مفارقة أردنية: منظمة أميركية تدرّب الطلبة الجامعيين على "العمل الحزبي".. والجامعات تمنعه
في إحدى قاعات عمادة شؤون الطلبة في جامعة اليرموك، جلس مجموعة من الطلبة يستمعون إلى مدرّب من المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية (NDI)، وهو منظمة أميركية تابعة للحزب السياسي الحاكم في الولايات المتحدة، يشرح لهم معنى الديمقراطية.
قال المدرّب للطلبة إنه ورغم أن للديمقراطية قواعد أساسية، لكنها في النهاية نظام "مرن"، يمكن أن يتواءم مع خصوصية البلدان و"تقاليدها"، مضيفاً أن من "الديمقراطيات" التي يمكن اعتبارها نموذجا على هذه المرونة لبنان، التي تم التوافق فيها على تقسيم المناصب السياسية العليا على الطوائف الدينية.
وأثير في الجلسة واقع الحياة الحزبية في الأردن، وعندما أعرب بعض الطلبة عن تخوّفهم من مسألة الانتماء إلى أحزاب، وضّح المدرّب أن الحال قد تغير الآن مع الربيع العربي، ولكنه لفت إلى أن الكثير من الأحزاب القائمة في الأردن تعاني من ""ديكتاتورية" أمنائها العامين، داعياً الطلبة، إذا لم يعجبهم ما هو قائم من أحزاب، إلى أن يؤسسوا هم أحزاباً تنسجم مع أفكارهم وتطلعاتهم.
كان هذا جانباً من إحدى جلسات برنامج للتمكين السياسي، ينفّذه المعهد الأميركي في عدد من الجامعات الأردنية، وهو برنامج مثير للجدل، ففي وقت يجد من يدافع عنه بوصفه أداة لتفعيل المشاركة السياسية للشباب، فإن آخرين يجدون أن "التمكين السياسي" هو مجرد غطاء للتدخّل (الناعم وغير المكلف) في التحوّلات السياسية في البلد، وتوجيهها بما يتناسب مع مصالح القوى المهيمنة، التي لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الوطنية.
وما يعزز "الريبة"، هو أن الجامعات التي فتحت أبوابها، وقدّمت كل التسهيلات لمنظمة أجنبية، كي تدرّب طلبتها على العمل السياسي والحزبي، تمنع قوانينها، هي نفسها، هؤلاء الطلبة من العمل الحزبي، وتعاقب بالفصل من يمارسه.
تمكين سياسي على "أنغام" العنف الطلابي
يوم الأحد الماضي، وعلى بعد أمتار من عمادة شؤون الطلبة في اليرموك، وأثناء ما كانت المنظمة الأميركية "تمكّن" الطلبة سياسيا وتشجّعهم، ليس فقط على الانتساب إلى الأحزاب، بل وعلى أن يؤسسوا أحزابهم الخاصة، كانت مكبّرات الصوت في الساحة المقابلة لكلية الآثار في الجامعة، تصدح ناقلة احتفالات الفائزين في الانتخابات الطلابية التي، أعلنت عمادة شؤون الطلبة نتائجها الرسمية ذلك النهار، وكان الفائزون وأنصارهم يدبكون بمرافقة الطبول وسط الحرم على أنغام أغنية تقول "يا عيني عل البنات، كلهن دلّوعات".
الأجواء الصاخبة لم تخف التوتر في المكان، فقبلها بثلاثة أيام، كانت هذه الانتخابات نفسها قد تسببت بمشاجرة أسفرت عن طعن طلبة، ذكرت وسائل إعلام في البداية أنهم ثلاثة، ثم استقرت الرواية "الرسمية" على أنهم اثنان و"يتماثلان للشفاء"، ولكن الطلبة في الجامعة ذلك اليوم، كانوا يتناقلون أخبار طالب ثالث تعرّض للطعن، وحذفته الرواية الرسمية، إذ كان ما يزال يومها في المستشفى في وضع سيئ، وقد تأكدت الغد من هذه المعلومة من ثلاثة مصادر منفصلة، جميعهم شهود عيان من طلبة الجامعة.
المشاجرات العنيفة على خلفية الانتخابات الطلابية، باتت كما هو معروف أحد تقاليد الانتخابات الطلابية في الجامعات الأردنية، وهذا، كما نبّه عشرات النشطاء والكتّاب والخبراء، نتيجة طبيعية لنظام الانتخاب على نظام الصوت الواحد، الذي فتت الطلبة في الجامعات، وقسمهم على أضيق الولاءات العشائرية والإقليمية، بالضبط كما فعل مع أهاليهم في الانتخابات النيابية.
ولا يقف الأمر عند نظام الصوت الواحد، فالتدقيق في أنظمة التمثيل الطلابي، وتعليمات تأديب الطلبة ما زالت تتسم كما يقول متخصّصون بـ"العرفية".
وقد عدد التقرير الأخير لحركة ذبحتونا، مجموعة من بنود التشريعات والممارسات العملية للجامعات التي تحجّم التمثيل الطلابي، وتفرّغه من أهدافه، وتقيّد حرية التعبير، وبالتحديد السياسي، حيث تجرّم الأنظمة العمل الحزبي، وتمنع الطلبة المرشحين من التنسيق في ما بينهم لبرامج انتخابية، ومعظم الجامعات، كما ذكر التقرير، تمنع المرشحين من إصدار بيانات انتخابية، كما أن عبارة "العمل على نبذ النعرات الحزبية" كانت أحد الأهداف التي وضعتها إدارات بعض الجامعات لهيئات الطلبة المنتخبة.
هذه الانتهاكات يؤكدها المسؤول عن ملف التعليم في المركز الوطني لحقوق الإنسان، رياض صبح، الذي قال إن الجامعات "ما تزال لا توفر بيئة سليمة توفر الحد الأدنى المعقول من الحريات الطلابية، والطلبة يعاقبون على أمور لا يعقل أن يعاقبوا عليها، وعلاوة على ذلك، لا تضمن الأنظمة المطبقة إجراءات تحقيق ومحاكمة عادلة للطلبة".
ووفق صبح فإنه "أثناء مراقبة المركز الوطني للانتخابات الطلابية في واحدة من الجامعات، اشتكى طلاب ينتمون إلى توجّه معين إلى فريق المركز من تدخلات المسؤولين في الجامعة ضدهم، وعندما ووجه المسؤول اعترف بذلك، وقال صراحة للفريق إنه لا يريد وصول طلاب هذا التوجّه إلى مجلس الطلبة".
إذن هي مفارقة كبيرة كما يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان الدكتور سليمان صويص، ووضع يفتقر إلى المنطق، إذ كيف تجرّم الجامعات، ممثلة بعمادات شؤون الطلبة، التعبير السياسي، وتوقع عقوبات تصل إلى الفصل من الجامعة على المتعاطين بالسياسة، ثم تفتح هذه الجامعات نفسها أبوابها، وتقدّم، من خلال هذه العمادات، كل التسهيلات لمنظمة أجنبية، كي تدرّب الطلبة على ما تمنعهم هي من فعله؟
بالنسبة لوزير الصحة الأسبق الدكتور زيد حمزة، فإن التمويل هو "الطعم"، الذي ترميه هذه المنظمات في العادة، وهو ما استخدمته بالتأكيد للدخول إلى الجامعات.
ويصف حمزة هذا الوضع بـ "المخيف، إذ يكفي الخراب الذي تسببت به التدخلات الأجنبية لمناهج التربية والتعليم في المدارس، حتى يتم السماح لمنظمات أجنبية بدخول الجامعات تحت أي شعار".
ومثل صويص يلفت حمزة إلى المفارقة، فهذا "يحدث في وقت تفتقر فيه مناهج هذه الجامعات إلى تدريس حقيقي للسياسة وللفلسفات العالمية، وتفتقر فيه ممارساتها إلى الديمقراطية، التي أحد أساسياتها أن يكون للطلبة اتحاد عام يمثّلهم، كما هو حال الجامعات المحترمة التي يكون فيها الاتحاد العام للطلبة عضواً في مجالس الأمناء".
ويدلل أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، الدكتور أحمد سعيد نوفل، على هذا التناقض بين التوجّه الرسمي "المعلن" للحكومة في ما يتعلق بالمشاركة السياسية لطلبة الجامعات، والممارسات العملية لإدارات هذه الجامعات بأنه "يحدث مثلا أن يأتي وزير التنمية السياسية إلى الجامعة، ويلقي محاضرة يحض فيها الطلبة على الانتساب إلى الأحزاب، وفي اليوم التالي يعاقب طالب لأنه وزّع بياناً عبّر فيه عن رأي سياسي".
إن تفعيل المشاركة السياسية للشباب، كما يقول نوفل، هو "مطلب ملحّ، أكثر من أي وقت مضى، ولكن هذا يجب أن يكون بدوافع ذاتية، وبأيد وطنية خالصة، وبريئة من أي ارتباطات خارجية".
ما هو المعهد الديمقراطي الوطني؟
تأسس المعهد في الولايات المتحدة العام 1983، وبحسب موقعه الإلكتروني، فقد عمل في 110 دول، وهدفه الأساسي "تعزيز النظم السياسية المنفتحة، والخاضعة للمساءلة"، ويعمل في سبيل تحقيق هذا الهدف مع "شركاء محليين" في هذه البلدان، حيث يعمل بمساعدتهم على بناء المنظمات السياسية والمدنية، وحماية الانتخابات، وتفعيل المشاركة المدنية.
المعهد، الذي يعمل منذ العام 1997 في الأردن، بشكل أساسي في أوساط الشباب والنساء، يطبق حاليا، إضافة إلى برنامج تمكين طلبة الجامعات، برنامجاً لتفعيل المشاركة السياسية للنساء، وآخر لتطوير أداء مجلس النواب.
ورغم أنه يعرّف نفسه على موقعه بوصفه منظمة "غير حزبية وغير حكومية"، ولكن ارتباطه السياسي بالحزب الحاكم في الولايات المتحدة معروف تماماً، كما هو معروف ارتباط المعهد الجمهوري الدولي (IRI)، وهو منظمة أميركية أخرى تعمل منذ سنوات في الأردن، بالحزب الجمهوري الأميركي.
ونشاطات الأخير تتنوع بين استطلاعات الرأي، وبرامج التمكين السياسي، وحتى تنظيم حملات للنظافة مع الشباب في المحافظات.
وقد كتب توماس كاروثرز (Thomas Carothers)، نائب رئيس السياسية الدولية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في مقال له، نُشر في أغسطس 2008على موقع المؤسسة، مؤكّداً هذه التبعية.
المقال الذي تحدّث عن "الزيادة" في المساعدات التي باتت تتلقاها الأحزاب السياسية في دول عربية، ذكر أن هذه الزيادة مصدرها، بشكل أساسي، المعهدان "الحزبيان" الأميركيان، المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية.
وقد عرّفهما كاروثرز في المقال بأنهما "مؤسستان خاصتان تابعتان للحزبين السياسيين الأساسيين في الولايات المتحدة، وتمّول عملها في الشرق الأوسط وزارة الخارجية الأميركية، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والصندوق الوطني الديمقراطي".
علماً بأن هذين المعهدين كانا من بين منظمات المجتمع المدني، التي أثيرت حولها الأزمة مؤخراً في مصر، والتي وُجهت إليها اتهامات بالعمل دون ترخيص، وتلقي التمويل بطرق غير مشروعة.
آلية تنفيذ البرنامج في الجامعات
البرنامج، الذي أُطلق بداية الفصل الدراسي الثاني، ومدته عشرة أشهر، يُنفّذ في ثماني جامعات أردنية، هي الأردنية، اليرموك، العلوم والتكنولوجيا، البلقاء، الهاشمية، الطفيلة، مؤتة وفيلادلفيا، ويستهدف في كل جامعة 200 طالب، ينقسمون على مجموعات تتراوح بين 10-15 طالب، ويتلقون محاضرتين في الشهر.
وللتحضير له، تمّ توزيع استمارات انتساب على الطلبة في الجامعات الثماني، طُلب فيها منهم أن يذكروا بالتفصيل أي نشاطات كانوا قاموا بها مع أي جهة، سواء كانت مجموعات طلابية، أحزاب سياسية، مؤسسات حكومية، منتديات ثقافية، أو اجتماعية، إضافة إلى الندوات، وورش العمل، التي شاركوا فيها، مع توضيح للدور الذي قاموا به في هذه النشاطات، وتمّ التنويه إلى أنه سيتم إعفاء المقبولين من ساعات خدمة المجتمع.
الأسئلة، التي تضمنتها الاستمارة، ساعدت كما يقول عميد شؤون الطلبة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور أسامة نصير، على "فرز" الطلبة، حيث كشفت الطلبة الناشطين الذين يمتلكون اهتمامات سياسية وهم الفئة التي استهدفها البرنامج.
ووفق نصير فإن الموضوعات التي يتضمنها البرنامج هي "الديمقراطية، حقوق الإنسان، الدستور، الأحزاب السياسية، وغيرها من القضايا اللازمة لتكوين ثقافة سياسية، تمكن الطلبة من المشاركة بإيجابية في الحياة السياسية، ومن التمييز بين طروحات الأحزاب، واتخاذ قرار الانتماء إلى أيها".
أما آلية تنفيذ الجلسات، فهي، كما تقول أسيل القضاة، وهي مدرّبة من المعهد الديمقراطي، ومسؤولة عن تنفيذ البرنامج في الجامعة الهاشمية، فتتم بطرح القضية المحددة، ومن ثم يدار الحوار بين الطلبة حولها.
والبرنامج كما تقول القضاة ينفذه في كل جامعة من الجامعات المشاركة في البرنامج، مدرّبان يتبعان إلى المعهد، يداومان طيلة مدة البرنامج في عمادة شؤون الطلبة.
وسيكون هناك، كما ذكر المدرّب في جامعة اليرموك، محمد البصول، برنامج لاحق خاص بـ "صنّاع القرار"، ينفّذه أيضا المعهد، وسيلحَق به الطلبة "المتميزين جدا" في البرنامج الحالي.
هل قررت الحكومة إرخاء قبضتها الأمنية عن الجامعات؟
يتبادر هذا السؤال إلى الذهن عند الاستماع إلى عمداء شؤون طلبة في الجامعات المنفذة للبرنامج، فعميد شؤون الطلبة في الجامعة الهاشمية، الدكتور ماجد القرعان، قال إن "الجامعة ترى أن هناك ارتباطا وثيقا بين تقييد الحريات الطلابية وتهميش الطلبة، وبين الجنوح إلى السلوك العنيف، وأن انخراط الشباب في هذا النوع من الأنشطة السياسية، سيجعلهم يشعرون أن لهم ثقلاً، ودورا في صناعة القرار وسوف يسهم بذلك في تحجيم ظاهرة العنف في الجامعات".
ويوافقه عميد شؤون الطلبة في جامعة البلقاء، الدكتور عدنان العضايلة، الذي قال إن أهم أهداف البرنامج هو تدريب الطلبة على "السلوك الديمقراطي، وتقبل الآخر، إذ أن معظم المشاجرات الجامعية سببها عدم تقبل الرأي الآخر".
في حين يلفت نصير إلى أن الحكم على نجاح البرنامج يتم على المدى القصير من خلال ملاحظة تفاعل الطلبة مع الحياة السياسية واهتمامهم بالشأن العام، وعلى المدى البعيد من خلال تتبع مسيرة المشاركين في البرنامج ، وملاحظة إن استطاعوا الوصول مثلا كأعضاء منتخبين إلى مجالس بلدية أو نيابية.
بين التمكين السياسي والعمل الاستخباري
لا يرى صبح أي مانع من عمل هذه المنظمات داخل الأردن "التدريب على الديمقراطية وحقوق الإنسان مرحّب به من أي جهة كانت، لأننا هنا نتحدث عن معايير عالمية واجبة التطبيق في كل مكان، وهذا المعهد منظمة مدنية تعمل في الأردن بشكل رسمي، وتقوم بأنشطة مفيدة".
والربيع العربي كما يقول صبح هو في النهاية "نتيجة للجهد المتراكم الذي قامت به على امتداد السنوات الماضية منظمات المجتمع المدني، والتي ساهمت بأنشطتها المختلفة في تغيير الوعي الذي يساهم في تغيير التشريعات والممارسات".
ويوافقه في ذلك القرعان، الذي يؤكد أن العالم الآن "مفتوح على بعضه، ولن نستطيع بأي حال عزل أنفسنا عنه"، في حين يؤكد العضايلة أن البرنامج برمته هو "برنامج وطني، فنحن في عمادات شؤون الطلبة من تحسسنا هموم الطلبة وقضاياهم، والخطة التدريبية وضعت محليّاً، وينفّذها تحت إشراف العمادات أردنيون، ومهمة المعهد اقتصرت على تأمين التمويل".
لكن حمزة، يحذّر من أن هذا النوع من المنظمات، وإن "قدّم الكثير منها العديد من الخدمات في مختلف المجالات"، فإن عملها هو "استخباري" في المقام الأول، و"هذه المنظمات عندما تعمل خارج بلدانها، فإنها تعمل أساساً لمصالح بلادها، ومهمتها الأساسية هنا هي أن ترسل ما تحصل عليه من معلومات إلى استخبارات بلادها".
و"الأهداف السياسية" لها، كما يقول حمزة، "معروفة للحكومات، ولكنها لا تملك منعها، بل وتمنحها الترخيص أسهل بكثير مما تفعل مع المنظمات الوطنية، لأننا في عصر الهيمنة الغربية، الذي جعل من التبعية للقوى العظمى، وإن اختلفت نسبتها من بلد إلى آخر، جعلها واقعاً بات على كثير من البلدان ونحن منها أن تتعايش معه".
هذا الواقع لا يعني، كما يشدد حمزة، أن نقف، كمتلقين، مكتوفي الأيدي "علينا أن نبقي دائماً أعيننا مفتوحة على ما تقوم به من نشاطات، وأن نحاول أن نأخذ فقط ما هو مفيد، وأن نلزمها دائما بالعمل بشفافية، وأن تعمل دائماً تحت القانون".
وهو ما يوافقه عليه الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية إبراهيم غرايبة، الذي يرى أن المسألة تتعلق بالكيفية، التي نستقبل بها هذا النوع من النشاطات، والقاعدة الأولى هي "أن نحدد نحن احتياجاتنا التدريبية، فما هي الفائدة من التدريب على العمل السياسي، إذا لم يكن هناك أصلاً بيئة صالحة للعمل السياسي في الأردن؟ بمعنى أن الناس وقبل أن يتدربوا على العمل الحزبي، فإن عليهم أن يتعلموا كيف يحددون احتياجاتهم، وأولوياتهم ومصالحهم الحقيقية، وأن يتعلموا كيف ينظمون أنفسهم بناء على هذه المصالح، وهذا ما سيجعل العشائرية كنظام للتكتّل تتلاشى".
وفق غرايبة، فإن تجمّع الناس، وتنظيم أنفسهم حول مصالحهم، هو وحده ما سيجعل منهم جماعات "مؤثرة"، ويجعلهم بالتالي يستفيدون من الديمقراطية، التي تعمل، كما هو معروف "لصالح الجماعات الأكثر تأثيراً، والأكثر تأثيراً هو من يكون أكثر تنظيماً".
وبدون هذه السويّة الاجتماعية التي تمكّن الناس من التكتّل بناء على حاجاتهم الحقيقية، فإن ما سيحدث كما يؤكد غرايبة، هو أن الديمقراطية ستظل تعمل لصالح ذات النخب الاجتماعية والسياسية التي استفادت من الديمقراطية، "ومَن حَكم الناس بالدكتاتورية، سيكون هو نفسه من سيحكمهم بالديمقراطية".(الغد)