هل فشلت تجربة اللامركزية في المملكة..؟!
جو 24 :
كتب خالد الخواجا -
بعد مضيّ خمسة أشهر على انتخاب مجالس المحافظات "اللامركزية"، يرى الشارع الأردني أن هذه التجربة فشلت وأن الأعضاء المنتخبين لم يقدموا شيئا ملموسا للمواطن، وأنهم منزوعي الصلاحية وبعضهم يبحث عن مطالب خاصة لتحسين أوضاعهم ليس أكثر!
وإلى جانب ذلك، استمرّ الغموض الذي ساد دور أعضاء اللامركزية منذ بداية طرح هذا المشروع الذي استهدف "تخليص أعضاء مجلس النواب من المهام الخدماتية وتفريغهم للرقابة والتشريع"، بل إن الضبابية زادت في ظلّ شكاوى البعض من عدم معرفة مهامهم وتضاربها مع دور البلديات وأمانة عمان ومجلس النواب والحكام الاداريين في تلك المناطق.
في الحقيقة إن اجتماعات أعضاء اللامركزية وانتخاب رؤسائها وتوزيع المناصب كانت آخر المهام التي لمسها المواطن واستوعبها، وهذا ليس طعنا في كفاءتهم وقدرتهم، بل توصيف دقيق لما يجري، فالناس لا زالوا يتساءلون عمّا تفعله مجالس المحافظات وما الذي يمكن أن يقدّمه أعضاء اللامركزية لقواعدهم الشعبية.
لا يُعقل أن نقف ونشاهد 270 عضوا من أعضاء اللامركزية وهم يتقاضون مكافآت شهرية تصل إلى مئات الآلاف دون أن يكون لهم دور حقيقي فاعل في خدمة المجتمع ميدانيا وخدميا..
ربما يجيب أحد أعضاء اللامركزية على هذا التساؤل بأنهم يسعون لتحسين الخدمات وأنهم متحمسون لتقديم الخدمات ولكن القوانين تحصرها في ادارة المجتمع المحلي والاشراف عليه، وأما خدمات البنية التحتية والثقافية والاجتماعية وغيرها فتنحصر في المجلس البلدي وكوادر البلديات ورئيسها.
الواقع أن البلديات وبعدما تمت زيادة أعضاء لجانها المحلية إلى أضعاف ما كانت عليه لتصل إلى 865 عضوا بهدف تحسين الخدمات وعدم اقتصارها على عضو محلي، لم تعد بحاجة إلى لجنة لمتابعة مطالب مناطقها، خاصة وأن عدد أعضاء مجالس بعضها مبالغ فيه، حيث أن المدن والقرى الصغيرة والبلديات المتوسطة يقوم على مراقبتها المجتمع المحلي نفسه.
وفي المقابل، لم يتم تشكيل لجان محلية لأعضاء مجلس أمانة عمان، والتي يمثل العضو فيها مئات الالاف من السكان، ولكن لا يتابع نشاطاته ولا يراقب اداءه أحد، بل ولا يتم اعلام قواعدهم الشعبية بأي من قرارات أمانة عمان وماذا يجري فيها، ومنهم لايشاهد الاعضاء إلا في الانتخابات أو من خلال مصالح عدد قليل من المواطنين لأمور خاصة.
وحتى لا نذهب بعيدا، فإن عددا من أعضاء اللامركزية قد تدخلوا في جلب الخدمات من البلديات أو الحاكم الاداري أو من الوزارات، ليتفاجأ بأن هذه المطالب تُلبّى لرؤساء البلديات والنواب مباشرة، ومنهم من تعرض لمشاحنات واساءات لدخوله البلدية والطلب من رئيسها خدمات لمناطق معينة ومطالبته لرئيس البلدية بايجاد مكاتب لهم.
الاحباط الذي أصاب العديد من أعضاء مجالس المحافظات جاء نتيجة لغياب أي صلاحيات تنفيذية لهذه المجالس، واقتصار مهامهم على توزيع المخصصات المالية على خدمات مناطقهم، وهذا لا يليق بالعدد الكبير من الاعضاء وكفاءاتهم وحماسهم، حتى أن بعضهم التزم منزله نتيجة حالة الاحباط تلك!
ولم يقف الامر عند ذلك الحدّ، بل طالب بعض الأعضاء بمنحهم لوحات سيارات حكومية "حمراء" وصرف بدل تنقلات لتسهيل حركتهم، وتوفير مبنى مستقل لكل مجلس محافظة، وتزويد مجالس المحافظات بكوادر وظيفية متخصصة، ورفع مقدار المكافأة الشهرية البالغة 400 دينار، وغيرها من المطالب الخاصة.
في الحقيقة إنّ أيّا منّا لا يمكن أن يتقبل منح أعضاء اللامركزية تلك المطالب طالما أننا لا نلمس أثرا لوجودهم على أرض الواقع، بغضّ النظر عن البيانات الصحفية التي تصف مناطقهم بأنها "منكوبة"، فالمطلوب هو الفعل على الأرض وتوزيع الخدمات بشكل عادل على مناطق المحافظات حسب المخصصات المحددة لها..
الناس اليوم لم يعودوا يقتنعون بتذمّر أعضاء مجالس المحافظات وتكرار الحديث عن كونهم منزوعي الصلاحيات، خاصة وأنهم لا يرون اولئك الأعضاء لا في ميادين العمل ولا حتى في اللقاءات الاجتماعية، وغالبية المواطنين عادوا في مطالبهم إلى العهد القديم من خلال اللجوء إلى النواب أو رؤساء البلديات أو المسؤولين في السلطة التنفيذية مباشرة.. وهنا نشير إلى اجتماع أعضاء مجالس محافظات في أحد الألوية ورفض أصحاب الشركات والمصانع حضور ذلك الاجتماع ورفض دعم مبادرات لهم، فيما لبّى أصحاب الشركات والمصانع دعوة البلدية اللاحقة نظرا للمصالح المتبادلة بين الطرفين وامتلاك البلديات صلاحيات يمكن أن تؤثر على مصالح أصحاب المصانع والشركات.
وفي ضوء ذلك الواقع المزري لمجالس "اللامركزية"، لجأ بعض الأعضاء إلى طرق بديلة لحفظ ماء وجهه من خلال بناء تحالفات مع نواب المنطقة ورؤساء البلديات، والسير معهم جنبا إلى جنب لطرح مطالبه وخدماته من خلال هذه الشخصيات النافذة! ولكن يبقى السؤال؛ إلى متى سيتحمل النائب ورئيس البلدية والحاكم الاداري عبء هؤلاء الأعضاء..
اسئلة كثيرة يثيرها هذا الفشل في عمل مجالس المحافظات؛ من يتحمل وزره؟ ومن يتحمل هذه المكافآت في ظل خزينة خاوية ومثقلة بمديونية عالية؟! ولماذا لا نعود إلى البدائل التنفيذية الأكثر قوة من اللامركزية؟ ثمّ لماذا يحصل هؤلاء على مكافآت في ظلّ كون الأصل بعملهم أنه تطوعي؟!!
لا يعقل أن يستمرّ توارث فشل المبادرات واحدة تلو الاخرى ونحن نكابر بأن أدوارا مهمة تنتظرهم مستقبلا، بينما نشاهد مظاهر الفشل وتضارب المصالح والمطالب الخاصة هي ما يتسيّد مواقف بطولات بعض النواب واعضاء المجالس البلدية واعضاء اللامركزية.