المعلم الذي نريد.. لوقف التراجع في أداء النظام التعليمي في الأردن
جو 24 :
-توجيه التدريب لتمكين المعلمين من المعارف والمهارات في تخصصاتهم التعليمية
- إنشاء أكاديميات أو كليات أو معاهد متخصصة لإعداد المعلمين في الأقاليم الثلاثة على غرار معاهد إعداد المعلمين سابقا
-اعتماد وإقرار مسار مهني وأكاديمي ووظيفي للمعلمين مرتبط بنتائج أداء وحوافز مادية
-السير في إجراءات مهننة التعليم من الناحية التشريعية والأكاديمية كغيرها من المهن
-تمكين نقابة المعلمين من القيام بدورها الرئيس في مجال التنمية المهنية للمعلمين ومنحهم صلاحية إعطاء إجازة التعليم
-معالجة الضعف في الصفوف الثلاثة الأولى من خلال تخصيص معلميْن اثنين لكل صف ممن يحملون التخصصات العلمية والإنسانية بعد تطوير الخطط الدراسية بالتعاون مع الجامعات
-إعادة النظر في جميع البرامج والجهات التي تقدم التدريب التربوي وتقييمها والحدّ منها، وتجفيف منابع المنافع الشخصية المادية من وراء هذه الجهات.
-تطبيق نظام مساءلة مرتبط بتوفير مُمكِّنات للمعلمين للقيام بأدوارهم والحكم على أداءاتهم.
كتب د. محمد أبو غزلة *
يشهد العالم اليوم تطوراً معرفياً وتكنولوجياً متسارعا ً؛ولمواكبة هذا التطور لا بد من إعداد الفرد إعدادا يمكنه من التفاعل مع معطياته، ولأن عملية التعلم والتعليم تشكل عنصراً أساسيا في إحداث هذا التطور وبوصف المعلم الركن الأساس في تطوير النظام التعليمي؛ فإن الحاجة تتطلب تمكين المعلمين وإعدادهم وتطويرهم بصورة مستمرة لتلبيه حاجات المجتمع الضرورية، والارتقاء بالمستوي التعليمي، وتزويدهم بالخبرات الأكاديمية والتربوية التي تؤهلهم للعمل التربوي المتميز.
وانطلاقا من ذلك فقد اعتمد النظام التربوي الأردني في السابق على عملية إعداد المعلم وتمكينة من الكفايات التربوية والمعرفية التخصصية بوصفهأحد العناصر الأساسية للعملية التعليمية والتعلمية،حتى أصبح معلمامؤهلا أكاديمياً ومتدربٍا مهنياً يعي دوره الكبير والشامل، وانعكس ذلك على جودة مخرجات النظام التعليمي التي كان لها الدور الكبير في بناء الأنظمة التربوية العربية.ولكن شهدنا مؤخرا تراجعا كبيرا في أداء النظام التعليمي في السنوات الأخيرة، وقد اثبتته الدراسات المحلية والدولية، وذلك نتيجة عوامل عدة: مثل غياب الرؤية الاستشرافية للاحتياجات الحقيقية للمعلمين، وعدم وجود مسار مهني وأكاديمي للمعلمين، وتركيز الوزارة على التدريب المسلكي الذي ينفذ من جهات متعددة، وتضارب محتوى هذه البرامج التدريبية المتعددة التي يخضع لها لمعلمون والتي أثقلت كاهل المعلمين، وأبعدتهم عن مهمتهم الأساسية، وأصبح التدريب الحالي يشكل هدرا للمال العام ولا أثر له في الغرفة الصفية، كما أن الوزارة غفلت عن الحاجات الحقيقية للمعلمين في مجال التدريب التخصصي على محتوى المواد الدراسية والذي كان له الأثر الكبير في فترة الثمنينات والتسعينيات على تحسين النظام التعليمي ، وما التدريب الذي يتم على المناهج الجديدة إلا بهدف استعراض ما اشتملت علية الكتب المدرسية دون الغوص في المحتوى، كما يتعلق الأمر أيضا بضعف الإعداد الأكاديمي في الجامعات الرسمية والخاصة، المتمثل في ضعف الخطط الدراسية للبرامج الأكاديمية، وعدم قدرتها على تمكين الخريجين من المهارات التخصصية.
كما أن الفجوة بين النظرية والتطبيق وعدم توافر خبرة تعليمية في الميدان التربوي لدى بعض أساتذة الجامعات الأمر الذي يشعل باستمرار الحرب الباردة بين الجامعات والميدان التربوي، وتقاذف المسؤولية فيما بينهم عن الضعف على الرغم من تحملهم المسؤولية المشتركة عن هذا الضعف؛ لإن الطالب مدخل للجامعة ومخرج منها، ومدخل كمعلم في الميدان التربوي، ناهيك عن ضعف قدرات العاملين في مجال التنمية المهنية للمعلمين في مركز الوزارة على تحليل الاحتياجات وتحديدها، وتصميم البرامج التدريبية وتقيميمها، واعتمادهم على الجهات الخارجية في ذلك من أجل تحقيق مكاسب مادية وشخصية ما أدى إلى هذا الضعف الموجود وأثره في أداءات النظام التعليمي، لاسيما أن نتائج تحليل الاختبارات الدولية والوطنية كشفت أن الضعف تمثل في المهارات الأكاديمية ومهارات التحليل والتفكير والمهارات الأدائية في القراءة والكتابة والحساب في مواد العلوم والرياضيات، وهنا تكمن المشكلة، فكيف لمعلم غير متمكن من المادة العلمية أن يمكن الطلبة من مفهوما أو مهارة علمية تخصصية لا يمتلكها حتى ولو تم تدريبيه على أفضل الاستراتيجيات والأساليب التدريسية الحديثة،كما أن محدودية التدريب التخصصي والذي تنظمه أكاديمية الملكة رانيا العبدالله لن يفيَ بالغرض المطلوب لا سيما بأنه لا يشمل إلا عددا محدودامن المعلمين، وهذا الشيء ينطبق على برنامج إعداد المعلمين الذي تنفذه الأكاديمية رغم تركيزها على الجانب العملي في التدريب والذي يركز على الجانب المهني وعلى عدد قليل من المعلمين، ضمن جرعات قليلة من التدريب على المادة التخصصية.
من هنا لا بد من الإعداد التخصصي للمعلم ليكون ملماً بفرع من فروع المعرفة، وهذا لا يتم إلا في الكليات الجامعية فحسب، فالمعلم لا يمكن أن يؤدي دوره التعليمي بالشكل المطلوب ما لم يتمكن من العلم الذي سيقوم بتعليمه في المستقبل، إضافة إلى جعل أسلوب التفكير والإبداع هما الهدف،واستخدام المعرفة كوسيلة لهذا التفكير والإبداع، فالتفكير والإبداع هما وسيلتان لنمو المعارف لدى المعلم، وعليهما تستند قدرات المعلم ومهاراته العلمية ، كما أن ذلك لا يتعارض مع الإعداد المهني الذي يتضمن المهارات التقنية للمعلم والذي يعد الركيزة الأساسية الثانية من ركائز إعداد المعلم، بهدف تكوين شخصيته وصقلها؛ليكون قادراً على أداء مهمته التربوية والتعليمية مع الطلبة، وكذلك الوعي والفهم الكامل لحقيقة العملية التربوية والتعليمية وأهدافها حتى يتمكن من التأثير الإيجابي في الطلاب وفقاً للأهداف المقررة والغايات المطلوبة، إضافة إلى الاستيعاب والوعي لاحتياجات الطلبة المختلفة ومعرفة قدراتهم وإمكاناتهم.
كما أن عملية تمكين المعلمين من هذه الاستراتيجيات التي يتطلبها الانفجار المعرفي الهائل، ودخول العالم عصر المعلوماتية والاتصالات والتقنية العالية،وتأثير المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تستدعي إعادة النظر في عملية الإعداد للمعلم؛ ليكون معلما ممتلكا لمعارف ومهارات واتجاهات مادته العلمية، ومتطورا بشكل مستمر ليواكب روح العصر؛ ويلبي حاجات المتعلم في التعلم، ويلبي احتياجات المجتمع ومتطلباته نحو التقدم والرقي،ومعلما متعلما مدى الحياة يكون منتجاً مهنياً فاعلا للمعرفة من خلال الوسائل المنهجية وغير المنهجية الهادفة إلى مساعدة المعلمين على تعلم مهارات جديدة، وتنمية قدراتهم في الممارسات المهنية، وطرائق التدريس، واستكشاف مفاهيم متقدمة تتصل بالمحتوى العلمي للمادة الدراسية والمصادر والطرق لكفاءة العمل التدريسي، وبلوغ معايير عالية في جودة الإنجاز الأكاديمي والمهني والتي تؤدى جميعها إلي زيادة قدرة جميع أعضاء مجتمع التعلم علي السعي نحو التعلم مدى الحياة.
وعليه لا بد من جهد مؤسسي تكاملي تعاوني تقوم به الدولة ممثلة بمؤسساتها المختلفة، إضافة إلى المؤسسات التعليمة الجامعية الرسمية والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد وكل شرائح المجتمع؛ لإعادة النظرفي عملية إصلاح النظام التعليمي إذا ما أرادت أن ترتقي بأداء النظام التعليمي وتوقف التراجع الذي يتعرض له النظام التعليمي ، وتعيد النظام التعليمي إلى مكانته التي شهد لها القاصي والداني، ولتكن عملية إعداد المعلمين وتمكينهم من المعارف والمهارات التخصصية في موادهم الدراسية اللبنة الأساسية في البدء بعملية الإصلاح، إذ لن يتحقق أي إصلاح من دونها حتى لو توافرت عناصر المنظومة التعليمة كافة على أهميتها، وفيما يلي جملة من الإجراءات التي يمكن أن تساعد في تحقيق ذلك:
-إعادة هيكلة المهام والوظائف والمسؤوليات في العملية التدريبية من خلال إنشاء جسم أو هيئة مستقلة حيادية تقدم هذه الخدمة.
-إنشاء أكاديميات أو كليات أو معاهد متخصصة لإعداد المعلمين في الأقاليم الثلاثة على غرار معاهد إعداد المعلمين سابقا.
-إعادة النظر في برامج الإعداد في الجامعات بحيث تشتمل على مساري البرامج التزامنية والتتابعية في إعداد المعلمين في الكليات العلمية والإنسانية وخاصة التربوية.
-تطوير محتوى البرامج والخطط الدراسية في التخصصات الأكاديمية بحيث تمكن الطالب والمعلم من معارفها ومهاراتها واتجاهاتها.
-اعتماد مسار مهني وأكاديمي ووظيفي للمعلمين مرتبط بنتائج أداء وحوافز مادية.
-السير في إجراءات مهننة التعليم من الناحية التشريعية والأكاديمية كغيرها من المهن.
-تطوير خطة استراتيجية عشرية لتنمية المعلمين أكاديميا ومهنيا.
-تحديد احتياجات المعلمين التدريبية في مجال التخصص وبناء الخطط التدريبية لها.
-اشراك المعلمين في عمليات تحديد الاحتياجات التدريبية.
-البدء بتدريب المعلمين الذين تم تعيينهم حديثا هذا العام تمهيدا لبلورة الخطة الاستراتيجية لعملية التمكين للمعلمين.
-تمكين نقابة المعلمين من القيام بدورها الرئيس في مجال التنمية المهنية للمعلمين ومنحهم صلاحية إعطاء إجازة التعليم المرتبطة بمعايير مهنية أكاديمية.
-وضع معايير لاختيار متخصصين في مجال التدريب الأكاديمي والمهني والمسلكي.
-اعتماد رخصة لمزاولة مهنة التدريب الأكاديمي التخصصي أو المهني.
- حصر مهمة المشرف التربوي في تقديم الدعم الأكاديمي للمعلمين في تخصصه ، على أن يتم تخصيص عدد من المدارس له على نظام المجموعات، وتقيم أدائه مرتبط بنتائج هذه المدارس .
-توسيع قاعدة مزويدي التدريب الأكاديمي والمهني من القطاعين الرسمي والخاص، وعدم اقتصارها على جهة واحدة.
-معالجة الضعف في الصفوف الثلاثة الأولى من خلال تخصيص معلميْن اثنين لكل صف ممن يحملون التخصصات العلمية والإنسانية بعد تطوير الخطط الدراسية بالتعاون مع الجامعات.
-تقنين الجرعات التدريبية في مجال التنمية المهنية للمعلمين المتمكنين منها.
-نقل التدريب من مراكز التدريب إلى المدرسة أي لموقع العمل أو ما يعرف بالتدريب على الحساسية ليكون أكثر فائدة.
-الاستعانة بأساتذة الجامعات في مجال التدريب الأكاديمي حسب التخصصات التعليمية كما كان يتم في السابق واختيارهم وفق معايير علمية.
-إعادة النظر في جميع البرامج والجهات التي تقدم التدريب التربوي وتقييمها والحد منها، وتجفيف منابع المنافع الشخصية المادية من وراء هذه الجهات.
-اقتصار عمل إدارة التدريب الحالية على التخطيط والمتابعة والتقييم بعد تزويدها بكفاءات قادرة على القيام بهذه المهام.
-تطبيق نظام مساءلة مرتبط بتوفير مُمكِّنات للمعلمين للقيام بأدوارهم والحكم على أداءاتهم.
* الكاتب مديرإدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا