الدكتور فخري صويلح.. وخمس عجاف
جو 24 :
كتب الدكتور محمد فخري صويلح -
خمس عجاف على الرحيل،،، وخمس قاسيات على الغياب،، وأيتام كثر عاشوا ألم الفراق،، فلم يكن الدكتور فخري صويلح أباً لعائلته الصغيرة فقط،، بل كان أباً لكل مريض زار عيادته،، وأباً لكل الأيتام في جمعية المركز الإسلامي الخيرية،، وأباً لكل طلاب المدارس الإسلامية في محافظة أربد،،، وأبا لكل أفراد جماعة الإخوان المسلمين في شمال الأردن.
لم يكن أباً ذا سطوة،، وجبروت ،،، بل كان أباً بمحبته لكل من عرفه،، وأباً باقترابه لكل محيطه الإنساني ،،، وأباً بحضوره الوجداني لكل حاجات الناس.
لم تكن تلك الأبوة سيادية على محيطة ،،، بل كانت أبوة راعية حريصة ،،، أبوة متجردة كريمة ،، أبوة منزهة عن الغرض،، ومترفعة عن الهوى.
عاش رحمه الله نيفاً وسبعين عاماً،،، بنى فيها لبنات العمر،، بالاجتهاد ،، والبذل،،، والإخلاص للفكرة،، والجهاد في سبيلها،، والتضحية لها.
لم يكن يعرف للراحة مكان ،،، ولم يكن يعرف لفتور الهمة عنوان ،،، ولم يكن يطرق غير باب الله ،، ولم تكن نفسه لتعرف السكون قبل تحقيق الهدف والمراد.
عاش يرحمه الله خادماً لفكرته ،،، ومعيناً لإخوته ،، جواداً في خدمة الطب ومعانيه،، ومجاهداً في الدفاع عن دينه ووطنه،،، محباً للعلم والمتعلمين.
لكنه أحب عنفوان الشباب ،، فعرف للشباب قيمته ،،، وبذل للشباب كل ما يحتاجه لتحقيق هدفهم ومرادهم ،،، فقد آمن أن الشباب عنوان النهوض ،، وأن طاقات الشباب تتفجر لتصنع التغيير ،، وأنه صلى الله عليه وسلم بنى دولته بسواعد الشباب وهمتهم،، ولذلك أولى الشباب اهتمامه ،، وأعطاهم جل وقته وفكره،،، واستمع لهم باهتمام،، وأخذ بأفكارهم ،، ووجه طاقاتهم لما يخدم أمتهم ودينهم.
كما اشتغل قلبه وعقله رحمه الله بهموم أمته ،، هنا في الأردن ،،، وفي فلسطين ،، وفي سوريا إبان أزمتها مطلع ثمانينات القرن الماضي ،، وهناك في العراق ،،، وفي الجزائر والسودان وأريتريا،، وفي أفغانستان ،،، وقد عرفت منه ،، واستمعت لشهادة من كان قريباً منه في معايشة هذه الهموم وبذله وسعيه لخلاص المسلمين والإنسانية مما أصابها من وجع الظالمين،، وعدوان المعتدين والمستعمرين.
لم تكن نفسه لتهدأ وفي بلاد المسلمين يتيم ،، أو أرملة أو ثكلى ،، أو فقير ،،، أو ذو علة مريض،، ولذلك لم تكن لذاته حصة في خطابه ،، ولا تفكيره ،، ولا انشغاله،،، فهكذا هي النفوس العظام ،، ينتزع منها هوى النفس ،، وتلفظ من ثناياها المطامح الصغار ،، وتتجرد عن مطامع الدنيا ومكاسبها.
وللوحدة ومعانيها وحقائقها في نفس أبي محمد ،، موضع الصدارة في القول والفعل،،، وفي الهم والشعور،،، ولو كان بيننا لما قبلت نفسه وهمته ،، فرقة المسلمين عوامهم وخواصهم ،،، ولأصابه الألم والجزع من نفر آثروا أن يأكلهم الذئب بعيداً عن إخوانهم ،،، بل لعله كان يركض إليهم متألماً على ابتعادهم ،، حريصاً على احتضانهم ،، أكيداً على الإمساك بأيديهم نحو الجمع المبارك ،، ونحو الوحدة الخالدة.
وأما الاجتهاد في مسائل الأمور وتفاصيلها ،، فيعذر كل مجتهد أخاه فيما ذهب إليه عقله ،، بل ويقبل منه تعدد الأفهام ،، وتعدد الآراء ،، وتعدد الهمم ،،، وتنوع القمم ،، فهذا حال البشر،، وهذا حال السابقين واللاحقين،، شريطة أن يكون ذلك كله في دائرة واحدة ،، دائرة الدين والأمة ودائرة الفكرة التي ترى الله غايتها ،، كما ترى محمداً صلى الله عليه وسلم قدوتها ،،، وترى القرآن منهجها ودستورها،، والجهاد في سبيل الله سبيلها،، والموت شهادة في سبيل الله أسمى وأرقى أمانيها،، كل هذا بالنسبة له يرحمه الله فهم واحد لا تنفصل عراه ،، ولا تتفكك حلقاته ،، ولا تحل رابطته،، فليس بعد البيعة عنده ،، عودة ،، ولا هدنة ،،، ولا تنكب عن طريق الحق ،، ولا سكون ولا هدوء إلا بدولة الإسلام ،،، دولة تعرف فيها الإسلام ديناً ودولة ،، مصحفاً وسيفاً ،،، حقاً وعدلاً ،، حرية وكرامة ،،، مساواة بين الناس وعدالة بين الرعية،، يتآخى فيها المسلمون،، ويعيش سواهم من أخوانهم من غير المسلمين في الوطن بكرامة وانصاف،،، فهذه دولة محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا هو فخري صويلح ،، صاحب الدنيا ثلاثة وسبعين عاماً ،، وصاحب الطب منها ستة وأربعين عاماً،،، وصاحب الإخوان المسلمين منها ثمانية وخمسين عاماً،، أحب دنياه ،، فهي عنده دار العطاء ،،، وأحب آخرته ،، فهي عنده دار البقاء ،،، فغادر الأولى إلى الثانية في الخامس من تشرين الثاني عام 2012 ،، ودعته جموع غفيرة محبة ،، من مدينته أربد ،، ومن كل مدن الأردن ،، بل نعاه من عرفه وسمع به داخل الأردن وخارجه،، وما زال محبوه يذكرون ساعة الغياب ،، ويذكرون خمساً عجافاً كانت بعده ،،، ولكنني أسمع صدى صوته منادياً فينا جميعاً ،، أن دعوة الله باقية ،، وأن سنة الله ماضية ،، وأن أرداة الله غالبة ،،، وأن كونوا في صف الحق ولا تغادروه ،،، وأن الجنة أصدق وأبقى ،، وأحق أن نلقى الأحبة محمداً وصحبه فيها،، فإلى لقاء فيها أبتاه ،، على عهد الله نمضي،، وعلى عهده نلتقي ،، وفي جنة الله الملتقى بمشيئته تعالى.