شاعر عربي دميم خلّدته قصة حب مع فاتنة!
جو 24 :
قالت عنه والدته: "اسمعوا شعره ولا تنظروا إلى وجهه"، فقد كان قصيراً، قبيح المنظر، رغم حلاوة لسانه، إنه #الشاعر العربي #ذو_الرمة الذي عاش في الفترة من 77 إلى 117 هجرية، وقضى حياته ينشد أشعار الغزل دون أن يظفر بمحبوبته التي ارتبطت باسمه، مي أو مية.
اسمه الحقيقي غيلان بن عقبة العدوي، ويعتبر من شعراء العصر الأموي؛ وقد لقب ذو الرمة بهذا الاسم، نسبة إلى قطعة الحبل التي تعني الرمة، والقصة ترتبط بحسب إحدى رواياتها بـمعشوقته مي.
شراب أبدي
يُحكى أنه في أول حديث بينه وصاحبته "مي"، إذ مرّ يوماً بخباء قومها، فاستسقاهم، فقالت له والدة مي.. قومي فاسقه. فجاءته الفتاة بالماء، وكانت على كتفه رمة "وهي قطعة من حبل"، فقالت: "اشرب يا ذا الرمة".
ومن هنا نشأ الوله والعذاب الأبدي، الذي دفنه معه في قبره، وحيث كان تلك القولة: "اشرب يا ذا الرمة" شراباً لا يروي ظامئه.
وقيل إنه كان يربط هذا الحبل أو قطعة من الجلد منذ صغره، وتتدلى منه تعويذة، وقد حافظ عليها حتى كبر دون أن يتركها.
بين الدمامة والفتنة
في مقابل صورة ذلك الرجل الدميم كانت #مي امرأة جميلة، تثير فتنة الرجال، وقد انتهى بها المطاف أن تتزوج من غير شاعرها والرجل الذي هام بها حباً.
وقد وصف ذو الرمة "مي" بما يؤكد أحاديث الرواة عنها من جمال الوجه وطول الخد والأنف وسمات الملاحة بشكل عام، يقول عنها:
براقة الجيد واللبَّاتِ واضحة
كأنها ظبية أفضى بها لبَبُ
تزداد للعين إبهاجاً إذا سفرتْ
وتحرَجُ العينُ فيها حين تنتقب
لمياء في شفتيها حُوةٌ لَعَسٌ
وفي اللثاتِ وفي أنيابها شنب
كما قال في وصفها أيضا، حيث يشير إلى أن أجمل ما فيها العينان والابتسامة مع نعومة جمالها ورقة منطقها:
لها بشرٌ مثل الحرير ومنطقٌ
رخيم الحواشي لا هُراءٌ ولا نزرُ
وعينان قال الله: كونا فكانتا
فعولان بالألباب ما تفعل الخمرُ
وتبسم لَمح البرقِ عن متوضِّح
كلَون الأقاحي شاف ألوانَها القطرُ
مات وبقيت مية العجوزة!
لم يعمر ذو الرمة طويلا إذ إنه مات في الأربعين من عمره تقريبا، واختلف في مكان وفاته حيث قيل في البادية وقيل في #أصفهان، وحيث كان مولده قبلها بالدهناء من بادية اليمامة.
لكنه خلّد شعرا لا يزال يمتلك نصاعته إلى اليوم أكثر ما فيه الغزل الذي أوحت به "مية"، التي عاشت بعده وعمرت طويلا حتى صارت عجوزا قبيحة، وهكذا يدور الزمان.
ونقل أن رجلاً يدعى أسيد بن عمرو، مر بـ "مي" وهي مسنة عجوز، وقد فات فواتها، وقوض جمالها، حيث دار الزمان، فقال: "مررت على مي وقد أسنت، فوقفت عليها وأنا يومئذ شاب فقلت ما أرى ذا الرمة إلا قد ضيّع فيك قوله:
أما أنت عن ذكراك مية تقصر
ولا أنت ناسي العهد منها فتذكر؟".
ومية هي بنت مقاتل بن طلبة المنقرية، وقد قال فيها أول ما ألهي بها ذو الرمة، مما خلد من شعره:
على وجه مي مسحة من ملاحة
وتحت الثياب العار لو كان باديا
ألم تر أن الماء يخبث طعمه
وإن كان لون الماء أبيض صافيا
فواضيعة الشعر الذي لج فانقضى
بمي ولم أملك ضـلال فؤاديا
خلاف حول طبقته الشعرية
لكن ذو الرمة لم يكن يصنف في فحول الطبقة الأولى، إنما الثانية، وقيل إن كان ينشد مرة في سوق الإبل، فجاء ا#لفرزدق فوقف عليه، فقال له ذو الرمة: "كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس؟"، فقال: "ما أحسن ما تقول"، قال: "فما لي لا أذكر مع الفحول؟"، قال: "قصر بك عن غايتهم بكاؤك في الدمن وصفتك للأبعار والعطن".
لكن رغم ذلك فقد قيل "ختم الشعر بذي الرمة"، وهي مقولة لأبي عمرو بن العلاء من علماء عصره، فيما قال عنه الشاعر جرير: "لو خرس ذو الرمة بعد قوله قصيدته التي أولها - ما بال عينك منها الماء ينسكب- لكان أشعر الناس".
الحرمان يصنع شاعراً
خلد ذو الرمة نفسه بالأشعار التي غزلها في مي، وكان موضوع الحب وبكاء الحبيبة، هو الأصل، الذي قام عليه عمود شعره، من بكاء الحرمان واللوعة، والحومان حول الديار بلا طائل واشتياقه للحوار العذب مع معشوقته التي أخذت منه، وكان يجهر بأمره وليس عنده من سره.
وفي الروايات إنه كان فقيراً لم يحصل المال الكافي لزواجها وحيث لم يمنعه فقره فحسب، كذلك دمامته، ولم يشفع له شعره بنيل وطره من الحبيب، فتنقل في مدن #العراق والشام يمدح الكبارات بهدف تجميع ما يكفي من المال.
ثم عاد وقد انتهى الأمر لأن مي قد خطفت منه بواسطة أحد أبناء عمومتها الذي تزوجها، فكان البكاء والشعر من ذي الرمة، ولولا ما حصل لما وجدنا هذا الشعر الخالد إلى اليوم الذي رسم هذا الاسم في سجل ديوان القصيد العربي.
حب بديل مزيف!
وقد حاول مرة أن يعود لمي لينشد أمام بيتهم فسمعه زوجها فطرده، وكادت تحصل كارثة لولا أن لطف القدر بالجميع.
وبعد أن وصل ما وصل به الأمر، التقى بامرأة أخرى تدعى "خرقاء" ولها من اسمها نصيب على ما يبدو، فتمسك بها على أنها الحب البديل، ويبدو أنه كان يغش نفسه ويخدعها، إذ كان يداري سوء حظه مع مي.
وقال شعراً في خرقاء، ولكن الحنين لم يفارقه، إلى أن مات، حيث ظلت مي هي الحب الأول والأخير، ويبدو أن موته المبكر كان شغفاً بهذا العشق الذي لم يبرح فؤاده.