دراسة دستورية في نصوص الدستور الأردني
في البداية كلنا رأينا وسمعنا ما حدث في مجلس النواب السادس عشر حول قضية الفوسفات والتصويت عليها لإحالتها للقضاء بعد أن تبيّن أن هناك مخالفات وقعت من قبل مسوؤلين ووزراء عملوا على خسارة الشركة والحكومة، فيوجد عدد من الأسئلة والإستفسارات فعندما نعود إلى تلك الواقعة أو إلى نصوص الدستور يجد المتابعين أو القانونين أن هناك فراغ تشريعي أو خلل في تفسير بعض نصوص ومنها البنود التي سوف أتحدث عنها بالدستور، حيث في المادة (56) من الدستور التي جاء بها: (لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب) كما هو معلوم قانوناً لا إجتهاد في مورد النص .
إذن يتوارد الى أذهان القانونين على وجه الخصوص والعامة بعض الأسئلة على هذه النصوص ومنها ما يلي:
1) هل يحق لجهة أخرى التحقيق وإحالة الوزراء دون الرجوع لمجلس النواب؟
2) من هو الوزير الذي يجب أن يصوت على إحالته للنيابة العامة؟
3) ماذا لو أرتكب أحد الوزراء لفعل يعاقب عليه القانون ولا يدخل ضمن الجرائم أو الأفعال التي تخل بواجبات الوظيفة بمسمياتها العديدة؟
أرغب أن أوضح وبنفس الوقت أحاول تفسير هذه النصوص حسب علمي ومعرفتي القانونية المتواضعة، حيث فهم وتحليل النص لدى العديد من القانونين والعامة على أنه لايجوز إحالة الوزراء إلا عن طريق التصويت من مجلس النواب، ويوجد جهة كبيرة مدافعه عن هذا الرأي، لكن كما هو واضح في النص أنه لمجلس النواب حق الإحالة ويعطي النص الحق لجهة أخرى لأن النص لم يأتي على سبيل الحصر فلم تكن عبارته محددة أنه لا يحق لغير مجلس النواب الإحالة فكان بإمكان المشرع الدستوري إن أراد أن يعطي الحق فقط لمجلس النواب أن يأتي بنص كهذا مثلاً:(لايحق لغير مجلس النواب أن يحيل وزير إلى النيابة العامة) أو نص آخر يذكر فيه مجلس النواب على سبيل الحصر: (لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة فقط) أو نص (لمجلس النواب وحده حق إحالة الوزراء إلى نيابة العامة). فهنا لم يأتي النص على سبيل الحصر مما يعني أنه يحق لجهه أخرى وهي النيابة العامة الإحالة والأصح أن تكون هكذا لأن النيابة العامة التي هي جزء من القضاء وهي صاحبة الولاية العامة في التحقيق.
أما رأيي هو أنه يحق للنيابة العامة أن تحقق وأن تحيل للمحكمة وأن لا تعود لمجلس النواب لأن أصل الولاية العامة في التحقيق والمحاكمة للقضاء، فكيف نجرد القضاء من هذا الحق؟ أفلا يعتبر هذا تداخل في السلطات لو أفترضنا أن النيابة العامة إرتئت أنه يوجد شبهه أو جرم مرتكب من وزير ما ونسبت لمجلس النواب للتصويت على إحالته للقضاء كما حدث مسبقا في قضية الكازينو، فقام مجلس النواب بتصويت بعدم إرسال عدداً من الوزراء للمحكمة، فهنا يحق للنيابة العامة إرسال القضية للمحكمة دون الأخذ بتصويت مجلس النواب كونها جهة أخرى يحق لها الإحالة كما ذكرنا سابقاً حسب النص .
فمن هنا نجد أنه لو توجه أية مواطن وقدّم أخبار للمدعي العام في قضية معينة أو مثلاً قضية الفوسفات، وقام المدعي العام بالتحقيق ووجد أنه يجب إحالة عدد من الوزراء للمحكمة في هذه الحالة يستطيع المدعي العام من تلاقي نفسه وتحويله للمحكمة دون الرجوع لمجلس النواب كون النيابة العامة صاحبة الولاية العامة في التحقيق .
وللاشخاص الذين فسّروا وحللّو هذه المادة كما ذكرنا سابقاً على أن الحق فقط لمجلس النواب، فهنا يكون السؤال لماذا التمييز أليس الوزير مواطن أردني، فلماذا تكون إجراءات إحالته مختلفة عن المواطنين و المسوؤلين الآخرين ؟
* ألا يوجد مادة دستورية في الدستور تقول أن الأردنين سواء أمام القانون لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن إختلفوا في العرق والدين (المادة 6/1)؟
*أما بخصوص الإستفسار الثاني الذي يقول من هو الوزير الذي يجب أن يصوت مجلس النواب على إحالته؟
ان من يفسرون النص بأن أي وزير شغل منصب الوزارة يجب أن يصوت لإحالته ولا أعلم أنا كيف أستند هؤلاء لهذا التفسير، فالمادة لم توضح فيما إذا كان الوزير العامل أم الوزير الغير عامل، جاء في المادة (57) من الدستور لتزيد الشكوك أو لتساعد في تفسير المادة (56) حيث نصت المادة (57) على ما يلي: (يوقف عن العمل الوزير الذي تتهمه النيابة العامة اثر صدور قرار الإحالة عن مجلس النواب ولا تمنع إستقالته من إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار في محاكمته).
فهنا تم ذكر الوزير العامل الذي يحيله مجلس النواب للنيابة العامة يتم إيقافه عن العمل، فإذا عدنا لنص المادة (56) الذي جاء به ما يلي: (لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب)، ففي النصين ان الحق يكون لمجلس النواب في الإحالة فقط للوزير العامل أما الوزير الذي خرج من الحكومة لو أرادت النيابة العامة تحويله للقضاء والمحكمة يحق لها دون الرجوع لمجلس النواب، وكما ذكرت في الإستفسار الأول لماذا الوزير غير العامل يبقى يتمتع بحصانته وهو خارج الحكومة وبالأصل هو مواطن أردني، فالقاضي عندما ينتهي من منصبه تنتهي معه الحصانة والنائب عندما تنتهي مدة دورة إنعقاد المجلس تنتهي حصانته، فلماذا يبقى الوزير الغير عامل كالوزير العامل؟
فهنا ورد النص على الوزير الذي يشغل منصب الوزارة، ممكن أن من يفسرون هذه المادة على أن الوزير هو كل من شغل هذا المنصب واستندوا على قرار للمجلس العالي لتفسير الدستور لكن أنا أتحفظ على هذا التفسير مع احترامي الشديد للمجلس العالي للتفسير والذي أنتهى دوره الأن بعد إنشاء المحكمة الدستورية .
اما بخصوص الاستفسار الثالث، فاذا أرتكب أحد الوزراء لفعل يعاقب عليه القانون ولا يدخل ضمن الجرائم أو الأفعال التي تخلّ بواجبات الوظيفة والجرائم المتعلقة بها بمسمياتها العديدة ؟
حسب النص وكيف يطبق وكيف يفسر من بعض القانونين والنواب والعامة يجب أن يحول المدعي العام الوزير لمجلس النواب لتصويت على إحالته للمحكمة أو عدم الإحالة، لو أفترضنا وممكن أن نخرج من دائرة الإفتراض ويصبح واقع، أن أحد الوزراء أرتكب جرم أو حصل معه مثلاً حادث سير وقامت النيابة العامة بالظن عليه لإحالته للمحكمة فهنا يجب أن يحال الوزير لمجلس النواب لتوصيت على إحالته فإذا صوّت المجلس بعدم الإحالة يذهب حق الطرف الآخر!! ولا تسطيع ملاحقته ؟؟ من جهة وهنا لا نكون أمام سيادة القانون والمساوة بين المواطنين كما جاء بنص المادة (6) من الدستور (الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين). ونكون أمام تدخل في عمل السلطة القضائية، ومن جهة أخرى لو كان الوزير متقاعد من 10 سنوات وأرتكب جرم أو فعل معين مثل جرم إساءة أمانة أو حتى حادث سير هنا يجب أن يرسل الأمر للنواب لتصويت على إحالته فإذن ما تحدثت به سابقاً، وهو حق النيابة العامة بالتحقيق والإحالة هو الأصح وهو الضمانة الوحيدة للسير بإجراءات التقاضي وحماية الحقوق بالطريقة الصحيحة وأن لا يكون دور النيابة العامة منقوص، إذن رأيي المتواضع في الحالات المذكورة انه :
بالاستفسار الاول :يحق لغير مجلس النواب إحالة الوزراء للقضاء، والحق يكون للنيابة العامة والتي هي جزء من القضاء وبالأصل السلطة القضائية هي صاحبة الولاية العامة بالتحقيق والمحاكمة والصلاحية مجلس النواب يجب ان تبقى في التشريع والرقابة .
بالاستفسار الثاني :إن حسب ما جاء في نص المادة (56) من الدستور يكون التطبيق فقط على الوزير العامل أما الوزير الغير عامل يحال من قبل النيابة العامة دون رجوع لمجلس النواب أما من يقول أن هناك قرار لديوان تفسير الدستور فأن أكون متحفظ عليه ويجب الأن مع وجود المحكمة الدستورية عرض الأمر عليها للنظر بهذه النقطة وإصدار قرار بها.
اما بالاستفسار الثالث :يوجد خطأ لم يتداركه المشرع الدستوري - مع الاحترام - بحيث لم يذكر ويحدد فيما إذا كان الجرم أو الفعل المرتكب الذي يحال عليه الوزير من قبل مجلس النواب فقط على الجرائم التي تكون إخلال بواجبات الوظيفة والجرائم المتعلقة بها بمسمياتها العديدة اما كل أنواع الجرائم.
هذا إجتهاد بسيط مني أتمنى أن أكون قد أصبت أن تحليل النصوص الدستورية تختلف بين القانونين، وإختلاف الرأي لا يفسد للود قضية فالمصلحة العليا هي مصلحة الوطن والإنجاز لهذا الوطن الذي نعشق.
والله وراء القصد...