الذكرى السابعة لزلزال فوكوشيما المدمر
جو 24 :
كتب الأستاذ الدكتور محمد ابودية معتوق - رئيس الجمعية الاكاديمية الأردنية اليابانية -
تستذكر اليابان واليابانيون كل سنة في 11 من اذار كارثة الزلزال المدمر ، والتسونامي الذي ضرب شواطئ مدينة فوكشيما مما أدى الى تدمير المفاعل النووي في محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية وتسرب نشاط اشعاعي وصلت اثاره الى أمريكا وأوروبا . والتي تعتبر أسوأ حادثة نووية في التاريخ بعد كارثة مفاعل تشيرنوبيل النووي عام 1986 ولعل هذه الحادثة النووية اضفت ديمومتها على تعاطي الحدث بشكل سنوي على هذه الحادثة على الرغم من ان الخسائر البشرية التي فقدتها اليابان من هذا الزلزال المدمر وبحسب الاحصائيات اليابانية الرسمية الى وفاة ما مجموعه 15895 شخصا في اثنتي عشرة محافظة ولا يزال 2539 آخرون في ست محافظات في عداد المفقودين وتُوفي 3647 شخصا على الأقل في عشر محافظات بسبب مشاكل صحية وأسباب أخرى أثناء نزوحهم. وقد بلغ عدد النازحين في ذروته نحو 470 ألفا ولا يزال 37049 شخصا الى الان نازحين في أنحاء البلاد بسبب تأخر جهود إعادة الإعمار بسبب التسرب الاشاعي في المنطقة المنكوبة.
ولعل من الجدير ذكره هنا الى ان اليابان وبكل ما توصلت اليه من عظمة في التكنولوجيا والتطور في الحفاظ على سلامة المنشئات النووية الا انها تقف الان عاجزة عن التخلص من رعب الاشعاع النووي الذي لا يزال يلف المدينة التي خلت من البشر ولم يعد احد يستطيع الوصول الى موقع الانفجار للمفاعل النووي الى تاريخه.
ويكمن التحدي الأكبر لليابان بمعالجة الكميات الهائلة من المياه التي استخدمت للتبريد اثناء الانفجار ومنع اختلاط المياه القادمة من المحيط نحو المفاعل وكذلك منع اختلاط المياه الجوفية المحيطة بالمنطقة باثار الدمار للمفاعل، الامر الذي سوف يؤثر على الاحياء البحرية في المحيط وثلوتها اشعاعيا اذا عرفنا ان اليابان يعتمد بشكل كبير على السلسلة الغذائية في المحيط.
ويزداد الامر رعبا اذا عرفنا ان شركة تيبكو (شركة طوكيو للكهرباء) قامت ببناء مجموعة من الخزانات الاسطوانية الشكل ليصل عددها في أماكن العمل إلى نحو 11 الف خزان وتسطيع ان تخزن كمية من المياه الملوثة يصل وزنها لنحو ٨٠٠ ألف طن ومنذ ذلك الوقت على الانفجار لا زالت الجهات تتصارع مع التعامل مع هذه الكميات الضخمة من المياه الملوثة. سواء التخلص منها او معالجتها قبل التصرف بها باي شكل من الاشكال على الرغم مما تبذله الجهات المحلية في وضع حد للزيادة المطردة للمياه الملوثة بالاشعاعات النووية الناتجة عن تدفق المياه الجوفية الى مباني المفاعلات الأربعة الا ان شبح المياه الملوثة لا يزال يلوح بالافق.
وعلى الرغم من ذلك قامت شركة تيبكو للحد من تزايد المياه الملوثة المتدفقة من المحيط والمياه الجوفية لمنع اختلاطها بالوقود النووي المنصهر الذي ينفث كمية من الإشعاعات داخل مباني المفاعلات ١، ٢ و٣ مرتفعة جدا وأصبح لا يمكن لكائن بشري دخولها. وفي ظل هذه الظروف السيئة، تحول إخراج الوقود وتفكيك المبنى إلى عملية لا توجد سابقة لها في العالم، ولم يتم البدء بالأعمال الجوهرية حتى الآن. وما زالت في مرحلة الدراسة لفهم المعلومات الأساسية حول نوعية التكنولوجيا الضرورية وأماكن تواجد الوقود المنصهر والأوضاع المحيط بها ، علما ان اليابان قامت لغايات المسح واستقصاء الحقائق عن الوقود المنصهر في المفاعلات، بإدخال روبوت إلى وحدة المفاعل رقم ١ قرب الجزء المركزي من أنابيب التخزين، لصعوبة الاستعانة بالقوى البشرية وتعرضها للاشعاع النووي.
وكحلول وندابير لحظية ولمنع والتغلب على اختلاط مياه المحيط قامت تيبكوة ببناء جدار حديدي لمنع وصول مياه المحيط الى منطقة المفاعلات وبناء جدار جليدي في التربة حول الموقع المدمر بطريقة عالية التقنية . كما قامت تيبكو للحد من ارتفاع جرعة الإشعاعات في محيط المكان برصف ما يقارب 1.5مليون متر مربع من موقع محطة دايتشي للطاقة النووية (مساحة تبلغ 3.5 مليون متر مُربّع) كما أنها انتهت من المعالجة الأولية لمعظم المياه الملوثة في الخزانات الأرضية بواسطة معدات إزالة مواد نووية ونجحت تيبكو في تخفيض جرعة الإشعاعات في محيط المحطة.
اما على الصعيد البشري وما تعرض له السكان من اشعاع فتشير دراسة لمنظمة الصحة العالمية أجريت في عام 2015 الى ارتفاع حاد في معدل الوفيات بين المسنين الذين وُضعوا في دور الإيواء المؤقت، إلى جانب تزايد مخاطر الإصابة بالأمراض غير السارية، مثل داء السكري ومشاكل الصحة النفسية. كما ساعد نقص إتاحة الرعاية الصحية على تدهور الصحة أيضاً.
وقد اشارت المنظمة الى انه تم الكشف عن وجود اليود المشع والسيزيوم بتركيزات تتجاوز الحدود التنظيمية اليابانية في بعض السلع الغذائية. ومنذ المرحلة الأولى لحالة الطوارئ، رصدت السلطات اليابانية تلوث الغذاء عن كثب ونفذت تدابير الحماية لمنع بيع وتوزيع الأغذية الملوثة في اليابان وخارج اليابان. ولاتزال منظمة الصحة العالمية تعمل مع المنظمات العالمية لرصد الأغذية وكميات الاشعاع ومستويات الإشعاع المتبقية في الأغذية.
وفي تقرير للجنة الوطنية لحادثة فوكوشيما ادانت اللجنة شركة تيبكو وأشارت بوضوح الى ان الحادثة هي (كارثة نووية من صنع الإنسان) وأن الأسباب المباشرة للحادث كانت متوقعه قبل 11 مارس 2011 ، وأثبت التقرير أيضا أن محطة الطاقة النووية فوكوشيما دايتشي لم تكن قادرة على تحمل الزلزال والتسونامي ، حيث فشلت كلها في تطوير متطلبات هذه السلامة الأساسية بشكل صحيح ، والإعداد لاحتواء الأضرار الجانبية لحدوث مثل هذه الكوارث ، ووضع خطط للسكان في حالة االانتشار لمثل هذا الإشعاع الخطيروالاخلاء السريع ، و اعترفت تيبكو للمرة الأولى في 12 أكتوبر 2012 أنها قد فشلت في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع الكوارث خوفا من دعوة قضائية أو الاحتجاجات ضد منشآتها النووية.
وتبقى كارثة فوكوشيما مصدر الهام لكل من يفكر في استخدام الطاقة النووية كبديل للطاقة والتاني الكبير قبل الاقدام على بناء أي مفاعل نووي لما لها اضرار على البشر والبيئة خاصة اذا انعدمت الخبرة والتقنية اللازمة للحفاظ على ادنى متطلبات السلامة العامة ، وتبقى الخسارة الأكبر اذ علمنا أن المفاعل قد تم تدميره بالكامل، ذلك المفاعل الذي يقال أن تكلفته كانت قد وصلت إلى ثلاثمائة بليون دولار، والتي في الحقيقة أوجعت الحكومة اليابانية، ببساطة، لقد أعطى ما حدث في فوكوشيما تلك الليلة معنًى آخر للكارثة.