بالأردن أيضا: كبار سن لا ينجون من ‘الابتزاز الجنسي‘ عبر مواقع التواصل
جو 24 :
باءت جميع محاولات الستينية "هدى" بالهروب من واقع حياتها الصعب بالفشل؛ فبرغم أنها جدة لخمسة أحفاد إلا أن الغصة المكبوتة في داخلها ما تزال حاضرة، جراء "سوء المعاملة" التي تتعرض لها من قبل زوجها منذ اليوم الأول لزواجهما.
طرقت هدى (اسم مستعار) كل الأبواب بحثا عن مهرب من واقعها الأسري "المؤلم" بحسب وصفها، إلى أن استجابت لنصيحة من قريبتها العشرينية، بأن "تنشئ حسابا لها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حيث سيكون متنفسا لمشاعر غضبها المكبوتة، ووسيلة لإشغال نفسها به عما يحدث في محيط منزلها الضيق بمساحته، الواسع بوجعه!".
وبعد جلسات تدريبية طويلة بين الستينية "هدى" وقريبتها حول آلية عمل واستخدام (فيسبوك)، حجزت هدى مكانا لها في الفضاء الأزرق، وبدأت شيئا فشيئا بالاعتياد على العالم الافتراضي وتستريح له.
وفيما تقول (هدى) ، أن (فيسبوك) "كان خير صديق، وطبيبا نفسيا ساعدني في التغلب على أوجاعي"، إلا أنه ربما غاب عن بال قريبتها تعليمها بجلساتها التدريبية على محاذير ومخاطر هذا الموقع في حال أسيء استخدامه، فهي لم تعلم انه رغم "فوائد وايجابيات" هذا العالم الأزرق الكثيرة، الا أنه لا يختلف عن العالم الواقعي كثيرا "فكما فيه الصالح فيه الطالح أيضا" كما تقول هدى.
هدى الستينية واحدة من كثيرات من نساء من جيلها، تعرضن كما تتعرض شابات وأطفال، لابتزاز جنسي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الفرق بينها وبين غيرها من جيلها ممن تعرضن لمثل هذا الابتزاز، أنها قررت أن تخرج عن صمتها، وتسرد قصتها، مشترطة عدم نشر اسمها "حفاظا على صورتي أمام أحفادي" كما تقول.
وفيما تسترسل "هدى" برواية قضيتها، فإن وحدة الجرائم الالكترونية في البحث الجنائي بمديرية الامن العام، سجل منذ بداية العام الحالي ما مجموعه 207 شكاوى "ابتزاز جنسي" لبالغين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بحسب ما ابلغ " الناطق الاعلامي باسم مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي.
"هدى" تبدأ روايتها من الاعتراف بارتكابها خطأ دون ادراك منها، فقد فتح حسابها على (فيسبوك) ليكون متاحا للتفاعل مع الجميع (عام)، حيث أن قراءة ومشاهدة المنشورات على صفحتها لا تقتصر على أصدقائها "الفيسبوكيين" فقط، بل هي متاحة للجميع.
وتضيف، إن أغلب منشوراتها تعكس ما في داخلها من "شعور بالألم والوحدة والغضب"، فتراها تنشر أغنية لمحمد عبده تارة، وأحيانا لأم كلثوم، حتى أصالة كان لها نصيب في أغنيتها: "بعدك عني"، فضلا عن المنشورات التي تحمل عبارات تبين الوجه الحقيقي لـ "هدى"، ذلك الوجه الممتلئ بالتجاعيد، ليس بسبب طول عمرها، بل بسبب "طول الشقاء".
وتوضح، "مع الوقت بدأت استقبل رسائل على خاصية "الماسينجر" على (فيسبوك) وكثير منها كانت تحمل عبارات لطيفة، تشد من أزري، لكن كان هناك شخص بدا اكثرهم طيبة وحنية، وكان يرسل إلي رسائل تقوّيني وتشعرني بأنني، بالرغم من أن عمري كبير، وأنني ذقت المر في زواجي، "الا أنني ما زلت أنثى قادرة على العطاء ومواجهة كل ما يهز من ثقتي بنفسي".
"كل صباح كان يرسل لي على "الماسينجر" وردة، تقول هدى، و"مع مرور الأشهر وخلال تواصلنا المستمر مع بعضنا وبالرغم من أنه يصغرني بـ25 عاما، الا أنني شعرت أنه أصبح لدي صديق، وحتى وإن كان افتراضيا، الا أنه استطاع أن ينفس كثيرا عما أشعر به من مشاعر مؤلمة".
لم تدرك "هدى" أن هناك ما يسمى بـ"الجرائم الالكترونية"، والتي لا تقل خطورة عن الجرائم التي تحدث على الأرض، ونظرا لشدة خطورتها استحدثت مديرية الأمن العام في دائرة البحث الجنائي وحدة الجرائم الالكترونية، والتي تعمل على مدار الساعة وتتلقى شكاوى من مختلف الفئات العمرية.
بعد شهور من التواصل مع الصديق "الفيسبوكي" المقرب نفسيا، تبين لـ (هدى) أن جميع مراسلاتها الخاصة معه على مدى شهور كانت تمهيدا منه للانتقال الى مرحلة الابتزاز. وتقول "انتقلت لغة الحوار والصداقة بيننا الى لغة الابتزاز والتهديد منه لي.. بدأ يهددني بأنه وفي حال لم اعطه 2000 دينار فإنه سيفضح أسراري التي كنت اسردها له، وذلك بالاتصال مع أبنائي وزوجي الذين استطاع الحصول على عناوينهم وأرقام هواتفهم".
"كأنك ذبحتيني بالسكين"، تصف (هدى) حالتها، مبينة أنها كانت ومن خلال الرسائل بينهما تتعامل "بكل عفوية وصدق"، واعتبرت ذلك الشخص الانتهازي بمثابة صديق يمثل جسرا يوصلها الى درب الفرح ويساعدها في الهروب من واقعها، حتى أنها وثقت به لدرجة أنها كان تبوح لها بأسرارها ومشاكلها الزوجية.
"أنا كتير مخلصة لزوجي ولأولادي وأحفادي"، قالتها هدى، مؤكدة أنها لم تكن تقصد من وراء تواصلها مع ذلك الشخص الا "الصداقة الحقيقية"، حتى أنها لم تكن تهتم بأن تراه أو تقابله في الواقع، لكنه وكما غيره كثيرون يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لغايات "نكراء"، فاستغل صداقتها وبات يهددها ويبتزها في حال لم تعطه 2000 دينار.
لكن (هدى) استطاعت ومن خلال قريبة لها أن تضع حدا لذلك الابتزاز، وإخبار ذلك الشخص بأنه وفي حال استمر في تهديداتها وابتزازه فإنها ستقدم شكوى بحقه الى وحدة الجرائم الالكترونية في البحث الجنائي، ومع ذلك تصف تجربتها هذه بالقول "تعلمت أن الفيسبوك وغيره من المواقع الافتراضية يشبه كوكب الأرض كثيرا، ففيه الأشرار وفيه المنتهزون للضعفاء كما حدث مع حالتي".
ويعلق المحامي تامر خريس على الجرائم الالكترونية عامة، وتلك التي ترتكب بحق كبار السن خاصة، أنها من الجرائم التي "ظهرت بتطور وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها للابتزاز، حيث يعمد الجاني ومن خلال وسائل الاتصال المرئية والمسموعة المتوفرة في معظم مواقع التواصل الاجتماعي الى الحصول على تسجيلات مسموعة او مرئية للمجني عليه وبأوضاع وحالات شائنة او فاضحة، ليقوم بعدها بتهديد المجني بنشرها بهدف الحصول على منافع غير مشروعة مالية أو غير مالية".
ويشير خريس الى أن المشرع الاردني وعى لجرم الابتزاز بالوسائل العادية، حيث جرم قانون العقوبات وتعديلاته "الافعال التي من شأنها أن يحصل الجاني على مال من المجني عليه عن طريق تهديده بأمر ماس بشرفه و اعتباره" حيث نصت المادة 415 عقوبات على ان "كل من هدد شخصا بفضح أمر او إفشائه او الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص او من شرفه او من قدر أحد أقاربه او شرفه عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من خمسين دينارا الى مائتي دينار"، وفي نص آخر "كل من ابتز شخصا كي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له او لغيره عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارا ولا تزيد على مائتي دينار".
يضيف خريس، ان قانون الجرائم الالكترونية رقم 27 لسنة 2015 لم يفرد نصاً خاصاً للابتزاز بالوسائل الالكترونية، الا ان المشرع الاردني كان اوجد نصاً اسماه خريس "نصاً احتياطيا"، حيث جاء بالمادة 15 انه "كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع الكتروني، أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها، يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع".
ويشير خريس الى أن "المجني عليه هو الوحيد الذي بيده ان يوقف وقوع هذه الجريمة عليه، وذلك بالخروج عن صمته وعدم الرضوخ للابتزاز، وعليه ان يسارع بإبلاغ الجهات الأمنية، مثل وحدة مكافحة الجرائم الالكترونية، واطلاعهم بكل وضوح وشفافية على الحالة لتمكينهم من تعقب المبتز وضبطه وإحالته للقضاء".
ويوضح أن سكوت المجني عليه ومجاراته للجاني خشية فضح امره بما يحوزه من تسجيلات سيؤدي إلى تمادي الجاني والمساومة على مبالغ مالية كبيرة أو منافع شخصية غير مالية من المجني عليه، مشيرا الى أن الفئات العمرية التي هي غالبا ما تكون ضحايا الجرائم الالكترونية هم "الأطفال وكبار السن" الذين لهم خبرة كبيرة في مجال الحياة لكن خبرتهم قليلة في الوسائل الالكترونية فيقعون ضحية للجاني المتمرس.
ويوضح خريس أن الجاني "اما ان يعمد لإقناع المجني عليه بوسائل قولية بأن يقوم بتصويره بالوسيلة الالكترونية او تصوير نفسه، وهنا يقوم المجني عليه بإرادته بإجراء التسجيل بنفسه او تمكين الجاني بعمله، ولكن هذه الإرادة لا تنفي الجريمة، أما الوسيلة الثانية فتتم عن طريق الاختراق الالكتروني وتصوير المجني عليه في غفلة منه حيث يستطيع بعض محترفي الكمبيوتر الدخول على كاميرا الكومبيوتر وتشغيلها ومن ثم وبعد حصوله على صور وتسجيلات يبدأ بعملية الابتزاز".
ويفسر الأخصائي في علم الاجتماع د.حسين محادين ارتفاع منسوب الجرائم الالكترونية بأن "الوسائل الالكترونية تمتاز بالتفاعل اللحظي بين المرسل والمستقبل، وبدأت معالم الجرائم المستحدثة بالظهور مؤخرا وهي جريمة حقيقية لأنها ابتزاز لخصوصية الفرد والأصل أن تكون الرسائل في (الفيسبوك) خاصة".
ويبين محادين أن ما يسهم في انتشار الجرائم الالكترونية "مبالغة الضحية في منح الجاني الثقة لشخص لا يعرفه، ويقوم بمحادثته عن أموره الشخصية، الأمر الذي يعكس حالة من اللاتوازن من قبله وعدم التردد في بث مواجعه وخصوصياته مع شخص مجهول".
أما عن ضحايا الجرائم الالكترونية من كبار السن، فيقول محادين ان "كبار السن الذين نحترم، شأنهم شأن أي واحد منا، لديهم مشاكل أو تحديات لكن الأهم أن أغلبهم لا يخطر بباله أنه يتعامل مع شارع الكتروني فيه اناس متباينون بأخلاقهم، لكن العتمة الرقمية والمال تتصدر منظومة المعايير الأخلاقية، ولا شك ان هذه التأثيرات المعولمة تقوم على فكرة السعي للحصول على المال بغض النظر عن شرعية الوسيلة".
ويشدد محادين على أن هذه الجرائم لا تستحق الادانة فقط بل تستلزم المعاقبة وفق القانون، داعيا كبار السن وكافة الفئات العمرية التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الى إدراك: أن هناك مؤسسات قانونية وتكنولوجية بوسعها إبطال هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها".
وبحسب الأخصائي النفسي باسل الحمد، فإن المشكلة الأساسية هي في "الجهل بأساسيات التكنولوجيا وقواعد التواصل من خلال الإنترنت، والتسليم بأن الإنترنت فضاء آمن وموثوق ولذلك تزداد حالات الاعتداءات والاستغلال الجنسي والمالي، وأن الموجودين في الفضاء الالكتروني هم أشخاص طبيعيون"، موضحا أن لـ"الانترنت تأثيرا جمعيا يشبه تجربة الإجماع الخاطئ في علم النفس الاجتماعي حيث يميل الأشخاص الى تصديق مقولات أو أحكام يطلقها آخرون، فقط لأن هناك إجماعا حولها".
فيما يدعو الناطق الإعلامي بإسم مديرية الامن العام المقدم عامر السرطاوي مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من كافة الفئات العمرية الى "اتباع ارشادات الحماية والخصوصية لحساباتهم الشخصية، وألا يثقوا بشخص يجلس خلف الشاشة، وعدم نشر صور لها خصوصية، واعتبار أي شخص مجهول يطلب معلومات خاصة عنهم أنه محتال".
طرقت هدى (اسم مستعار) كل الأبواب بحثا عن مهرب من واقعها الأسري "المؤلم" بحسب وصفها، إلى أن استجابت لنصيحة من قريبتها العشرينية، بأن "تنشئ حسابا لها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حيث سيكون متنفسا لمشاعر غضبها المكبوتة، ووسيلة لإشغال نفسها به عما يحدث في محيط منزلها الضيق بمساحته، الواسع بوجعه!".
وبعد جلسات تدريبية طويلة بين الستينية "هدى" وقريبتها حول آلية عمل واستخدام (فيسبوك)، حجزت هدى مكانا لها في الفضاء الأزرق، وبدأت شيئا فشيئا بالاعتياد على العالم الافتراضي وتستريح له.
وفيما تقول (هدى) ، أن (فيسبوك) "كان خير صديق، وطبيبا نفسيا ساعدني في التغلب على أوجاعي"، إلا أنه ربما غاب عن بال قريبتها تعليمها بجلساتها التدريبية على محاذير ومخاطر هذا الموقع في حال أسيء استخدامه، فهي لم تعلم انه رغم "فوائد وايجابيات" هذا العالم الأزرق الكثيرة، الا أنه لا يختلف عن العالم الواقعي كثيرا "فكما فيه الصالح فيه الطالح أيضا" كما تقول هدى.
هدى الستينية واحدة من كثيرات من نساء من جيلها، تعرضن كما تتعرض شابات وأطفال، لابتزاز جنسي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الفرق بينها وبين غيرها من جيلها ممن تعرضن لمثل هذا الابتزاز، أنها قررت أن تخرج عن صمتها، وتسرد قصتها، مشترطة عدم نشر اسمها "حفاظا على صورتي أمام أحفادي" كما تقول.
وفيما تسترسل "هدى" برواية قضيتها، فإن وحدة الجرائم الالكترونية في البحث الجنائي بمديرية الامن العام، سجل منذ بداية العام الحالي ما مجموعه 207 شكاوى "ابتزاز جنسي" لبالغين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بحسب ما ابلغ " الناطق الاعلامي باسم مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي.
"هدى" تبدأ روايتها من الاعتراف بارتكابها خطأ دون ادراك منها، فقد فتح حسابها على (فيسبوك) ليكون متاحا للتفاعل مع الجميع (عام)، حيث أن قراءة ومشاهدة المنشورات على صفحتها لا تقتصر على أصدقائها "الفيسبوكيين" فقط، بل هي متاحة للجميع.
وتضيف، إن أغلب منشوراتها تعكس ما في داخلها من "شعور بالألم والوحدة والغضب"، فتراها تنشر أغنية لمحمد عبده تارة، وأحيانا لأم كلثوم، حتى أصالة كان لها نصيب في أغنيتها: "بعدك عني"، فضلا عن المنشورات التي تحمل عبارات تبين الوجه الحقيقي لـ "هدى"، ذلك الوجه الممتلئ بالتجاعيد، ليس بسبب طول عمرها، بل بسبب "طول الشقاء".
وتوضح، "مع الوقت بدأت استقبل رسائل على خاصية "الماسينجر" على (فيسبوك) وكثير منها كانت تحمل عبارات لطيفة، تشد من أزري، لكن كان هناك شخص بدا اكثرهم طيبة وحنية، وكان يرسل إلي رسائل تقوّيني وتشعرني بأنني، بالرغم من أن عمري كبير، وأنني ذقت المر في زواجي، "الا أنني ما زلت أنثى قادرة على العطاء ومواجهة كل ما يهز من ثقتي بنفسي".
"كل صباح كان يرسل لي على "الماسينجر" وردة، تقول هدى، و"مع مرور الأشهر وخلال تواصلنا المستمر مع بعضنا وبالرغم من أنه يصغرني بـ25 عاما، الا أنني شعرت أنه أصبح لدي صديق، وحتى وإن كان افتراضيا، الا أنه استطاع أن ينفس كثيرا عما أشعر به من مشاعر مؤلمة".
لم تدرك "هدى" أن هناك ما يسمى بـ"الجرائم الالكترونية"، والتي لا تقل خطورة عن الجرائم التي تحدث على الأرض، ونظرا لشدة خطورتها استحدثت مديرية الأمن العام في دائرة البحث الجنائي وحدة الجرائم الالكترونية، والتي تعمل على مدار الساعة وتتلقى شكاوى من مختلف الفئات العمرية.
بعد شهور من التواصل مع الصديق "الفيسبوكي" المقرب نفسيا، تبين لـ (هدى) أن جميع مراسلاتها الخاصة معه على مدى شهور كانت تمهيدا منه للانتقال الى مرحلة الابتزاز. وتقول "انتقلت لغة الحوار والصداقة بيننا الى لغة الابتزاز والتهديد منه لي.. بدأ يهددني بأنه وفي حال لم اعطه 2000 دينار فإنه سيفضح أسراري التي كنت اسردها له، وذلك بالاتصال مع أبنائي وزوجي الذين استطاع الحصول على عناوينهم وأرقام هواتفهم".
"كأنك ذبحتيني بالسكين"، تصف (هدى) حالتها، مبينة أنها كانت ومن خلال الرسائل بينهما تتعامل "بكل عفوية وصدق"، واعتبرت ذلك الشخص الانتهازي بمثابة صديق يمثل جسرا يوصلها الى درب الفرح ويساعدها في الهروب من واقعها، حتى أنها وثقت به لدرجة أنها كان تبوح لها بأسرارها ومشاكلها الزوجية.
"أنا كتير مخلصة لزوجي ولأولادي وأحفادي"، قالتها هدى، مؤكدة أنها لم تكن تقصد من وراء تواصلها مع ذلك الشخص الا "الصداقة الحقيقية"، حتى أنها لم تكن تهتم بأن تراه أو تقابله في الواقع، لكنه وكما غيره كثيرون يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لغايات "نكراء"، فاستغل صداقتها وبات يهددها ويبتزها في حال لم تعطه 2000 دينار.
لكن (هدى) استطاعت ومن خلال قريبة لها أن تضع حدا لذلك الابتزاز، وإخبار ذلك الشخص بأنه وفي حال استمر في تهديداتها وابتزازه فإنها ستقدم شكوى بحقه الى وحدة الجرائم الالكترونية في البحث الجنائي، ومع ذلك تصف تجربتها هذه بالقول "تعلمت أن الفيسبوك وغيره من المواقع الافتراضية يشبه كوكب الأرض كثيرا، ففيه الأشرار وفيه المنتهزون للضعفاء كما حدث مع حالتي".
ويعلق المحامي تامر خريس على الجرائم الالكترونية عامة، وتلك التي ترتكب بحق كبار السن خاصة، أنها من الجرائم التي "ظهرت بتطور وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها للابتزاز، حيث يعمد الجاني ومن خلال وسائل الاتصال المرئية والمسموعة المتوفرة في معظم مواقع التواصل الاجتماعي الى الحصول على تسجيلات مسموعة او مرئية للمجني عليه وبأوضاع وحالات شائنة او فاضحة، ليقوم بعدها بتهديد المجني بنشرها بهدف الحصول على منافع غير مشروعة مالية أو غير مالية".
ويشير خريس الى أن المشرع الاردني وعى لجرم الابتزاز بالوسائل العادية، حيث جرم قانون العقوبات وتعديلاته "الافعال التي من شأنها أن يحصل الجاني على مال من المجني عليه عن طريق تهديده بأمر ماس بشرفه و اعتباره" حيث نصت المادة 415 عقوبات على ان "كل من هدد شخصا بفضح أمر او إفشائه او الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص او من شرفه او من قدر أحد أقاربه او شرفه عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من خمسين دينارا الى مائتي دينار"، وفي نص آخر "كل من ابتز شخصا كي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له او لغيره عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارا ولا تزيد على مائتي دينار".
يضيف خريس، ان قانون الجرائم الالكترونية رقم 27 لسنة 2015 لم يفرد نصاً خاصاً للابتزاز بالوسائل الالكترونية، الا ان المشرع الاردني كان اوجد نصاً اسماه خريس "نصاً احتياطيا"، حيث جاء بالمادة 15 انه "كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع الكتروني، أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها، يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع".
ويشير خريس الى أن "المجني عليه هو الوحيد الذي بيده ان يوقف وقوع هذه الجريمة عليه، وذلك بالخروج عن صمته وعدم الرضوخ للابتزاز، وعليه ان يسارع بإبلاغ الجهات الأمنية، مثل وحدة مكافحة الجرائم الالكترونية، واطلاعهم بكل وضوح وشفافية على الحالة لتمكينهم من تعقب المبتز وضبطه وإحالته للقضاء".
ويوضح أن سكوت المجني عليه ومجاراته للجاني خشية فضح امره بما يحوزه من تسجيلات سيؤدي إلى تمادي الجاني والمساومة على مبالغ مالية كبيرة أو منافع شخصية غير مالية من المجني عليه، مشيرا الى أن الفئات العمرية التي هي غالبا ما تكون ضحايا الجرائم الالكترونية هم "الأطفال وكبار السن" الذين لهم خبرة كبيرة في مجال الحياة لكن خبرتهم قليلة في الوسائل الالكترونية فيقعون ضحية للجاني المتمرس.
ويوضح خريس أن الجاني "اما ان يعمد لإقناع المجني عليه بوسائل قولية بأن يقوم بتصويره بالوسيلة الالكترونية او تصوير نفسه، وهنا يقوم المجني عليه بإرادته بإجراء التسجيل بنفسه او تمكين الجاني بعمله، ولكن هذه الإرادة لا تنفي الجريمة، أما الوسيلة الثانية فتتم عن طريق الاختراق الالكتروني وتصوير المجني عليه في غفلة منه حيث يستطيع بعض محترفي الكمبيوتر الدخول على كاميرا الكومبيوتر وتشغيلها ومن ثم وبعد حصوله على صور وتسجيلات يبدأ بعملية الابتزاز".
ويفسر الأخصائي في علم الاجتماع د.حسين محادين ارتفاع منسوب الجرائم الالكترونية بأن "الوسائل الالكترونية تمتاز بالتفاعل اللحظي بين المرسل والمستقبل، وبدأت معالم الجرائم المستحدثة بالظهور مؤخرا وهي جريمة حقيقية لأنها ابتزاز لخصوصية الفرد والأصل أن تكون الرسائل في (الفيسبوك) خاصة".
ويبين محادين أن ما يسهم في انتشار الجرائم الالكترونية "مبالغة الضحية في منح الجاني الثقة لشخص لا يعرفه، ويقوم بمحادثته عن أموره الشخصية، الأمر الذي يعكس حالة من اللاتوازن من قبله وعدم التردد في بث مواجعه وخصوصياته مع شخص مجهول".
أما عن ضحايا الجرائم الالكترونية من كبار السن، فيقول محادين ان "كبار السن الذين نحترم، شأنهم شأن أي واحد منا، لديهم مشاكل أو تحديات لكن الأهم أن أغلبهم لا يخطر بباله أنه يتعامل مع شارع الكتروني فيه اناس متباينون بأخلاقهم، لكن العتمة الرقمية والمال تتصدر منظومة المعايير الأخلاقية، ولا شك ان هذه التأثيرات المعولمة تقوم على فكرة السعي للحصول على المال بغض النظر عن شرعية الوسيلة".
ويشدد محادين على أن هذه الجرائم لا تستحق الادانة فقط بل تستلزم المعاقبة وفق القانون، داعيا كبار السن وكافة الفئات العمرية التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الى إدراك: أن هناك مؤسسات قانونية وتكنولوجية بوسعها إبطال هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها".
وبحسب الأخصائي النفسي باسل الحمد، فإن المشكلة الأساسية هي في "الجهل بأساسيات التكنولوجيا وقواعد التواصل من خلال الإنترنت، والتسليم بأن الإنترنت فضاء آمن وموثوق ولذلك تزداد حالات الاعتداءات والاستغلال الجنسي والمالي، وأن الموجودين في الفضاء الالكتروني هم أشخاص طبيعيون"، موضحا أن لـ"الانترنت تأثيرا جمعيا يشبه تجربة الإجماع الخاطئ في علم النفس الاجتماعي حيث يميل الأشخاص الى تصديق مقولات أو أحكام يطلقها آخرون، فقط لأن هناك إجماعا حولها".
فيما يدعو الناطق الإعلامي بإسم مديرية الامن العام المقدم عامر السرطاوي مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من كافة الفئات العمرية الى "اتباع ارشادات الحماية والخصوصية لحساباتهم الشخصية، وألا يثقوا بشخص يجلس خلف الشاشة، وعدم نشر صور لها خصوصية، واعتبار أي شخص مجهول يطلب معلومات خاصة عنهم أنه محتال".
الغد