مختصون: تدريس الفلسفة بوابة لعبور المستقبل وحلا لتحديات التعليم المقبلة
جو 24 :
حازم عكروش- يحتفل العالم غدا الخميس باليوم العالمي للفلسفة الذي اعتمدته اليونسكو في 2002 في عام على أمل تجديد الالتزام الوطني والإقليمي بدعم الفلسفة وتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية للقضايا المعاصرة والاستجابة للتحديات المطروحة وتوعية الرأي العام بأهميتها واستخدامها نقديا لدى معالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة .
والفلسفة هي دراسة طبيعة الواقع والوجود، ومصدرها الإغريقي تعني ’’حب الحكمة‘‘وهى احدى أهم مجالات الفكر الإنساني الذي يتطلع للوصول إلى معنى الحياة.
كما تهدف اليونسكو من هذا اليوم التركيز بوجه خاص على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بهذا التعليم والتأكيد على أهمية تعميم تعليم الفلسفة في المدارس وتعزيز ثقافة دولية بشأن النقاش الفلسفي مع الاحترام للتنوع ولكرامة الإنسان و يقوم هذا اليوم على تشجع التبادل الأكاديمي وتسليط الضوء على مساهمة المعرفة الفلسفية في معالجة القضايا العالمية و تشجيع الناس تبادل التراث الفلسفي مع بعضهم البعض وفتح عقولهم لأفكار جديدة، لمناقشة القضايا المعاصرة من أجل الاستجابة للتحديات المطروحة على البشرية.
الدكتورة اسيل الشوارب
وقالت رئيس قسم العلوم التربوية الأستاذ المشارك في علم النفس التربوي بجامعة البترا الدكتورة أسيل الشوارب أن طبيعة الطفل وقدرته على التساؤل والاندهاش تشكل أساس الفلسفة، وقدرته على تعلمها وممارستها مشيرة الى قول الفيلسوف كانت بأننا "لا يمكن أن نتعلم الفلسفة، بل يمكننا أن نتعلم التفلسف" وأضافت أن الفلسفة تبدأ مع الطفل من خلال التفكير وطرح الأسئلة والحوار، وبذلك تصبح منهج حياة يمارسه الطفل في كل لحظات حياته، وأن الاطفال يستطيعون ممارسة التفلسف بشكل يضمن تقديم معايير منطقية تحكم عملية التفكير لديهم وتوجههم، وليس بالضرورة أن يحاكي طريقة الكبار في التفكير بالأشياء، مشيرة الى أن الأبحاث أثبتت ومنها نتائج دراسة لي أجريتها عام 2003 على عينة من أطفال في مرحلة الروضة، أن الذين يدرسون الفلسفة يكون تحصيلهم الأكاديمي أفضل، ويحققون مستوى أعلى من الإبداع بكل أبعاده: الأصالة (يطرحون أفكاراً أصيلة وجديدة عند مناقشة المواضيع)، والمرونة (القدرة على التفكير المرن البعيد عن القوالب التقليدية)، والطلاقة (تعدد الأفكار والبدائل الجديدة)، كما يظهرون تقديراً أعلى لذواتهم من غيرهم.
وأكدت الشوارب أن ممارسة الطفل للتفكير الفلسفي لها مردود واضح في تحصيله الأكاديمي للطفل وعلاقاته الاجتماعية، ويطور لديه الكثير من مهارات التواصل الفعالة مثل: فن الإنصات الدقيق، وطرق المحادثة الجيدة، والاستدلال المنطقى أحياناً، وما يرتبط بامتلاك أدوات التفكير العلمي الإنساني من دقة الملاحظة والتخيل والشك والاستنتاج ثم إصدار الحكم.
وردا على سؤال لماذا يتعلم الأطفال الفلسفة؟ قالت نعيش اليوم في عالم يتسم بالزخم المعرفي والتقدم التكنولوجي، وتداخلت فيه نظم الحياة في العالم كله، وهو ما فرض مراجعة شاملة للمناهج وطرق التدريس لتلائم التغيرات وتساعد في بناء إنسان المستقبل القادر على مواجهة التطور والتحديات في كل المجالات مضيفة أن العودة لتعليم الفلسفة يعتبر إحدى أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة، وقد أصبح الاهتمام بتقديمها بطريقة وظيفية وتطبيقية في سن مبكرة بشكل يربط الفلسفة بالحياة ومشكلاتها؛ فينتقل الطالب من تحصيل المعرفة الفلسفية فقط إلى أن تصبح الفلسفة نشاطاً وفعلاً حقيقياً ومعاشاً، وتوظيفها في مناقشات عقلانية لمشكلات ومسائل حياتية جدلية بما يشكل مدخلاً ثرياً للتفكير والسلوك وانفتاحاً على العلوم كافةً.
وشددت على ضرورة تأسيس نظام تعليمي متكامل يتبنى الفلسفة يبدأ من مراحل مبكرة، وهو بالضبط ما قام به الفيلسوف الأمريكي المعاصر ماثيو ليبمان، في خمسينات القرن الماضي، حيث اعتبر حينها أن الفلسفة عمل كل فرد، ولا ترتبط بعمر معين، داعياً إلى تدريس الفلسفة للأطفال لتعويدهم وهم تلاميذ صغار على التفكير النقدي الحُرِّ والمستقل ويقوم منهج ليبمان على أساليب تعليمية مناسبة تستند للقصة والحوار والفن والدراما، ويتم اختيارها ميدانياً في بعض الأحيان، وتصلح أن تطبَّق من قبل جميع المعلمين، ويرتكز على تنمية ثقافة السؤال في المدرسة اعتماداً على أسئلة الأطفال أنفسهم، واقتراح موضوعات سردية (قصصية) تمس حياة الأطفال وترتبط بواقعهم بموضوعات تحمل موضوعا جدلياً وخلق أجواء الحرية والدعم للحوار والمناقشة حول تلك القضايا.
وقالت الشوارب أن دعوة الفيلسوف ليبمان حظيت بقبول واسع، وتبنتها "اليونسكو"، وانتشر برنامجه في العديد من الدول التي تطور نظامها التعليمي مع توجهها نحو التقدم والدولة المدنية الحديثة، لكن –للأسف- غابت هذه البرامج في الدول الأفريقية والعربية التي تعاني من الاستبداد السياسي جرّاء القيود التي تفرضها الحكومات على الأنظمة التعليمية وتوجيهها حسب مصالحها الضيّقة.
وأكدت على أن تعليم الفلسفة للأطفال – اعتماداً على منهج ليبمان أو غيره – يعد استثماراً تربوياً قيماً، ويشكل حلاً لتحديات التعليم المقبلة ومواجهتها بأدوات بسيطة يمكن أن يتبناها المعلمون، ولنترك جانباً كل الدعوات التي تضع الفلسفة في برج عاجي بعيداً عن النظام التربوي العام، وبعيداً عن الطفولة.
الصحفي وليد حسني
الباحث والصحفي وليد حسني وقال الزميل الصحفي والكاتب وليد حسني أن اليوم العالمي للفلسفة يعني احتفال العالم بطرح الأسئلة الإنسانية الكبرى، وإعمال العقل، وتحدي الجهل، وصناعة الفكر والتفكير، والتريض في معالم الكون بالعقل والمنطق، إنه يوم الحكمة، والعقل، والتعقل، واستكشاف الإنسان فينا، وصناعة السلام الذهني بين الكون والطبيعة والإنسان مضيفا أن المؤسسات التربوية العربية ومنها الاردن الغت تدريس الفلسفة ذات دهر عندما تخاصم العقل والنقل، وحينما احترب السلفي مع المستقبل.
وأشار الى أن الفلسفة الإسلامية في كل نطاقاتها بدت فلسفة مبشرة وواعدة ومنطلقة وجريئة وتجاوزت المنطوق الفلسفي الأثيني من ارسطو الى افلاطون الى سقراط، فقد قوَّم العقل الإسلامي طروحاتهم وأعادها الى سياقاتها في طبخة فلسفية عربية اسلامية كذا فعل الشارح الأكبر ابن رشد في التراث الأرسطي والأفلاطوني، وأخرون كثر قبل أن ينتصر التراثي الناقل على المستقبلي العاقل، فاحرقت كتب القوم، وتعرض ابن رشد للمهانة، وطورد المتكلمون، وغصت بهم السجون، ولم يعد للمعتزلة أرباب العقل وأسياده أية مكانة في مجتمع رضي الغرق تماما في المنقول على حساب المعقول.
وجدد حسني دعوته للخروج من التقليدية في مناهج التربية والتعليم والجامعات إلى تدريس الفلسفة واعتبارها منهاجا تعليميا اساسيا يبدأ من المراحل الدراسية الأولى لتهيئة العقل الطلابي لتقبل الدرس الفلسفي لاحقا مشيرا الى أنه في خمسينيات القرن المنصرم كانت الفلسفة منهاجا تعليميا أساسيا قبل الإنقلاب عليها والغائها، وأننا الآن اكثر حاجة للعودة لتدريسها خاصة وأن مناهجنا الدراسية الحالية لا تحتوي أية إشارات تكفي لتوجيه عقل الطالب إلى الفلسفة باعتبارها علما لكيفية تصالح العقل مع الكون والنفس والذات والمعتقد والناس.
وقال نحتاج في مدارسنا لقفزات نوعية وجريئة لغايات إعادة الإستثمار في عقل الأجيال القادمة خاصة وأن الأجيال الحالية لم تعد تتقبل فكرة التجديد والتطور مضيفا أن تدريس الفلسفة سينعكس إيجابا على صناعة التفكير لدى طلابنا، وعلى سلوكياتهم، وفي تعاملهم مع الآخر، وتقبل الحوار والتعايش مع الخلاف والإختلاف، وسينشأ جيل يتقن تماما كيف يسأل، ويفسر ويحلل، ويربط النتائج والمعطيات ببعضها ويختبرها لافتا أن تدريس الفلسفة في مدارسنا بوابة لعبور المستقبل وصناعة جيل بعقل يعرف كيف يوظف عقله، ويوجهه، ويصنع منه عالما بعقل.
الدكتور توفيق شومر
وقال رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الاردنية الدكتور توفيق شومر أن الفلسفة تعلم الإنسان التساؤل والحوار وطريقة التفكير والحوار لخدمة الانسان والانسانية التي تعاني حاليا من العنف والغاء الأخر مشيرا الى ان الجامعة الأردنية تحتفل هذا العام باليوم العالمي للفلسفة والتي أقرت تدريس مادة "مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد" لكل طلبة الجامعة كمادة إلزامية متمنيا أن يتم تعميم التجربة على الجامعات الأخرى لتجاوز الاجحاف الذي لحق بالفلسفة منذ عام 1976 عندما قررت وزارة التربية والتعليم تعليق تدريس مادة الفلسفة في مناهجها، والذي نجم عن فهم وتفسير خاص وضيّق للدين وعلاقته بالفلسفة، وهو ما جعل من الدين رهينة هذا التفسير الخاطئ وأشار الى أن تدريس الفلسفة والتفكير الناقد أحد الأركان المهمة لبناء قدرات الطلبة على أمتلاك أسس التفكير السليم، والقدرة على اتقان بناء الحجة لتقديم نفسه بشكل مناسب للآخرين، وقواعد التفكير المنظم والناقد، ليكون قادراً على تقييم المواقف المختلفة التي يتعرض لها في الحياة، وتصويب الأفكار، وصولاً إلى استنتاجات صحيحة مدعومة بالأدلة بخصوص هذه المواقف وتقدم له منهجيات التفكير المناسبة التي تساعد على أدراك الاختلاف بين الخيارات المتاحة وكيفية الحكم وبين الدكتور شومر أن للفلسفة دوراً مهما في بناء الفهم المناسب بالقضايا الأخلاقية بشكل عام، وأخلاقيات التعامل مع الآخرين وأخلاقيات الحوار، بالإضافة إلى التعامل مع القضايا الأخلاقية في الأعمال وما يرتبط بها من مفاهيم مهمة لبيئة العمل ولتحسين المسلكيات المتبعة في مجتمع العمل كما أن تعرض الطالب للحوار الفلسفي، بين الاتجاهات الفلسفية المختلفة، يبرز أهمية الفلسفة في تعاملها مع مواضيع مهمة كمفاهيم: الأنا والآخر، حق الأختلاف، ، التسامح، القبول، الاعتراف، التواصل، الحوار، .... وهي ركائز يمكن للفلسفة أن تفيد بها أي مجتمع وأن تكون من حيث قدرتها على محاربة التطرف هي البديل المناسب لبناء مجتمع يتطلع لبناء مستقبل مشرق.