طفل جريمة زقاق البلاط يصرخ من زنزانته:" أريد أبي! "
جو 24 :
في غرفة مظلمة أنا.. لا أعرف إذا كانت تُشبه غرفتي الضيّقة التي كنت أقضي فيها معظم أوقاتي .. رائحة المكان هنا تختلف كثيرًا عن رائحة أمّي وأبي التي كانت تعبق داخل أرجاء جدراني الأربعة في زقاق البلاط.
هنا الزنزانة تختلف عن تلك التي كنت أسجن فيها ضحايا لعبتي الألكترونيّة . ترى لماذا يختلف واقع السجون في لبنان عن تلك الأجنبيّة التي عاينتها في الـ "GTA" ؟ الأكيد أننّي لم أعد ذاك "الرامبو" الذي يتخذ القرارات ولا ذاك البطل الخارق غير الخاضع للقوانين الذي ينتقي الزنزانات الداكنة لطرائده.
هنا الأمر يختلف. السحر انقلب على الساحر . بتّ في زنزانة لم أكن أنا المتحكّم في اختيارها، بل هي جريمتي. نعم جريمتي.. أنا مجرم ! .. من قتلت؟ ماذا فعلت ؟!.
لست هنا في عالمي، ولا في بيئتي. أظنّ أنّ الجميع في الخارج يطالني بلسانه. ينعتني بـ "علي المجرم". نعم أنا قاتل، قتلت أبي الذي منحني الحياة فقرّرت أنا أن آخذها منه . لما ؟ لا أعرف !..
تُرى كيف هي أمّي؟ أتلهّف لحضنها. كيف هم أهلي، أقاربي ؟ أتوق لرؤية أحدهم. أتوق لرائحة "الزقاق"، لضجيج السيارات، لهدير الدرّاجات، لصراخ أهل الحيّ، لسماع الآذان الذي يصدح في بيئتي .
أفتقد لسماع صوت أبي ينساب بهدوء إلى أذني، يقبّلني على خدّي، يناديني "يا بابا"، أفتقد لمسة يده الحنونة التي أبت أن تؤذيني حتّى وأنا في قمّة غضبي. ليتك فعلت يا حبيبي قبل أن أنفرد بـ "رشاشي" وأفرغ رصاصاته في قلبك الطيّب.ترى هل نلت غضب أمّي على فعلتي ؟ هل بتّ مجرمًا في نظر كلّ من عرِفني؟
.. أنا "علي المجرم" أفترش الأرض مفتوح العينين، جسدي يرتعش بردًا وخوفًا، فيما أبي ينام مطمئنًّا تحت أطباق التراب دون أن يتوقّف عن الدعاء لي : " الله يرضى عليك.. الله يسامحك يا ابني.. الله يرضى عليك".
أمّا أنا فأتمنى لو تستيقظ من قبرك لتنظر في وجهي ولو للحظة لأستسمحك وأقول لك : " عدّ إليّ أريدك إلى جانبي، لن أتحمّل أن أبقى بدونك طوال حياتي. لن أتحمّل وجودي في زنزانة تخنقني تمامًا كحبل الإعدام الذي أخشاه. أريد أن تسمع ندمي. فيا ليت يدي قُطعت قبل أن تضغط على زناد البندقية وترديك. أريد أبي.. أريدك أكثر من أيّ وقتٍ مضى".
(لبنان24)