معهد العناية بصحة الأسرة أنموذج فريد للمؤسسات المجتمعية
جو 24 :
كتب د. عاطف القاسم شواشرة - رغم عملي في القطاع الأكاديمي النفسي والتربوي، والتدريس الجامعي، لما يقرب من عقدين من الزمن، إلا أن اطلاعي على تجربة معهد العناية بصحة الأسرة، التابع لمؤسسة نور الحسين يجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز، لوجود مثل هذه المؤسسات التي تعمل بصمت على بناء المجتمع، والتطوير فيه، دونما بحث عن أهداف مادية وربحية.
فمعهد العناية بصحة الأسرة الذي تأسس عام 1986 عمل وما زال يعمل في تقديم خدماته المتميزة في القطاع الطبي، بمسائل ذات أهمية عالية في تحقيق الرفاه الاجتماعي، وتحسين نوعية الصحة، والصحة الإنجابية، وتنظيم الأسرة وهو ما ينسجم مع السياسات السكانية الوطنية، وصولًا إلى مفهوم الفرصة السكانية خلال أقل من عقدين مقبلين.
أما الخدمات النفسية والتربوية، فيعمل المعهد على تقديمها وفق أحدث المستجدات العالمية، ووفق منهج شمولي متكامل، بحيث يعمل على تقديم الخدمة للحالة الواحدة فريق من الاختصاصيين تحت مبدأ "فريق متعدد التخصصات"، وهو اتجاه عالمي حديث قلما يطبق في بلداننا العربية.
فعندما يأتي الشخص لطلب المساعدة يتم دراسة مشكلته من خلال فني مختص يسمى "مدير الحالة"، فيعمل على تقيمم الحالة تقييمًا أوليًا، ثم يشكل فريقًا شموليًا للعمل مع الحالة، فهناك المختص النفسي، والعامل الاجتماعي، والطبيب، والطبيب النفسي، والمستشار القانوني، واختصاصي العلاج الطبيعي، فيجتمع هذا الفريق من خلال مؤتمر حالة ليضع خطة تدخل شمولية وبعدها تبدأ رحلة العلاج وصولًا إلى المصلحة الفضلى للمراجع، مع إجراء مؤتمر للحالة لتقييم خطة التدخل، ومؤتمر ثالث للانتهاء وإغلاق الملف، وهذا يمثل أسلوبًا راقيًا يراعي إنسانية الإنسان، وتنوع احتياجاته المختلفة، ليجدها في مكان واحد تقدم بصورة منهجية.
ومما يدعو للاعجاب في تقديم الخدمات النفسية والاجتماعية في هذه المؤسسة العريقة، هو اعتماد أحدث التوجهات العلاجية في مجال العلاج النفسي والتدخل الاجتماعي، فهناك تكنيكات علاجية لا مثيل لها في العالم العربي، منها تقنية العلاج السردي، حيث عمل المعهد على استقطاب علماء نفس من ألمانيا ممن عملوا على تطوير هذا التكنيك لتدريب فريق العمل النفسي في المعهد، وهذا سبق علمي تطبيقي أدخل نماذج علاجية لم تكن معروفة في الأردن وفي المنطقة العربية، كما نذكر منها إدخال تكنيك "طب العقل والجسد" المطور من قبل جامعة هارفرد، وتم احضار العالم الطبيب النفسي جوردون صاحب التكنيك لينقل بنفسه التقنية إلى المعهد وتدريب فريق العمل لديه، وهذا نهج تطويري سابق حتى للمؤسسات الأكاديمية التي تعمل في هذا المجال.
كما يعمل المعهد على تطبيق الاستراتيجيات الوطنية الخاصة بحماية الطفل من الإساءة، ومقاومة العنف المبني على النوع الاجتماعي، واستراتيجيات دعم الأسرة الأردنية، التي صدرت عن المجلس الوطني لشؤون ال،سرة بمنهجية تشاركية مع كافة قطاعات العمل في المؤسسات الوطنية المختلفة، ويلتزم بإجراءات العمل الموحدة بين الوكالات المختلفة والتي تم التوافق عليها من خلال نهج تشاركي وصدرت كوثيقة وطنية معيارية تنظم العمل.
وتنفيذا للتوجهات العالمية في خدمة المعاقين وذويهم، عمل المعهد على انشاء وتطوير وحدة خاصة بنمو ورعاية الطفل، تعمل وفق بروتوكول عالمي مطور ومحدث يبني تدخلاته على قياس وتشخيص تطوري، بحيث أن الأطفال يخضعون لتقييم قدراتهم النمائية والعقلية باستخدام أحدث المقاييس العالمية، ثم يحولون لتلقي خدمات التأهيل والعلاج في ضوء التشخيص الدقيق وحسب المسارات النمائية لمشكلاتهم، يصاحب ذلك تقديم خدمات الإرشاد والتوجيه للوالدين في برنامج خاص للتوعية الوالدية (يسمى برنامج بورتج) حول أهمية التشخيص المبكر وآليات التعليم لأبنائهم.
كم نحن فخورون بهذه المؤسسة الرائدة وبنظام إدارتها والقائمين عليها، وما أروع الرسالة التي تؤديها، فدورات التأهيل النفسي والاجتماعي تقدم للنساء مجانًا، ومراكز الإرشاد القانوني والتثقيف النوعي حول الحقوق والواجبات متوفرة، والندوات والمبادرات الطبية المجانية تقام في مختلف أرجاء الوطن، إلى حيث مواقع المحتاجين لها بما يزيد عن ثلاثة وعشرين موقعًا منتشرة في نواحي الوطن كافة.
لقد استطاع معهد العناية بصحة الأسرة أن يجذب نخبة من المختصين والأطباء من ذوي الخبرات المميزة في شتى مجالات العلم والحياة، ليقدموا نتائج خبراتهم وخلاصة علمهم لأبناء وبنات وطنهم والمقيمين على أرض المملكة، من اللاجئين والجنسيات الأخرى، بصورة متساوية، وهذه بصمة واضحة على جبين العمل الإنساني والاجتماعي الذي قل في هذا الزمان وأصبح مطلبًا اجتماعيًا وتربويًا تسعى المؤسسات التربوية على اختلافها إلى تعليمه للنشء ليرتقي بمجتمعه.