ورقة مراجعة داخلية لـ‘‘الإخوان‘‘: إعادة إنتاج الجماعة وترخيصها
أكد قياديان في الحركة الاسلامية ان أروقة جماعة الاخوان المسلمين "غير المرخصة" تشهد حاليا "نقاشات داخلية ومراجعات جديدة"، لمسار الحركة، فيما خلصت ورقة "مراجعة" اطلعت عليها "الغد" وهي قيد النقاش، الى ان مستقبل الحركة الإسلامية في الاردن "مرهون بقدرتها على اعادة انتاج ذاتها، وبناء منظومة علاقاتها مع الآخر".
وأكدت الورقة في خلاصتها ان "المطلوب من جميع اطراف المعادلة الوطنية القيام بمراجعة الواقع والموروث، وليس الحركة الإسلامية فقط".
وتنخرط الجماعة، التي اعتبرتها الجهات الرسمية منذ اكثر من عام غير مرخصة، اضافة الى ذراعه السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي، فيما يسميانه "مراجعة حقيقية" للبحث عن البقاء على الساحة السياسية، ولإيجاد "صيغ مناسبة مع الجهات الرسمية لجهة ترخيص الجماعة من جهة، وللموافقة على تعديلات النظام الاساسي للحزب التي اصبحت في ذمة وزارة الشؤون السياسية.
ويؤكد القيادي في الجماعة والحزب زكي بني ارشيد لـ"الغد" ان المراجعة الداخلية "تتركز في العديد من المحاور، ابرزها الفصل بين الدعوي والسياسي، والمواطنة وإعادة انتاج الجماعة وترخيصها"، وقال "لا مشكلة لدى الاخوان المسلمين اذا ما استقام الحوار مع الجهات المختصة في الدولة".
وأضاف بني ارشيد ان الجماعة "تبحث عن صيغ مناسبة مع الجهات الرسمية، لاعادة انتاج نفسها، بما يضمن بقاءها من جديد"، وأكد ان "لا غنى عن ادارة حوار وطني جاد يشارك فيه المجموع الوطني، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد وينهي حالة المراوحة في نفس المكان، ويُمكّن الشعب من الشراكة السياسة والتداول السلمي للسلطة".
وقالت ورقة المراجعة، التي أعدها القيادي بني ارشيد وتحت عنوان "جماعة الاخوان المسلمين تقدير الموقف وقراءة المستقبل"، وتناقش بأروقة الحركة حاليا انه "يمكن تحديد مستقبل ومسار جماعة الإخوان المسلمين، وهذا المستقبل تصنعه إرادة الجماعة وقدرتها على العبور، وتجاوز المرحلة، واغتنام الفرص المرافقة لمجمل التحديات او صناعة الفرص الجديدة".
وزادت الورقة "والعلامة الفارقة هي القدرة على التخطيط الاستراتيجي الصحيح، فالمستقبل ليس فيه مكان للعجزة أو الكسالى، والحمقى والموتى هم الذين لا يغيرون آراءهم ابدا (...)".
فيما يتعلق بجبهة العمل الإسلامي، قال بني ارشيد إنه "بدأ بعملية المراجعة وتحت عنوان إعادة الهيكلة"، وزاد "اذا استطاع الحزب ان ينجز هذه العملية، فيمكن اعتبار ذلك بمرحلة التأسيس الثانية للحزب، لأنها تشكل طرحا حداثيا متقدما، يلامس الأنموذج المستوعب لمجمل المتغيرات والتحديات، لا سيما أن التعديلات تناولت الافكار والاسس والمبادئ والرؤية والاهداف".
التعديلات التي تحدثت عنها ورقة المراجعة يوضحها لـ"الغد" الامين العام المساعد للشؤون الادارية في الحزب مراد العضايلة، والذي قال إن الحزب "اجرى تعديلات شاملة على النظام الاساسي وتمت مراجعة مواده كلها، والمواد الاساسية، وهي الآن في عهدة وزارة التنمية السياسية".
وشملت التعديلات، وفقا للعضايلة، انتخاب الامين العام من المؤتمر العام للحزب بدلا من مجلس الشورى، بتنسيب من أغلبية المجلس، وزيادة أعضاء المكتب التنفيذي من 9 إلى 11 بإضافة مراقبين اثنين، هما رئيس القطاع الشبابي ورئيسة القطاع النسائي ليصبح حكما 11 عضوا. ومن التعديلات كذلك خفض سن العضو في مجلس الشورى من 25 الى 21 عاما، وان يمر على الناخب في الانتساب للحزب 6 اشهر، بدلا من سنة كما كان في النظام الاساسي السابق.
ولفت العضايلة الى ان هناك "تعديلات جوهرية اخرى بصدد معالجتها مع وزارة الشؤون السياسية".
العضايلة يجدد في هذا السياق وحول علاقة الحزب بالجماعة، التأكيد على ان "اعضاء في الجماعة هم اعضاء في الحزب، لكن الحزب مؤسسة مستقلة ماليا وإداريا، وذات شخصية اعتبارية وقرار الحزب مستقل".
ورقة المراجعة الداخلية للجماعة تتطرق ايضا في محاورها الى "حالة الاختلاف والانقسام التي شهدتها الحركة الإسلامية خلال الفترة الماضية"، وقالت في هذا السياق "ومع التأكيد على ان هذه الحالة ليست الاولى في تاريخ الحركة الاسلامية، فقد سبق ذلك تشكيل حزب التحرير الإسلامي، وكذلك حزب الوسط الإسلامي أيضأ. وبقيت الجماعة هي الفاعل الأكثر حضورا وتواصلا وتمثيلا لجمهورها وتيارها".
وزادت الورقة: "بالمجمل فان جل الحركات المنبثقة او المنشقة عن اصولها لا يكتب لها النجاح، هذه هي القاعدة التي لا يمكن إبطالها بالحالات الاستثنائية"، قبل ان تعود لتقرر ان "الميدان السياسي يتسع للجميع ونجاح اي حالة يعزز من فرص المشروع الذي ينتمي له الجميع".
وتحدثت الورقة عن ان اهم الموضوعات التي تراجعها الجماعة "الجانب الفكري والموروث التراثي والمواطنة والموقف من الآخر والتعددية الفكرية والسياسية والدينية والحريات العامة والمجال الفني والأدبي والفصل بين الدعوي والسياسي وموضوعات اخرى سيعلن عنها بعد اعتمادها".
معدو ورقة المراجعة كانوا استهلوها بتقديم، جاء فيه: "اذا كان قانون التحدي والاستجابة هو أحد أهم محركات التاريخ في كافة العصور، وقانون السببية الذي ارسى قواعده عالم الاجتماع الفذ ابن خلدون كفيل بتفسير حركة التدافع السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة في السنوات القليلة الماضية".
وأضافت أنه "يصبح من الاهمية بمكان أن نفهم طبيعة المتغيرات الكبرى التي اجتاحت الواقع المحلي والإقليمي والدولي خلال العقد الثاني من القرن الحالي، ومن الضروري أيضا ادراك مآلات ما جرى على جميع المستويات والأصعدة، واثر ذلك كله على واقع جماعة الإخوان المسلمين ومستقبلها، وهو موضوع البحث".
وقالت الورقة "الجماعة تأسست بعد سلسلة من النكبات التي لحقت بالأمة الإسلامية، ونتج عنها خضوع الوطن العربي لهيمنة الاستعمار الأجنبي وللتجزئة والتقسيم، فكان رد الفعل الطبيعي أن تلتهب الحماسة الدينية والدعوة إلى الجامعة الإسلامية ووحدة العالم الإسلامي، ومواجهة الحملات غير المسبوقة ضد هوية الامة ودينها من جانب المستشرقين وغيرهم، وهكذا تشكلت منطلقات مدارس الأحياء والاصلاح الإسلامي، بعدما بدا واضحا لهم أن الدعوة للتحديث والعصرنة لم تكن بمعنى التطوير واستبدال أساليب الإدارة والحكم والتعليم بمناهج حداثية قادرة على الاستجابة للمتغيرات الجديدة المطلوبة، بل صار المطلوب حسب تقديرهم –سواء بوعي أو بلا وعي- القضاء على تراث الأمة وعقيدتها".
وتابعت: "في هذه الظروف نشأت الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية وإقامة المشروع الإسلامي، وانطلقت الجماعة لتحقيق أهدافها وخاضت مجموعة من التجارب المختلفة، سياسية وتنظيمية ودعوية واجتماعية، وحققت نجاحات احيانا وأخفقت احيانا أخرى، وصولا إلى اللحظة الراهنة التي نشهدها، والتي يرى فيها البعض ان حركة التاريخ الحتمية في طريقها الى طي صفحة الاخوان المسلمين من التأثير في المشهد السياسي والواقع الاجتماعي".
وزادت أنه "يحلو للبعض أيضا أن يرى الجماعة في طريقها الى الانكماش والتراجع، ويستند أصحاب هذه القراءة إلى النتيجة التى انتهت اليها الحركات القومية واليسارية، وذهب بعضهم للبحث عن البدائل المتوقعة لملء الفراغ الناشئ عن غياب ليس جماعة الإخوان المسلمين فقط، وإنما ايضا للبحث عما بعد "الاسلام السياسي"، فهل هذه القراءة واقعية ولها ما يبررها؟ أم انها قراءة رغائبية لا تستند إلى قواعد الاجتماع وعلم السياسة؟".
الورقة عرجت الى سلسلة مراحل قالت فيها "ان حركة الربيع العربي كانت نتيجة طبيعة لانسداد الافق السياسي العربي وتفشي حالة الفساد واحتكار السلطة وقمع الراي المخالف وامتهان كرامة المواطنين وانتهاك حقوق الانسان، وما رافق هذه الحالة من فشل مشروع النهضة والتنمية الاقتصادية وتوسع حالة الفقر والحرمان وغياب العدالة الاجتماعية".
واعتبرت انه "اذا كانت البداية التي اطلقت مفاعيل الربيع العربي -اذا كانت البداية مفاجئة- توقيتاً ومكاناً، فان استمرار تجاهل حالة الاحباط المتراكمة تعبر عن عدم قدرة أصحاب القرار على فهم حركة التاريخ (...)".
ورأت أن ما أسمته "نجاح الثورات المضادة مرحلياً والعودة الى مرحلة الفساد والاستبداد لا تعني انتهاء الارادة الشعبية لإحداث التغيير او توقف مسار التحول الديمقراطي، وبخاصة مع الفشل الذريع في ادارة الدول التي انقلبت على خيارات شعوبها، وغياب الامن والاستقرار، وبروز الازمات الاقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية، وازدياد الأسباب الموجبة لموجة أخرى من محاولات النهوض والاصلاح".
واعتبرت الورقة ان حالة الربيع العربي "لم تقتصر على الانظمة فقط، وانما هي مناخ جديد اقتحم جميع المكونات الرسمية والشعبية والاهلية والمدنية، باعتبارهم كائنات حية، تحكمهم قوانين السببية ونواميس الكون التي هي قاهرة بالتأكيد لمن صادمها"، وانه "يمكن قراءة مستقبل اي حركة استناداً الى قدرتها على الاستفادة من جملة التجارب والاحداث والمتغيرات واجراء المراجعات الجادة والتقويم المستمر والافادة من النقد الذاتي".
وزادت أن "الحركة الإسلامية وهي تعيش ألم المخاض ولحظة التدافع الداخلي، مرشحة للتقدم نحو المستقبل، وربما تشهد نجاح المصالحة الداخلية وعودة الاندماج والتماسك التنظيمي كما حصل في الجزائر، وقد تشهد مغادرة فوج جديد للإطار التنظيمي الأمر الذي يعتبره البعض فشلا اضافيا، ينظر له آخرون من زاوية مغايرة كضرورة لاستعادة لياقة الحركة ورشاقتها، وخوض تجارب أخرى خارج المحضن التنظيمي وربما تشكل روافد مساندة للمشروع الإسلامي وعلى قاعدة التكامل وتوزيع الأدوار". - الغد