2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عندما يصبح القانون أداة لتحصين المسؤولين اجتماعيا..!

عندما يصبح القانون أداة لتحصين المسؤولين اجتماعيا..!
جو 24 :
كتب تامر خرمه -

التعديلات المقترحة على قانون الجرائم الالكترونيّة، والتي نشرت على موقع ديوان التشريع والرأي، لم تتطرّق للنقطة الأكثر إثارة للجدل، والتي تنصّ على أنّه: "يعاقب كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدّة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد على (2000) ألفيّ دينار".

التعديلات تمحورت حول تغليظ العقوبات على مرتكبي الجرائم الالكترونيّة، بيد أن المفردات يسيرة التأويل، كـ "الذم" و"القدح" بقيت على حالها، ما يستوجب إعادة طرح قضيّة حقّ حريّة الرأي والتعبير، والتي مازال القانون المذكور يهدّد بمصادرتها. ليس هذا فحسب، بل أضيف إلى القانون تعريف أكثر عموميّة لخطاب الكراهية، حيث عرّفته التعديلات المقترحة بـ: "كلّ قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينيّة أو الطائفيّة أو العرقيّة أو الاقليميّة أو التمييز بين الافراد أو الجماعات".

هذا التعريف لم يتضمّن مفردات واضحة تحدّ من المزاجيّة في التعامل مع مختلف القضايا، كمفردة "التحريض" مثلاً، وذلك رغم كلّ الحوادث التي وقعت بسبب حملات تحريضيّة موجّهة، ما يشير إلى أن الهدف الحقيقيّ من وراء إضافة هذا التعريف، هو ترك الباب موارباً لمحاسبة أي شخص ينتقد شخصيّة عامّة، بذريعة "التمييز" أو "إثارة الفتنة".

لا يجادل أحد بضرورة تغليظ العقوبات على مرتكبي الجرائم الإلكترونيّة، كجرائم الابتزاز أو الاحتيال أو التجسّس، غير أن طرح التعريفات بهذه العموميّة يثير العديد من علامات الاستفهام حول الدوافع الحقيقيّة لمن يصرّ على هذا القانون.

أيّة شخصيّة عامّة ينبغي أن تكون عرضة للنقد، سواء النقد الإيجابيّ أو السلبيّ، فالأصل أن العامل في الحقل العام هو في خدمة الناس، أو بالأحرى موظّف عند الشعب، وفقاً للعقد الاجتماعيّ الذي تقوم الدولة على أساسه، فمن غير المعقول أن يكون هذا الموظّف، محصّناً من الرقابة الشعبيّة، أو المحاسبة والمساءلة، فكيف يمكن تحصينه من النقد؟

كما أنّه لا يخفى على أحد أن القانون المذكور يستهدف نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، والتي لا يرغب الأردن الرسميّ بفرض القيود عليها حفاظاً على سمعته الدوليّة، فكان اللجوء إلى هذا القانون، لحماية من يعتبرون أنفسهم "خطوطاً حمراء". تنظيم النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن أن يتحقّق بتعريفات فضفاضة لخطاب الكراهية، الذي لا يفصله عن تقييد حريّة الرأي والتعبير سوى خيط رفيع.

أضف إلى هذا استحالة التخلّص من خطاب الكراهية عبر قوانين تحاسب الناس بالجملة، وتفرض عقوبات جماعيّة قد تطال كلّ من يعبّر عن رأيه. الحلّ هو بالترويج لثقافة تقبّل الآخر، طالما أنّه ليس معتديا أو محتلّاً، واحترام الاختلاف، وهذه تحتاج إلى صيرورة ومنظومة عمل تشترك فيها كافّة المؤسّسات المعنيّة، بدء بوزراة التربية والتعليم وليس إنتهاء بوسائل الإعلام. المشكلة أن "الآخر" المقبول وفقاً لمزاجيّة بعض صنّاع القرار هو فقط العدوّ الصهيوني، بيد أن "الآخر" الذي يمثّله مواطن يختلف برأيه مع أحد الرسميّين، أو يتعرّض له بالنقد، فهو خارج دائرة الرحمة!

بصراحة، معظم المفردات التي وردت في اقتراح تعريف خطاب الكراهية، تحتاج هي ذاتها إلى تعريف. بل إن هذه الإضافة أكثر عموميّة ممّا ورد في المادّة 11 من نصّ القانون الأصلي حول "القدح والذم". الدوافع واضحة هنا، ولا علاقة لها بتهذيب النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، أو باحترام الاختلاف وتعدّد وجهات النظر، بل على العكس تماماً، فإن هذه التعريفات الفضفاضة تهدّد كلّ صاحب وجهة نظر "مختلفة".

مع الأسف، هذا القانون يسهم -بقصد أو بحسن نيّة- في تحصين الفاسدين الذين ينتقدهم الناس المكتوين بأفعالهم. المواطن يدفع ثمن نهب مقدّرات الدولة والاعتداء المستمرّ على المال العام، وثمن تهرّب بعض الشركات من الضرائب. والثمن الذي يدفعه البسطاء ليس يسيراً، فالضرائب التي ما أنزل المنطق بها من سلطان لا تكاد تنتهي، واليوم ينتظر الشعب فرض ضريبة دخل على ما تبقّى من الطبقة الوسطى، والطبقة ما دون الوسطى. وفوق كلّ هذا، يسعى البعض إلى تكميم الأفواه وحرمان الناس من التعبير عن الغضب!

ترى، ألم يخطر على بال المروّجين لمثل هذه القوانين، ما الذي يمكن أن يحصل نتيجة كبت شعب مقهور، ومصادرة حقّه في التعبير؟ شخصيّات عامّة و"وازنة" كان لها "الفضل" في إفقار الناس، واليوم يحتمون تحت ظلال قانون الجرائم الإلكترونيّة، وغيره من القوانين المقيّدة لحريّة الرأي. بمعنى أنّهم سرقوا الشعب الذي لم يعد له الحقّ حتّى بالانتقاد أو التعبير عن الغضب ببضعة كلمات على مواقع التواصل الاجتماعي! ألا ترى إلى أين يمكن أن يقود هذا؟!
 
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير