متى يمكن معالجة ارتفاع الكولسترول بلا دواء؟
جو 24 :
كثيراً ما نسمع عن الاصابة بارتفاع الكولسترول في الدم، ولكن قد يجهل كثيرون أنّ لهذه المشكلة عوارض صامتة لا تُنذر بالاصابة، وإذا ظهرت فإنها تكون خطيرة، كالتعرّض لسكتة قلبية أو دماغية. فما هي أخطر المشاكل التي قد يسببها إهمال الكولسترول؟ ومتى يُنصَح بمعالجته من دون دواء؟
يعتبر الكولسترول مادة شحمية لا تذوب في الماء، وهي ضرورية لعمل الجسم بصورة سليمة. وتتواجد هذه المادة في الدماغ، الأعصاب، الكبد، الدم والعصارة الصفراوية، ويستخدمها الجسم في بناء أغشية الخلايا لإنتاج الهورمونات الجنسية.
وعلى رغم شيوع الاصابة به، الّا أنّ كثيرين يجهلون تفاصيله. وفي هذا السياق، شرح الاختصاصي في جراحة الشرايين والأوردة الدكتور يوسف عسيران، أنّ "الكولسترول يأتي من خلال طريقين رئيسيين، الاولى من الكبد، وهو المكان الرئيسي لإنتاج الكولسترول حيث يقوم بإنتاج 80 في المئة من كولسترول الدم.
بينما الطريقة الثانية فهي من الواردات الغذائية، حيث يأتي 20 في المئة من كولسترول الدم من مصادر غذائية أهمها اللحوم، الدجاج، السمك، البيض، الزبدة، الجبنة والحليب الكامل الدسم، في حين لا يحوي الطعام النباتي (الفاكهة، الخضار والحبوب) على الكولسترول".
الكولسترول الجيد والسيئ
لا يَنحل الكولسترول في الدم، تماماً كالزيت، الّا اذا ارتبط مع بروتينات خاصة تدعى البروتينات الشحمية (Lipoproteins). عندها، تقوم هذه البروتينات بنقل الكولسترول من الخلايا وإليها.
ويشرح د. عسيران عنها موضحاً أنّه "هناك ثلاثة أنواع من البروتينات الشحمية، هي:
• البروتين الشحمي منخفض الكثافة جداً (Very low densitylipoprotein - VLDL).
• البروتين الشحمي منخفض الكثافة (Low density Lipoprotein - LDL).
• البروتين الشحمي مرتفع الكثافة (High density lipoprotein - HDL).
ويضيف: "يرتبط الكولسترول الذي يفرز من الكبد مع "VLDL" أو مع "HDL"، ويتمّ استقلاب (تحويل) الـ "VLDL" إلى "LDL" بسرعة في الدوران. ويدعى الكولسترول الذي يرتبط مع الـ «LDL» الكولسترول الضار أو السيئ (bad cholesterol)، أما الكولسترول الذي يرتبط مع الـ"HDL" فيدعى الكولسترول الجيد أو المفيد cholesterol good)".
المرأة أكثر عرضة؟
يعاني حوالى 30 في المئة من الأشخاص مشكلة ارتفاع الكولسترول في الدم، وبحسب د. عسيران "تتعدد أسباب الاصابة، فيمكن أن يَرث الإنسان نوعاً محدداً من الكولسترول المرتفع، والذي يسمّى كولسترول الدم المفرط الوراثي، وشخص واحد فقط من بين كل 500 شخص يصاب به مُسبّباً له غالباً الإصابة المبكرة بأمراض القلب.
من جهة أخرى، هناك نوعان رئيسيان من المواد المغذية التي نأكلها يرفعان مستوى الكولسترول السيئ (LDL)، وهما الدهون المشبعة التي يكون مصدرها حيواني، والكولسترول الذي يأتي فقط من المنتجات الحيوانية.
كما أنّ تناول كميات كبيرة من الدهون المشبعة ومن الكولسترول هو سبب ارتفاع مستويات الكولسترول وارتفاع نسبة النوبات القلبية. إضافة الى احتساء كميات كبيرة من الكحول التي قد تؤذي الكبد وعضلة القلب ما يسبّب ارتفاع ضغط الدم والدهون الثلاثية (Triglycerides). في المقابل يسبّب الوزن الزائد ارتفاع مستوى الكولسترول السيئ (LDL)، وبالتالي فانّ إنقاص الوزن يساعد على تخفيضه.
ولا يخفى على أحد أنّ النشاط والتمارين البدنية المنتظمة تساهم في انخفاض مستوى الكولسترول السيئ (LDL)، ورَفع مستوى الكولسترول الجيد (HDL). كما أنّه مع تقدم النساء والرجال في العمر، ترتفع مستويات الكولسترول لديهم إلى أن يبلغوا سن الـ60 الى الـ65، وتكون مستويات إجمالي الكولسترول عند المرأة في عمر الـ50 أعلى منها لدى الرجل في العمر نفسه".
السكتة الدماغيّة والضعف الجنسي
يمكن أن يكون أيّ شخص مُصاب بارتفاع الكولسترول لمدة طويلة من دون معرفة ذلك، لأنّ عوارض هذه المشكلة غير واضحة أو ظاهرة ولا يمكن اكتشافها الّا عن طريق فحوصات، الدم ما يفسّر أهمية قيام كل شخص فوق عمر الـ40 سنة بفحوصات الدم الدورية. ويلفت د. عسيران الى أنّه "تظهر العوارض فقط في حال ارتبط ارتفاع الكولسترول في الدم بأمراض أخرى، فتسبّب المشاكل الآتية:
• أمراض الشرايين التاجيّة: وهي من أكثر المشاكل التي تصاحِب ارتفاع الكولسترول، حيث من الممكن أن يترسّب داخل جدران الشرايين التاجية، فيسبّب تصلباً في هذه الشرايين ليصعب مرور الدم بها، ويضيّقها فتَقلّ نسبة تدفّق الدم فيها، وبالتالي يقلّ وصول الدم الى عضلة القلب ما يسبّب ذبحات قلبية أو احتشاء في عضلة القلب إذا انغلق الشريان كاملاً.
• السكتة الدماغيّة: إنّ تصلّب الشرايين المصاحب لارتفاع الكولسترول قد يصيب الشرايين المغذية للدماغ، فإنّ أي نقص في التروية الدماغية أو انسداد أحد الشرايين الدماغية يؤدي إلى السكتة الدماغية.
• أمراض الأوعية الطرفيّة: أثبتت الدراسات أنّ هناك علاقة قوية بين ارتفاع الكولسترول وتضييق الشرايين الطرفية البعيدة عن القلب والدماغ، حيث تترسّب الدهون على طول الأوعية الدمويّة التي تسبب بإعاقة تدفق الدم فيها، وخصوصاً في شرايين الرجلين.
• إرتفاع ضغط الدم: هناك علاقة وطيدة بين ارتفاع الكولسترول وارتفاع الضغط، حيث يؤدي تصلّب الشرايين وتضييقها، بسبب ترسبات الكولسترول والكالسيوم، إلى زيادة الجهد على عضلة القلب، ويجعلها تنقبض بشدة أكبر لتدفع الدم في هذه الأوعية، ولأنّ ضغط الدم يعتمد على عاملين هما: قوة التدفق من القلب، ومقدار مقاومة الأوعية الدموية، لذلك فإنّ ارتفاع الكولسترول يرفع هذين العاملين ما يؤدي الى ارتفاع الضغط بشكل ملحوظ، وهذا الأمر يزيد من الأخطار حول عضلة القلب.
• السكري: ترفع نسبة سكر الجلوكوز في الدم نسبة الكولسترول الضار وتقلل نسبة المفيد، ما يرفع خطورة الإصابة بأمراض القلب ويسرّع حدوثها
• التدرنات الصفراء (الأورام الصفراء): فرط كولسترول الدم العائلي وهو من أحد أسباب ارتفاع الكولسترول بنسبة عالية جداً، حيث إنّ هذا الارتفاع الحاد فوق (300 ملغ/ ديسيلتر) يؤدي إلى ظهور تدرّنات جلدية مليئة بالكولسترول صفراء اللون، إمّا فوق الأوتار العضلية وخصوصاً وتر أخيل (Achilles tendons) في القدم، أو حول جفون العين.
• الضعف الجنسي للرجال: إنّ ارتفاع الكولسترول كما ذُكر سابقاً يؤدي إلى أذيّة الأوعية الدموية، وهذا يتضمّن الأوعية المغذية للعضو التناسلي ما يؤدي إلى ضعفه وعدم قدرته على الانتصاب.
متى يمكن الاستغناء عن الدواء؟
يمكن علاج ارتفاع الكولسترول من خلال العلاجات الدوائية والتمارين الرياضية والحمية الغذائية الصحية. وفي هذا الاطار يشدّد د. عسيران على أنّه «بالنسبة للأشخاص الذين يعانون ارتفاعاً بسيطاً في معدل الكولسترول (نسبة 130-140) ننصحهم باتّباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام، وعندها لا حاجة للدواء، واذا حافظوا على هذا النمط الصحي، يمنعون ارتفاع نسبة الكولسترول عندهم. ولكن الاشخاص الذين يعانون ارتفاع هذه النسبة (فوق الـ200)، فمن الضروري الحصول على العلاجات الثلاثة، اي الدواء والرياضة والحمية الغذاية.
وتجدر الاشارة الى أنّ إعطاء المريض الأدوية التي تقلّل نسبة الكولسترول، لا تعالج ارتفاعه فهي تحافظ فقط على معدلاته المناسبة في الدم، ولا تمنع ارتفاعه اذا لم يلتزم المريض بحياة صحية. ونذكر بعض الادوية كالـ "ستاتين" "Statins" ، منحيات حامض الصفراء "Bile acid sequestrant" والنيكوتينيك أسيد "Nicotinic acid".
إرشادات صحية
ويضيف: "في المقابل، يفيد المريض التغيير في نمط حياته اليومية، كتجَنّب الأطعمة التي تحتوي على الكولسترول، خصوصاً الطعام المشبع بالدهون، كاللحوم، وبعض أنواع الشوكولا... حيث يجب أن نتناول فقط أقل من 200 مليغرام من الكولسترول يومياً. ومن المهم تناول الأطعمة التي تمنع امتصاص الكولسترول في الجسم، كالألياف، مثل حبوب القمح، الشوفان، الفاكهة كالتفاح والموز والبرتقال.
كذلك تناول الأسماك، كالسَلمون الغني بالأوميغا 3. ويجب تجنّب احتساء الكحول والتدخين. كما انه من المهم محاولة المحافظة على وزن صحي وفقدان الوزن في حال المُعاناة من السمنة، والقيام بالتمارين الرياضية باستمرار، لا سيما أنها تساعد على تقليل نسبة الكولسترول الضار".
(جنى جبور - الجمهورية)