تشويش الصورة!
د. يعقوب ناصر الدين
جو 24 :
مقلق ومحير هذا التعاطف الذي أظهره البعض مع السارقين اللّذيْن قاما بالسطو المسلح على بنكيْن، ومستغرب أن يُعزي البعض سرعة إلقاء القبض على سارق لغبائه، وليس لنباهة فريق البحث الجنائي ورجال الأمن العام، فهل نحن أمام ظاهرة تستحق الدراسة، خاصة وأنها مرتبطة بالجانب السيء من مواقع التواصل الاجتماعي، وليس بالمجتمع نفسه الذي يؤمن بأن السرقة هي من كبائر المحرمات، وليست مجرد جريمة يعاقب عليها القانون.
إنه التشويش بشقيه "الفني والدلالة" والذي يعرفه علم الاتصال بأنه الخلل الفني أو المادي الذي يطرأ على إرسال الرسالة في سيرها من مصدر المعلومات إلى الهدف الذي يراد الوصول إليه، بحيث يجعل المتلقي عاجزًا عن فهم الرسالة، أما التشويش بالدلالة الذي يحدث نتيجة المؤثرات الذاتية التي تؤثر في فهم المتلقي للرسالة، أو عندما تكون العلاقة بين المرسل والمستقبل غير محايدة، ومثقلة بالمعاني الانفعالية السلبية أو الإيجابية.
هذا ما يحدث بالفعل، فمواقع التواصل الاجتماعي قادرة اليوم على التشويش على عمليات الإعلام ووسائله التقليدية بالمعنى التقني غير المباشر، وذلك بالعزوف عن متابعته أو الوثوق به، وكذلك فإن مضامين رسائل تلك المواقع تستطيع تغيير مسار الأحداث نحو اتجاهات عديدة، قد تصرف النظر عن الحدث نفسه، وتحول تفاصيله إلى قضايا تعكس المفهوم الانفعالي عند الجمهور، بعضه أو كله!
المتعمق في نصوص الرسائل النصية أو التعليقات على الصور، أو استحضار صور لا تمثل الواقعة نفسها، يستنتج أن ثمة مشكلة تحتاج إلى بحث علمي متعدد الجوانب، وفي مقدمتها الجانب الأمني بمعناه الإستراتيجي الذي يأخذ في الاعتبار مفهوم الأمن والسلام الاجتماعي، ولا يغفل كذلك فرضية الاستهداف، خاصة ونحن نعرف أن قوى الشر التي تستهدف بلدنا تستخدم نظريات علمية للتشويش على صورة الأردن، بقصد التقليل من قيمته الإستراتيجية، ومكانته في المنطقة، ومن نجاحه في الحفاظ على أمنه واستقراره أمام التحديات والأزمات الخطرة التي تحيط به من كل جانب.
ولا نستسهل هذا الأمر ونقول إنها مجرد سخرية عابرة سرعان ما تنتهي، فالخبراء والباحثون يعرضون علينا كل يوم أشكالاً من النظريات المستخدمة لتقويض دول ومجتمعات بأكملها، مستخدمة قدرتها على رسم الصورة التي تريدها، والتي تخدم مشروعها في هذه المنطقة من العالم.
في المقابل ليست الجهود المشكورة لجهاز الأمن العام تحصيلاً حاصلاً، فمن الضروري أيضًا تنظيم حملة لمساندته، وبالطريقة ذاتها، أي عن طريق مواقع الاتصال الجماهيري، فنقدم لهم الشكر والامتنان، ونحييهم ونفخر بهم، وقد كان سجلهم وما يزال حافلاً في التصدي للجريمة، وما هذا الأمان الذي ننعم به إلا بفضل الله، وبكفاءتهم وخبرتهم وتضحياتهم، ومعهم بقية أجهزتنا الأمنية، وقواتنا المسلحة الذين صنعوا الصورة البهية لبلدنا، فهل من المعقول أن يكون بيننا من يشوشها عن قصد أو عن جهل؟!