة "ذوو المجني عليه وذوو الجناة"، غير أن اللواء كلّه تضرر أيضا، وحدث فيه شرخ عميق لا يمكن إصلاحه إلا بوفدٍ يضمّ الآلاف من قاطني اللواء يترأسه محافظ الزرقاء ومتصرّف الرصيفة ونواب ومشايخ المحافظة، لتهدئة خاطر ذوي المجني عليه وعشائر بني حسن، ووأد الفتنة في أرضها، بدلا من الاكتفاء من اعتكاف اولئك الوجهاء في منازلهم والاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار.
لن أتحيز إلى أي طرف دون الآخر، ولكن ما جرى يستوجب منّا أن ننصف صاحب الحقّ، ويستوجب علينا أيضا البحث في الحلول المجتمعية والشعبية التي من شأنها وقف أية اساءة لاي طرف مستقبلا، خاصة في ظلّ فقداننا الأمل بالحل الحكومي وضعف العقوبات بحق المجرمين واصحاب السوابق الذين لم يقتصر أذاهم على أبناء عشيرة الخلايلة فقط بل تعدّاه ليشمل كافة سكان محافظة الزرقاء وحتى المملكة، وهنا لا بدّ من توافق شعبي على تسليم أي شخص يهدد أمن المجتمع ويخرج عن القانون للأجهزة الأمنية وعدم التستر عليه وفضح المتوسطين لاخراجهم من السجون.
للأسف، فإن إحدى التبعات الخطيرة لجريمة الرصيفة ما شهدناه من مناوشات بين الأردنيين بناء على منابتهم وأصولهم، وأذكى هذه المشاعر السوداء بعض المتكسبين من إثارة الفتن بين مكوّنات المجتمع الأردني؛ وهذا ما دفع المئات بل الآلاف من المواطنين والمراقبين لاطلاق النداءات والتحذيرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تدهور الأوضاع في لواء الرصيفة.
بالتأكيد نحن نضمّ صوتنا إلى تلك الأصوات، بل ونعتقد إن الواجب على الحكومة ملاحقة أي شخص يسيء إلى أي مكوّن من مكوّنات المجتمع وأي طائفة، وذلك لسدّ الطريق أمام أي مغرض يبثّ الفتن سواء على أرض الواقع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الواقع إن الاجراءات الامنية الضعيفة في جريمة الرصيفة وغيرها كان لها دور كبير في اشعال شرارة الفتنة هذه، وكان من الاجدر ملاحقة المجرمين ومنح صلاحيات واسعة لرجال الامن لفرض عقوبات على اصحاب السوابق داخل المراكز الامنىة بعد الانتشار الواسع للاجرام وتعاطي المخدرات والأتاوات والابتزاز، وأن يكون القضاء صارما في انزال اقصى العقوبات على المجرمين.
إن التخاذل الامني الشرطي يحتاج الى حزم كبير، حيث يوجد أكثر من 1800 جريمة لم يتم الكشف عنها العام الماضي، وأكثر من 150 ألف مطلوب قضائيا، كما يحتاج إلى وقف أي علاقة مصلحية بين الشرطة وأصحاب السوابق حيث ان المواطن يصدم عندما يتلقى خبر القاء القبض على مجرم بحقة اكثر من 50 قيد امني.
وحتى لا تتكرر حادثة الرصيفة، ويذهب كل صاحب حق لأخذ حقه بيده، وتنتشر الفوضى والفتن فانه اصبح من الضروري ان تتعظ الحكومة ووزارة الداخلية من هذه الفاجعة التي تركت جرحا غائرا في نسيجنا الوطني وتتخذ اجراءات امنية واسعة يشعر بها المواطن والا على الحكومة الرحيل العاجل.