أنا مسلمة بريطانية ولدتُ ونشأت في شرق لندن، وهذا ما فعله "محمد صلاح" بأولادي
"محمد صلاح! اجرِ مو، اجرِ".
ترددت الصيحات في أرجاء منزلي عندما سجل محمد صلاح هدفاً رائعاً افتتح به المباراة ضد روما في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا مساء يوم الثلاثاء 24 أبريل/نيسان.
كانت الابتسامة تغطي وجه أطفالي، هناء (8 أعوام) ومحمد (6 أعوام)، بينما نشاهد صلاح يضع رأسه على الأرض ساجداً بأسلوبه المميز في الاحتفال.
لم يمر صعود الملك المصري بفريق ليفربول مرور الكرام على المنازل المشابهة لمنزلي هنا في المملكة المتحدة، إذا لم يكن ذلك حول العالم.
فبتفوقه في لعبة كرة القدم، يساعد محمد صلاح في توحيد المجتمعات. يسجد محمد صلاح ويدعو على أرض الملعب، ويطلق لحيته بكل فخر، ويقدم أفضل أداء في لعبة كرة القدم قد تراه هذا العام.
هل تعلم مدى تأثير ذلك على الأطفال مثل أولادي؟ إنَّه نموذج يُحتذى به في عصرنا. ولدتُ ونشأتُ في شرق لندن بإنكلترا، لوالدين كانا من المهاجرين من اليمن وبورما.
وعلى عكس العديد ممن هم في عمري، لم أكن أعاني أبداً من فكرة الانتماء في هذا البلد. مع ذلك، أنا أدرك جيداً أنَّ المناخ الحالي يجعل شعور الأطفال المنحدرين من أقلياتٍ وخلفياتٍ دينية مختلفاً، إذ أنَّهم يتعرضون لأجندةٍ إخبارية تجعلهم متخوفين من عرض تراثهم الإسلامي. لذا فإنَّه ليس من المفاجئ أنَّ ظهور لاعب مثل محمد يشعل شرار الفخر في قلوبهم.
صورة لابني وابنتي
تشاهد ابنتي هناء باندهاش عندما يرفع صلاح يديه إلى السماء ويسجد بعد تسجيل الأهداف. وتقول: "ماما، نحن نفعل نفس الشيء أيضاً". واتباعاً للسنة الإسلامية، يُطلق العديد من الرجال المسلمين لحاهم، وصلاح لا يختلف عنهم في ذلك.
لذا عندما أجد ابني واقفاً أمام المرآة يحاول التقاط الشعيرات الصغيرة الرفيعة على ذقنه، مدعياً أنَّه لديه الآن ذقنٌ مثل صلاح، فإنَّ قلبي يطير فرحاً. يمكن القول إنَّ صلاح هو أفضل لاعب في العالم الآن. يجمع محمد صلاح شمل المجتمعات معاً، وأنا واحدةٌ من الأشخاص المستمتعين بذلك للغاية، وتُحمل اللافتات التي تصوره كفرعون عالياً حول ملعب أنفيلد، ويغني مشجعو ليفربول الذين عشقوا صلاح الأغاني والأناشيد عن المساجد والمسلمين في جميع أرجاء المدينة وقوفاً وجلوساً. يغمرهم الحب والإعجاب، والمسلمون في جميع أنحاء العالم متحمسون لمشاهدة ذلك.
وفي موطنه مصر، يُنظر إلى صلاح كملك. إذ يُعد صلاح درة التاج في منتخبه الوطني، وعُزِّزَت مكانته بتسجيل ضربة الجزاء التي مكنت منتخبه من الوصول إلى نهائيات كأس العالم هذا الصيف في روسيا.
سواءٌ كان يلعب بمنتخب مصر أو ليفربول، لمدة 90 دقيقة أو أكثر، يوحد صلاح أمةً ممزقة، وتوضع الخصومات السياسية جانباً بينما تشيد المقاهي والمنازل في جميع أنحاء مصر بهذا النجم الكبير.
وبصفتي امرأة ترتدي الحجاب، من الرائع أن أرى النساء يرتدين الحجاب الأحمر تشجيعاً لفريق ليفربول، أو العلم المصري، ويحتفلن مع جماهير صلاح من الرجال. وهذا هوالسبب وراء أنَّها تُعد أكثر من مجرد لعبة كرة قدم بالنسبة لعائلاتٍ مثل عائلتي.
منذ عدَّة أسابيع، عادت هناء إلى منزلها قادمةً من المدرسة وعلي وجهها الضيق الشديد. إذ سمعت مناقشةً بين مجموعةٍ من أصدقائها عن حملةٍ لمهاجمة المسلمين في 3 أبريل/نيسان، وكانت خائفةً ومُحبطة. قضينا الأيام التالية نشرح لها أنَّ هذه مجموعةٌ صغيرة من أشخاصٍ لا يفهمون الإسلام ولا المسلمين، وأنَّ غالبية الناس في هذا البلد لا يُكنون مثل هذه المشاعر.
وللأسف، حين حلَّ يوم 3 أبريل/نيسان، لم ترغب هناء في الخروج من المنزل، كانت ما زالت خائفةً للغاية، ما فطر قلوبنا كوالديها.
كيف تشرح لأطفالك الصغار أنَّه لا يوجد شيءٌ مخيف، في حين أنَّك تفكر يومياً في هذه المخاطر في الواقع؟ ولكنَّ محمد صلاح يُغيِّر هذا التصور تماماً عن المسلمين، ومن المُدهش رؤية هذا. فللمرة الأولى منذ وقتٍ طويلٍ، لم يعد المسلمون مخيفين، ويحمل أصدقاؤنا من مشجعي ليفربول غير المسلمين نفس الرأي. إذ أخبروني أنَّ موقعه وشخصيته مهمَّان للغاية، لأنَّه يتحدى الصورة النمطية ضيقة الأفق.
أنا لستُ خبيرةً بتكتيكات كرة القدم أو تاريخ اللعبة. ولكن كلُّ ما أعرفه هو أنَّ محمد صلاح قد صنع الكثير بشأن التعايش بين الأديان في مدته القصيرة الجميلة هذه في ليفربول، أكثر من أي حملةٍ أستطيع تذكُّرها.
إنَّه مسلمٌ يفتخر بدينه، هكذا أحب أن أراه.
وفي مقابلةٍ مطلع هذا الأسبوع، تحدث مدرب فريق ليفربول يورغن كلوب عن كيفية استعداد صلاح واللاعبين المسلمين الآخرين ساديو ماني وإيمري كان للمباريات بأداء شعيرة الوضوء الإسلامية.
وقال كلوب إنَّ الفريق كلَّه ينتظرهم، ويحترم الوقت الذي يحتاجونه للقيام بذلك، ويصعب إيجاز أهمية هذا الذي أسمع بالنسبة لي ولأطفالي، فنحنُ نتوضأ قبل أداء الصلوات الخمس يومياً، إنَّه نوعٌ من تطهير البدن ثم الوقوف بين يدي الله.
والحديث بوضوحٍ عن تصرفٍ بسيطٍ كهذا، وأن يحظى باحترام قطاعٍ واسعٍ في المجتمع، يُرسل هذا رسالةً قوية إلى أطفالي وإلى الكثيرين أمثالهم في أنحاء العالم. نتحدث في الإسلام كثيراً عن الاحترام والعمل الجادِّ. وهذه هي الركيزة الأساسية لتربية لأطفالنا، وتنشئتهم ليكونوا أفراداً صالحين.
ولذا ليس من المفاجئ أنَّ سجلَّ صلاح الناصع كلاعبٍ عادةً ما يضرب به زوجي المثل في العمل الجاد والمُخلص. وتُعد مسيرة صلاح في تشيلسي أيضاً مضرِباً للمثل في التفاني في العمل، إذ استمر في محاولته حتى أصبح أفضل.
ويستطيع هناء ومحمد ومثلهم من ملايين الأطفال النظر إلى صلاح والحصول على الإلهام.
لدينا صيفٌ حافل لمشاهدة هذا الشاب والدعاء له بينما يصعد سُلَّم النجومية الفائقة.
BBC