في تونس لن يدفع العريس مهور الزواج ولن تغير العروس اسم عائلتها
جو 24 :
في إحدى مقاهي حي "لافايات” وسط العاصمة تونس كان الوقت مساء، ورغم برد شهر يناير/كانون الثاني فإن أغلبية الموظفين والطلبة يقصدون المنطقة لكسر روتين اليوم وشرب فنجان شاي أو قهوة وتبادل أطراف الحديث حول مواضيع الساعة. معز جلس في إحدى موائد المحل وطلب قهوة "إكسبيرسو”، جاءه النادل بطلبه ومعه خبر مفاجئ، سيغادر عمله إلى مكان آخر وستعوضه منذ الغد فتاة اختارها صاحب المقهى. النادل بدا ساخطاً وعبر لمعز كيف أن النساء زحفن على كل مناصب العمل المتاحة في تونس وأصبحن ينافسن الرجال بشكل كبير.
النقاش تشعب بين معز والنادل حتى وصل إلى القوانين والإجراءات التي اتخذتها حكومات ما بعد الثورة والتي صبت في صالح تعزيز مكانة وحقوق المرأة التونسية، وعلى رأسها السماح لها بالزواج بالأجانب وخاصة تلك التي تشغل بال التوانسة الآن: إلغاء مهور الزواج واختيار نظام الإرث الإسلامي أو المبني على المساواة.
ترسيخ الدولة المدنية..
دافع النقاش بين معز والنادر ما نشرته وسائل الإعلام التونسية طوال الأسبوع من كون "لجنة الحريات الفردية والمساواة” التي أعلن عن تأسيسها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم 13 أغسطس/آب 2017 تقوم بتقديم مسودات قوانين للجنة المرأة في البرلمان التونسي لنقاشها ثم إحالة النصوص إلى رئاسة الجمهورية لتعود في شكل مشروع قانون يناقشه البرلمان ثم يصادق عليه. مسودات القوانين تتمثل أساساً في "الاشتراك بين الأم والأب في رئاسة العائلة وإلغاء المهر عند الزواج وحرية اختيار اللقب العائلي بالنسبة للمولود إن كان لقب أبيه أم أمه وأيضاً حرية اختيار نظام الوراثة سواء كان نظاماً إسلامياً أم نظام المساواة في الميراث”.
لم يصدر تصريح رسمي من رئيسة اللجنة الرئاسية النائبة بشرى بالحاج حميدة لتأكيد ما نشرته وسائل الإعلام التونسي، ولم يصدر عنها أيضاً أي تكذيب، لكن الأكيد حسب مصادر من مجلس النواب أن النقاشات حول النقاط المذكورة في مسودات القانون هي نقاشات فعلية وتدور بين نواب لجنة المرأة بمجلس نواب الشعب التونسي، خاصة وأن التوجه السياسي العام في تونس حسب المصادر "يأخذ منحى إيجابياً بالنسبة للقوانين المناصرة للمرأة والمساواة الجوهرية بينها وبين الرجل ودعم الحقوق الفردية في إطار دولة مدنية حداثية”. ورافق هذا التسريب موجة من الجدل، فالبعض يرى هذه المبادرة على أنها مسألة هامشيةوليست في وقتها، والبعض الآخر يرى فيها انتصاراً لقيم المواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وهي شعارات رفعت طيلة السنوات السبع التي مرت منذ ديسمبر 2010 إلى اليوم. لكن ردود الأفعال الرافضة بوضوح لهذا النقاش لم تظهر بعد، خاصة وأن الشارع التونسي لم يعهد تململاً أو احتجاجاً ضد القوانين المناصرة للمرأة بل يعتبرها مكاسب وجب الحفاظ عليها ودعمها، بالرغم من حجم الجدل الذي صاحب مسألة المساواة في الإرث التي تحدث عنها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطابه الشهير يوم عيد المرأة الماضي في 13 أغسطس/آب 2017، وحينها تعالت طالبت الرئيس بالتراجع عن تصريحاته في خصوص الإرث، ليس في تونس فقط بل في العالم العربي أيضاً وخاصة مصر.
حقوق المرأة هي البداية..
الإنجازات التي تحققت في مجال حقوق المرأة في تونس، يعتبرها العديد من السياسيين من مختلف الاتجاهات والمفكرين والمثقفين في تونس مسألة إيجابية، خاصة وأن تركيبة لجنة الحريات الفردية والمساواة تعد تجمعاً لعقول تونسية عرفت بتاريخها العلمي والأكاديمي والبحثي الطويل في مجال العلوم القانونية والصحافة وعلم النفس، مثل الباحث عبد المجيد الشرفي والباحثة إقبال الغربي والصحفيين صلاح الدين الجورشي وكريم بوزويتة وغيرهم. وبالنسبة للتوقيت، فالأمر يبدو طبيعياً ومناسباً لتصريحات رئيسة اللجنة بشرى بالحاج حميدة بعد أول اجتماع للجنة الحريات الفردية والمساواة والتي قالت فيه "إن يوم 20 فيفري 2018 سوف يكون يوم نهاية أشغال اللجنة وستقدم فيه تقريراً إلى رئيس الجمهورية عن أعمالها متضمناً مقترحات وتوصيات حول تطبيق الحريات والمساواة في المنظومة القانونية التونسية”، وبذلك حددت منذ البداية السقف الزمني لعملها وهو ستة أشهر أي بين أغسطس/آب 2017 وشباط/فبراير 2018، ولم يبق اليوم سوى شهر واحد تقريباً.
وليست هذه هي الخطوة الأولى التي تأخذها الدولة التونسية في اتجاه حماية المرأة وحقوقها وحظوتها الاجتماعية، فالقانون الشهير الذي صادق عليه البرلمان التونسي يوم 11 أغسطس/آب 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة كان أحد أهم الخطوات التي تقدمت بها تونس نحو مجتمع حديث يساوي بين مواطنيه دون تمييز جنسي. وقد احتوى القانون المذكور على جملة من الفصول التي تحمي المرأة من العنف الزوجي والعنف في الشارع وفي العمل ويحميها من التحرش ويعطيها حقوقاً عديدة في مسألة حقوق تربية الأطفال والطلاق وغيرها من المسائل، كما يعرف القانون بدقة مصطلح العنف ضد المرأة، ويقول التعريف الذي جاء في الفصل الثالث من القانون "هو كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي”.
لتكتمل الإصلاحات بما تم تسريبه مؤخراً حول الحق في إمكانية إعطاء لقب الأم للأبناء وحرية الاختيار في نظام المواريث وإلغاء المهر ورئاسة العائلة.
مؤسسات ما بعد الثورة
اجتهادات لجنة الحريات الفردية والمساواة تتقاطع مع أعمال هيئة أخرى لها استقلاليتها وشخصيتها القانونية وهي "الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية” التي يترأسها رجل القانون التونسي توفيق بودربالة. وكان قد تعالى الجدل حول طبيعة المهام وتخصصات المؤسستين بعد تصريحات قدمها بودربالة سابقاً لوسائل إعلام تونسية قال فيها "لو كلفنا رئيس الجمهورية بالمهام التي أوكلها للجنة الحريات الفردية والمساواة لقبلنا المهمة وانطلقنا في العمل نظراً لشمول المهام الموكلة إليها في قانون الهيئة وصلاحياتها”، مضيفاً "ربما لأن الإمكانيات تعوزنا كهيئة فاختار رئيس الجمهورية أن يبعث لجنة خاصة بتفعيل الحقوق الفردية والمساواة، لكن في الأصل نحن من يتعهد بهذه المهام”. ورغم هذا الجدل فإن لجنة الحريات الفردية والمساواة، حسبما تؤكد رئيستها بشرى بلحاج، قد اقتربت فعلاً من تحرير تقريرها النهائي وتقديم المقترحات لرئاسة الجمهورية التي ستعمل على تحويلها إلى مشاريع قوانين قال عنها الرئيس أنها ستكون مطابقة ومفعّلة للدستور التونسي خاصة الفصل السادس الذي يتضمن حرية المعتقد والفصل 21 الذي يعنى بالمساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات والفصل 46 الذي يعلن صراحة عن "التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها، كما تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع الحالات”.
نجاح السلطات التونسية في تطوير مسألة الحقوق والقوانين المتعلقة بها والإجراءات العملية من أجل تحسينها مسألة مفروغ منها حسب معز وأصدقائه الذين التحقوا به بعد انتهاء يوم دوامهم، تشعبت نقاشاتهم وتعالت أصواتهم ومعها دخان سجائرهم وفناجين القهوة الفارغة، ليتدخل معز ملطفاً الأجواء ويخبر أصدقاءه أنه ابتداء من الغد ستلبي طلباتهم شابة جديدة، تعالت الضحكات ومعها تعليقات مرحة.. استبشروا بالخبر ليس لأنهم يكرهون النادل ولكن لأن امرأة "ستوزع السعادة على الناس” كما يقولون.