قانون الجرائم الالكترونية.. دمّر الاعلام الناقد وقتَل المهنة
جو 24 :
كتب خالد الخواجا - توقيف الزميلين عمر صبرة المحارمة وشادي الزيناتي الاسبوع الماضي كان ضربة موجعة وغير مسبوقة لحرية التعبير وسقف الاعلام الذي نتغنى به، فقد حوّل توقيف عضو مجلس نقابة الصحفيين المنتخب وزميله الزيناتي المشهد من "كبت للحريات" إلى "قتل للاعلام وحريته".
منذ 17 عاما وأنا أعمل في الصحافة، وسُجلت بحقي العديد من القضايا، وكان كلّ طرف يأخذ حقّه، ونتابع أيضا قضايا الزملاء في المحاكم حيث كان القضاء الفاصل في احقاق الحقّ، وهكذا إلى أن جاء قانون الجرائم الالكترونية والذي أصبح سيفا مسلطا على رقبة الاعلام نتيجة اقراره في المادة (11) بعقوبة "توقيف الصحفيين"، متغوّلا بذلك على قانون المطبوعات والنشر الذي يمنع توقيفهم أصلا!
المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية فتحت الباب على مصراعيه للمسؤولين والنواب من أجل ملاحقة منتقديهم، بعد أن تيقنوا أن هذا القانون هو الباب الوحيد لاغلاق أفواه المنتقدين عوضا عن الرد والتوضيح الذي كان مكفولا لهم في السابق، ولكن الواضح أن المسؤول الاردني لم يعد يتحمّل أي انتقاد من وسائل الاعلام.. بدليل أن عددا محدودا منهم سجّلوا دعاوى قضائية بحقّ مئات الاعلاميين والمواطنين وتمكنوا من حبس بعض المشتكى عليهم ولم يكتفوا بذلك بل طلبوا تعويضات بملايين الدنانير!
خطورة القانون الحالي تكمن في معاملة الصحفي وصاحب الرأي على أنه مجرم جنائي خطير يستوجب الأمر توقيفه وقيامه بجولة على المراكز الامنية ليعود مرة اخرى للحاكم الاداري الذي يمكن أن يوقفه أيضا ومن ثم يحول الملف لقاضي الصلح الذي يلاحق فيه المسؤول المشتكى عليهم بالتعويض المالي والغرامات الاخرى.
كلنا نتفق ان المسيء يجب أن يعاقب وفق الخطأ الذي ارتكبه، ولكن للأسف فإن استمرار التلويح بحبس الصحفيين يجعل من هذه التشريعات أداة ارهاب نفسي واجتماعي، ووسيلة للسيطرة على الحريات الصحفية وكبت حرية التعبير.
إن العقوبة المفروضة على الصحفيين والعاملين في مجال الاعلام في المادة 11 من قانون الجرائم الالكترونية ستمنع أي زميل او اعلامي او حتى مواطن من توجيه النقد لاي مسؤول كان، وستوقف الحديث عن وجود سقف للحريات العامة والاعلام بعد أن يسقط السقف بهذا القانون ليترك المسؤول دون محاسبة أو نقد قد يوجه له!
أعتقد أن ما شهده قطاع الاعلام من تراجع في حرية التعبير كان ممنهجا، ومن ذلك ما شهدناه من اغلاق سبعة صحف يومية وتوقف محطتين فضائيتين وتحويل عشرات القضايا للقضاء بحق مواقع الكترونية، ليأتي هذا القانون ويقضي على ما تبقى من حريات اعلامية.
الكثير من الهفوات التي يقع فيها الزملاء سببها غياب المعلومة الدقيقة من المسؤول الذي يحرص هو نفسه على اخفائها، وهذا ما يدفع البعض لنشر المعلومات المتوافرة لديه دون أن يتوثّق منها بشكل كامل، لتبدأ بعدها الاشاعات بملاحقة المسؤول الذي ظنّ أن اخفاءه المعلومات سيحميه من أعين العامة.
أنا لست متفائلا بتغيير هذه التشريعات القاتلة والتي سنتها الحكومة ومجلس النواب، لكنّ نقابة الصحفيين وفي حال امتلكت الارادة الكافية ستكون قادرة على ذلك بالرغم من الممانعة المتوقعة من قوى الشدّ العكسي.
في الواقع، إنه وإذا لم يتدارك الزملاء ومنظمات حقوق الانسان ونقابة الصحفيين والجمعيات الشعبية والقانونية خطورة هذا القانون القاتل فأنني أقول لكم "عظم الله اجركم بحرية التعبير والاعلام الناقد الوطني البناء".