لجنة نيابية توصي بحفظ ملف "سفر شاهين"
أوصت لجنة التحقيق النيابية في سفر المحكوم خالد شاهين، بحفظ القضية وعدم إحالة أي من المسؤولين عن الملف الى النيابة العامة، وهم رئيس الوزراء السابق الدكتور معروف البخيت، ووزير الداخلية السابق المهندس سعد هايل السرور، ووزير الصحة السابق الدكتور ياسين الحسبان، ووزير العدل السابق المحامي حسين مجلي.
وقالت اللجنة في تقريرها الذي تم إدراجه أمس على جدول أعمال الجلسة التي يعقدها مجلس النواب عصر اليوم، إن لجنة التحقيق اطلعت على القضية من جميع جوانبها، وخلصت الى توصيتها بعد أن استمعت للشهود المعنيين.
وقالت إنها وبعد التقييم الشامل، فإنها "لا تجد أن القرار بالموافقة على سفر المحكوم عليه للعلاج في الخارج، بمختلف مراحل صدوره، وبفحص كل ما ورد أو استبان للجنة، لم يصدر نتيجة تدخل من جهة ما خارج الجهات الموكل إليها القرار، وإن أي ضغط أو طلب من أي جهة لم يصدر أو لم يحدث ولم يثبت صدور أو حدوث ما يدل على وقوع مثل هذا الضغط أو الطلب، وأن القرار بمراحله المختلفة الإدارية وحتى صدوره النهائي وتنفيذه، لم يترافق مع أي محاولة ضغط أو تدخل من أي جهة كانت لصالح الموافقة على هذا القرار".
وتابعت أنه "لم يرد في هذا الملف ولا في مجموع ما يستخلص من دراسته ودراسة الأوراق والبينات والشهادات الواردة فيه، أن هناك استفادة أياً كانت، قد تحققت لأي ممن شاركوا في عملية إصدار القرار، وأن أي علاقة مصلحية أو انتفاعية أو مخالفة لقواعد السلوك القويم لرجل الدولة أو رجل الإدارة من هذه الجهة لم يكن لها وجود أو أثر أو دلالة في سائر البينات المقدمة".
وقالت اللجنة إن رئيس الوزراء السابق معروف البخيت "لم يمارس أي ضغط أو يلوح أو يومئ بما يمكن أن يفسر من هذا القبيل على وزرائه أو غيرهم، وأن العبارات التي وردت على لسانه في شهادات الشهود وشهادته هو أيضا، من قبيل القول، كانت معبرة عن مدى التحسب والقلق الذي يساوره في كيفية معالجة مسألة الوضع الصحي لخالد شاهين، مثل (شوفوا شو نقدر نساوي لهزلمة أحسن ما يموت ونبلش)، إنما كانت مجرد عبارة تقييم لمدى دقة الموقف الذي وضعت فيه الحكومة والحرج الذي وقعت فيه، بسبب الوضع الصحي الخطير الذي أوحت به مجمل تقارير الأطباء واللجان بالنسبة للمحكوم عليه خالد شاهين".
وأضافت أن تلك العبارات "لا تشكل أي إلحاح أو إيماءة الى ضرورة سلوك طريق معين أو إقرار الموافقة أو الإلماح إليها، وإنما هي في حقيقتها تعبير عن مدى الشعور بأهمية الوضع، باعتبار أن الأمر، بحكم تطوره بالنسبة لخالد شاهين وقضيته، كان قد أصبح قضية رأي عام مُستفز، وفي حاله يسود فيها الشك في أي تصرف له علاقة بموضوع المحكوم عليه خالد شاهين، مما خلق شعوراً بالقلق الشديد لدى الحكومة حول معالجة الموضوع، والخيارات الصعبة التي وجدت نفسها مضطرة للجوء إليها".
وزادت اللجنة "ولا يمكن تفسير العبارات التي تحدث بها مع وزير الصحة أو وزير العدل آنذاك، إلا بأنها تعبير عن مدى القلق والخطورة التي تستشعرها الحكومة ورئيسها، التي تصل الى ما يقارب الشعور بالارتباك، وهذا أمر طبيعي بحكم طبيعة الظروف التي تمر بها الحياة العامة في المملكة، واضطرام المشاعر الشعبية ضد الفساد، والخشية من وقوع أخطاء لها انعكاسات سلبية على الأوضاع العامة، وبخاصة أن القضية المطروحة بالغة التعقيد، والخيارات المتاحة للتصرف محدودة، وأن أي تصرف غير مدروس أو صحيح قد يثير الرأي العام المحلي، والدولي، ومنظمات حقوق الإنسان في العالم كله".
وختمت اللجنة بالقول إنه "عليه، وأخذا بعين الاعتبار أيضا عدم وجود قواعد وتقاليد مستقرة لدى مجلس الوزراء في كيفية التعامل مع الأزمات المشابهة، وعدم وجود اتجاه مستقر تاريخيا لممارسات مجلس الوزراء في حالات مشابهة، من حيث وجوب إشراك المجلس جميعه في اتخاذ القرارات ذات الخطورة البالغة، وليس في كل سلوك الإدارة العليا، الممثلة برئيس الوزراء ووزرائه المختصين، ما يشير أو يدل أو يشي بأن هناك دوافع أخرى غير الاجتهاد في ما هو أجدى للصالح العام، كانت وراء التصرفات والقرارات التي اتخذتها الحكومة، ممثلة برئيسها ووزرائه المذكورين، الذين لم يشارك غيرهم من الوزراء في مناقشة المسألة".
ونوهت لجنة التحقيق، إلى أنها تستطيع أن تقول "باطمئنان تام إنها واثقة من توافر حسن النية في القرارات المتخذة والسلوك الذي تم تبنيه في معالجة الموضوع، وبأن محاولة التوصل الى الخيار الأسلم والقرار الأكثر صحة وحكمة كان وراء هذه القرارات، وبداهةً، فإن حسن النية وحده ليس المعيار أو المؤشر الوحيد لسلامة القرار والحكم الحاسم بأنه كان سليما من جميع الأوجه، لأن هناك اعتبارات أخرى لتقييم سلامة القرار ودقته، بالإضافة الى حسن النية، وسيجري بحثها في التوصية اللاحقة بهذه".
وقالت إن "ما سلف في موضوع حسن النية، وانتفاء وجود أي غاية غير مشروعة في إصدار القرار أو كيفية إصداره، ينصرف الى السادة الوزراء الثلاثه المعنيين المشار إليهم، وزراء الداخلية، والعدل، والصحة".
وقالت اللجنة النيابية إن "الحكم على سلامة التصرف من مصدر القرار الإداري ممن يملك التصرف بالشأن العام، محكوم بتوفر قاعدة عامة اصطلح عليها في تقييم القرارات الإدارية وصحتها، وبأنها إذا طبقت تطبيقا صحيحا تنفي الخطأ أو التقصير الإداري أو مناط المسؤولية. وهذه القاعدة تقول بوجوب أن يقوم رجل الإدارة أو المكلف بإدارة الشأن العام، بأن يضع نفسه في أفضل الظروف التي تمكنه من إصدار القرار الصحيح أو السليم، بكل ما يعنيه توفير الظروف المشار إليها من توخي الدقة، والتأكد من المرجعيات القانونية، واحتساب كافة الظروف الموضوعية والواقعية، وما يترتب على إصدار هذا القرار أو الامتناع عنه من ردود فعل أو آثار".
وأضافت "بعبارة أخرى، أن يبذل كل ما توجبه ظروف التقييم من تحقق واستيثاق ومعطيات، بحيث يكون القرار أو التصرف الإداري أقرب ما يكون الى السلامة والمنطق والجدوى، ومع التأكيد على هذه القاعدة، يجب أن يوضع في عين الاعتبار أن معايير وظروف السلامة الواجب توفيرها ليست محددة بوضوح، بحيث يكون رجل الإدارة ملزما بتطبيقها بصورة ضيقة أو شبه آلية، لأن تقدير ما هو الأسلم وأسلوب تنفيذ الخيار الأسلم، يختلف من رجل إدارة الى آخر، بحكم التنوع الطبيعي والإنساني، بدون إخلال بالمعايير والقواعد العامة لتقييم المواقف".
وقالت اللجنة إن "الانطلاق من هذه القاعدة لا يعني أن إغفال جانب من جوانبها أو سهو عن تقييم إحدى معطياتها أو الخطأ في تقدير أحد الظروف المحيطة بدافع الاجتهاد المحض، من شأنه أن يجعل رجل الإدارة مداناً ومناطاً للمسؤولية، أو يجعل فقدان إحدى هذه المعايير كافيا وحده للاتجاه نحو تقرير المساءلة التي تعتمد على مجموعة من الظروف والقرائن والدلالات".
وتابعت في تقريرها بالقول "إن اللجنة النيابية، إذا كان لها أن تسلم بوقوع بعض الإخفاق في التقييم الصحيح لبعض الظروف أو الأوجه، أو السهو عن الالتفات إليها، مثل إغفال الالتفات الى المادة 363 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي كما أسلفنا كان يمكن لها أن تشكل الحل الأمثل، بإصدار القرار من قبل المحكمة التي أصدرت الحكم، باعتبار أن المادة المذكورة تعطي المحكمة التي أصدرت الحكم، حق البت في أي نزاع يثور حول تنفيذ قرار الحكم، وباعتبار أن مسألة العلاج في الخارج تشكل إشكالا وتنازعا للرأي حولها، وحول آلية التنفيذ على الأقل، مما يخرج الحكومة من مأزق اتخاذ قرار بهذا القدر من الخطورة".
وأضافت "وكون اللجوء الى المادة 363 المشار إليها هو أمر غير مسبوق، إذ لا سابقة قضائية قد حدثت بهذا الخصوصٍ، ولأن شمول حالة المحكوم عليه بأحكام هذه المادة لا زال في باب الاجتهاد، ولا يخرج عن كونه أيضا اجتهادا في التفسير لمفهوم النص، لا يشكل مناطا لترتيب أي مسؤولية، وكذلك الأمر بالنسبة الى عدم الالتفات الى الفقرة التي أوردها وزير العدل في كتابه الموجه إلى رئيس الوزراء، والذي كان لاحقا على سفر المحكوم عليه، ولم تجر إثارته منذ البداية عند مناقشة الأمر مع الرئيس قبل اتخاذ القرار، ونقصد بذلك الفقرة المتعلقة بدور الجهات الأمنية في ترتيب إجراءات سفر المحكوم عليه، وتأمين إعادته عند انتهاء العلاج، والتنسيق مع الدولة التي يعالج فيها حول ذلك".
وزادت اللجنة "وما ذكر من أن الأمن العام قد يكون قد اعتمد على استحالة تنفيذ الحماية والموافقة اللازمة لأسباب تتعلق بالدول الأخرى، وينطبق هذا أيضا على قبول كتاب شخصي من المحكوم عليه، وضمانات شخصية من أخويه، وهو أمر مشكوك في قانونيته من جهة، أو على الأقل في نجاعة جدواه، من حيث النتيجة، وجميع هذه الأمور ليس من شأنها أن تولد قناعة راسخة لدى اللجنة بأن هذه الأمور يمكن أن تشكل تقصيرا أو مخالفة تخرج بالقرار الإداري المشوب بالخطأ عن دائرة المساءلة السياسية، لتدخله إلى حيز المساءلة القضائية".
وجاء في التقرير "كل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار في مسألة تكوين القناعة، مجموعة الظروف الموضوعية التي كانت تحيط وتكتنف كل ما له علاقة في قضية المحكوم عليه خالد شاهين ومسألة سفره للمعالجة خارج المملكة، مما لا يمكن إغفاله عند التقييم لتكوين القناعة".
وتابعت "كذلك ولأن الحكومة قد سارعت لبذل جهود كبيرة لتلافي الآثار السلبية التي تولدت، عبر مجموعة معقدة من الاتصالات الأمنية والدبلوماسية، الأمر الذي أسفر بالنتيجة، مع عوامل أخرى ثانوية، الى عودة المحكوم عليه للبلاد وإيداعه لمركز الإصلاح والتأهيل، حيث يقضي بقية المدة المحكوم بها عليه، مع وجوب التأكيد على عدم احتساب فترة الانقطاع في الخارج للعلاج، من مدة محكوميته".
وقال التقرير "لهذا كله ولما تقدم، ولأن العمل السياسي بمجموعه هو بالنتيجة قرارات ناجمة عن اجتهادات معينة في ظروف معينة لكل منها خصوصيته وظروفه، ولأننا لا نجد في ما أشرنا إليه من ظروف هذه القضية، بأبعادها المختلفة المشار إليها، ما يكفي لتشكيل القناعة بضرورة إحالة هذه القضية إلى النيابة العامة، فإن اللجنة توصي للمجلس الكريم بعدم الإحالة وحفظ القضية".
وكانت لجنة التحقيق قدمت لتقريرها بأنه جاء بعد اطلاعها على كامل الملف المحال إليها، وتدقيقها في أقوال السادة رئيس الوزراء السابق الدكتور معروف البخيت، ووزير الداخلية، المهندس سعد هايل السرور، ووزير الصحة الدكتور ياسين الحسبان، ووزير العدل المحامي حسين مجلي، بالإضافة الى استماعها لشهادات كل من مدير الأمن العام الفريق حسين المجالي، والعميد محمد الزواهرة مساعد مدير الأمن العام للشرطة القضائية، والعميد عدنان فريح مدير إدارة السير المركزية، والعميد وضاح الحمود مدير مراكز الإصلاح والتأهيل، ومدير مركز إصلاح وتأهيل سلحوب العقيد المتقاعد أسد بالي.
كما استمعت اللجنة إلى شهادة أمين عام وزارة الصحة الدكتور ضيف الله اللوزي، ورئيس لجنة المعالجات في الخارج الدكتور جمال قناش، والدكتور جهاد البرغوثي، وشهادات الأطباء الذين قاموا بكتابة التقارير المتعلقه بالمحكوم عليه خالد شاهين، الذين وقعوا على هذه التقارير، بمن فيهم الدكتور يوسف نعواس، والدكتورة نجوى خوري، والدكتور يوسف المعشر، والدكتور علي العبوس الذي كان المخالف الوحيد للتقرير الرئيسي المقدم من مجموعة الأطباء الذين تعاقبوا على علاج المحكوم عليه المذكور، وشهادة طبيبي التخدير الدكتور باسم هلسة والدكتور سامي ربابعة.
واستمعت اللجنة أيضا إلى شهادة شقيقة المحكوم عليه الدكتورة حميدة شاهين، والمحكوم عليه خالد شاهين ذاته، والاطلاع على أوراق القضية ومبرزاتها، والكتب المبينة في محضر التحقيق، على اختلاف مصادرها، وكذلك البينات الفنية (الطبية)، والصور التي قدمها الدكتور العبوس، الذي خالف قرار قبول العلاج في الخارج للمحكوم عليه شاهين.الغد