في الذكرى السادسة لرحيل قائد معركة كفار عصيون.. الحمود يكشف كيف تآمر الانجليز لاحتلال فلسطين
جو 24 :
* الذكرى السادسة لرحيل قائد معركة كفار عصيون المجاهد الكبير نواف الجبر الحمود
* قاتل في حرب 48 وقتل فيها (300) صهيوني واعتقل ابنه موسى شريت الصهيونية
كتب : عبد الله اليماني -
لقد أجريت حوارا مطولا معه قبل وفاته وهو واحد من الحوارات التي اعتز بها ولها مكانة خاصة لأنها مع أناس أبطال اختلطت دماءهم مع عرقهم المتصبب من جباههم في خنادق البطولة والرجولة والإقدام . وساحات الوغى وصيحات حياعلى الجهاد . شعار حماس الجند في المعارك انه المغفور له بإذن الله الرائد نواف جبر الحمود ، أول ضابط عربي يدخل فلسطين بعد إعلان الأمم المتحدة قرار التقسيم . وهو الذي قاتل في حرب 48 وقتل فيها (300) صهيوني واعتقل ابنه موسى شريت. وفي ذكرى النكبة الـ(64)، يترجل المغوار بطل البارود وحامي الأرض والعرض تاركا خلفه إرثا كبيرا وسجلا حافلا ومواقف بطولية سجل حروفها بالدم والنار وإقدام الأحرار . ورحل إلى مثواه الأخير رائد من رواد التضحيات والنضال ، صاحب قصص بطولية يتغنى بها كل من يقراها مترحما علية وداعيا له بان تكون في ميزان حياته يوم العرض عليه.
رحل الفارس الشهم الرائد نواف جبر الحمود، الشاهد الحقيقي على حروب الجيش العربي بفلسطين وقد شارك فيها مستبسلا كعادة الشجعان . حيث شارك فيها بقلبه وروحه وجسده ودمه الطهور الذي سال من جسده، فهو احد أبطال الجيش العربي الأردني الذين ساهموا في شرف الدفاع عن أرض فلسطين الحبيبة وإنسانها، فلولا تضحيات الجيش العربي لسقطت القدس منذ عام 1940م. وقد جاءت حرب 1948 استمراراً للصراع العربي الصهيوني، فكان الحمود أول ضابط عربي يدخل فلسطين بعد إعلان الأمم المتحدة قرار التقسيم مباشرة.
الحمود روى لي النصر والمعارك الشرسة التي شارك فيها بدءا من كفار عصيون حيث تعرض إلى إصابات بليغة, ومن هناك توجه وجنوده إلى القدس. للمشاركة بمعاركها.ونظرا لبسالته منحته قيادة أركان حرب الجيش العربي وسام الشجاعة من المرتبة الأولى ورفع إلى رتبة قائمقام عسكري.
التحق ( الحمود ) بالجيش العربي، عام 1940 كجندي شرطة أمن عام ورقمه "270". سرد لي ذكرياته عن حيفا، عندما احتلت من قبل العصابات اليهودية وقيام قيادة الجيش العربي الإنجليزية بمنع التحرك لإنقاذها وتحريرها، وعلى إثر اغتيال الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين على عتبات المسجد الأقصى في تموز 1951 عين قائداً للحرس الوطني، وبقي في منصبه إلى عام .1959 وقد أمضى زهرة شبابه في خدمة الوطن والدفاع عن ثراه الطهور وتقلد العديد من الأوسمة والميداليات الأردنية والأجنبية.
وتحدث عن الحروب التي شارك فيها على ارض فلسطين, حيث أشار بأنها حروب ارتجالية وقد أتاحت لبعض الإفراد المخلصين القيام بواجبهم خير قيام اتجاه الأعداء الطامعين في مقدساتنا. وان فشلها لم يكن سببها العسكريون لا من قريب ولا من بعيد فلذلك كل من يكتب عن حرب فلسطين ال ( 48 ) يجب عليه إنصافها.
ويضيف الحمود : نقلت من الشرطة إلى سرية المشاة الأولى التي كان قائدها الملازم أول نصري سليم, واذكر أننا وصلنا إلى مطار ''عاقر'' جنوب الرملة, وهناك خدمت مدة طويلة تمت ترقيتي إلى رتبة جندي أول, وكان الواجب المسند لنا حراسة مطار عاقر ووزعنا إلى سرية المشاة إلى حاميات, والحامية الأولى كان يقودها بهجت طبارة, ومن ثم نقلت إلى الحامية الثانية في حيفا, وواجبنا حراسة الجيش البريطاني, وبعد فترة وجيزة نقل قائد السرية الثانية الرئيس عزت حسن وتسلمت مكانه القيادة ورتبتي ملازم أول, ومنها إلى سرية الأمن الأولى.
ويتابع في حيفا وبموقع يسمى "الحلقة" شرق قرية "أخوزا" وهي قرية عمالية من صفائح التنك كانت تعسكر سريتان الثانية والرابعة التي كان قائدهما الملازم طعمه عطا الله وتسلم مني قيادة السرية الثانية الملازم فؤاد عواد. وبين عامي 41-42 وقعت مناوشات بين العرب واليهود نتيجتها قام اليهود بنسف جمعية الإصلاح التي تقع بين الهدار على جسر الهدار حيفا ''رشميا'' حيث تم إغلاق الطريق التي تصل الدار في حيفا بوجه اليهود وأصبحوا يمرون بالطريق الواقعة بجانب المعسكر الذي تحيط به أسالك شائكة, وفي أحد الأيام قام جندي يحرس المعسكر عند موقع بيت قائد السرية بإطلاق صليه من الرصاص عطلت سيارات اليهود. وهذا عائد كون الجنود متحمسين لإطلاق النيران ردا على الاعتداءات اليهودية التي قاموا بها ضد أبناء الشعب الفلسطيني وقد جرح وقتل عدد كبير من اليهود, وقام جنود السريتين بمساعدة الجرحى ونقلهم إلى موقع العيادة. وكان طبيب السريتين لبناني برتبة رئيس 'ويدعى "ملحمة''. وحضر قائد الحامية احمد صدقي الارناؤوط. ويومها كثرت الإشاعات بأنني قمت بتحريض الجندي بإطلاق النار على اليهود. ونقلت إلى سرية الأمن الأولى التي كان يقودها الرئيس محمود الموسى العبيدات, وبحكم الاقدمية بين الضباط أصبحت مساعدا له.
ويتابع الحمود، لقد كان الإنجليز يشرفون على جنود الجيش العربي، وعندما رأوا أن لا فائدة من بقائنا في الموقع ولكي لا يبقى الاحتكاك قائما مع اليهود، نقلت السرية بكاملها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط قرب طيرة حيفا، وكان المرحوم محمد حمد الحنيطي قد ترك الجيش العربي حيث التحق بالمناضلين. وأثناء إحضار الحنيطي سيارة أسلحة من سورية نسف اليهود السيارة قرب المستعمرة الواقعة بالقرب من مصفاة البترول بمدينة حيفا التي يتم تزويدها بالنفط العراقي. وهنا وقعت مصادمات بين اليهود والمناضلين العرب والفلسطينيين فاحتلت حيفا من قبل العصابات اليهودية، وبأوامر من القيادة الإنجليزية منعنا من التحرك من مواقعنا المتمركزين فيها وسقطت حيفا، ودب الذعر في القرى المجاورة لمعسكرنا، فلجأ إلينا السكان.
وأذكر أن صديقا لنا اسمه صالح عون الله (محامي) له متجر في مدخل شارع الملوك " ساحة الحناتير" حيفا، استعان بنا لنقل أثاث منزله إلى معسكرنا، وأصبح عدد المواطنين الذين لجأوا حوالي (7) آلاف مواطن. بعدها قررت القيادة الإنجليزية نقلنا، إلى مدينة نابلس ومن ثم إلى الشونة الجنوبيةعام .1948 ولم يتبقى من الجيش سوى سرية الأمن الأولى.
ويقول الحمود أنه في يوم الخميس الثالث عشر من أيار لعام ثمانية وأربعين كلفني قائد سرية الأمن الأولى محمود الموسى، قيادة المعسكرة في الشونة الجنوبية، والتحرك مع الفئتين الثانية والرابعة للالتحاق بالفئتين اللتين ذهبتا إلى منطقة العمليات. وتزودنا بالذخيرة اللازمة، وقابلت الرئيس عبدالله التل بمركز بوليس أريحا، بحضور ضابط البوليس فايز الإدريسي وأخذت منه التعليمات. وأعلمني التل أن أتحرك إلى كفار عصيون ومعي سيارة كبيرة تحمل جميع أنواع الذخيرة لأسلحة الجيش العربي. وإيصالها بالقوة المحاصرة بتلك المستعمرة بأسرع ما يمكن.
ويواصل حديثه بقوله عبرنا القدس عبر باب العمود طريق بيت لحم الخليل وما أن وصلنا بالقرب من مستعمرة كفار عصيون هناك قابلنا الملازم الأول "نزار المفلح" الذي خاطبني قائلا: أخوي يا أبو حمود بدنا همتك، فأجبته " توكل على الله فنحن نعرف اليهود وسنخوض معهم المعركة وننتصر عليهم لعلمي بهم في حيفا قبل أسبوع من هذا التاريخ ".
غادرني أبو هيثم، بينما سلمت الذخيرة إلى ممثل السرية الثانية عشرة التي يقودها الرئيس حكمت مهيار، ورافقني شخص من أبناء المنطقة إلى كفار عصيون كدليل وتبين لي أنها لا تبعد أكثر من كيلو ونصف إلى الجهة الغربية. وهناك جمعت الجند وقلت لهم : كلمة حماسية ألهبت مشاعرهم ولم أكن أسمع سوى التوعد وصوت الأسلحة وتفانيهم في خدمة الواجب. "يحاربوننا كجيش ويحاولون" اغتصاب مقدساتنا وهتك أعراضنا".
وقلت : "دونكم سيارات الذخيرة". واستعدوا للمعركة حتى أرى طيب أفعالكم ورجولتكم وشجاعتكم وطرد المغتصبين من أرضنا. وهذا بموافقة عبد الله التل لدى لقائي معه بأريحا. قدت الفئة الثانية أما الرابعة فقادها العريف سالم محمد المراحلة وتقدمنا بشكل منفرد على رأس التلة الواقعة غرب طريق الإسفلت. وكنا نخشى الألغام والدليل يمشي ببطء ويتفقدها الأرض وفجأة تعرضت إحدى مدرعات الجيش أثناء تقدمها إلى انفجار لغم تحتها، فعطلها عن الحركة.
وأعلمني الدليل بأن المنطقة مزروعة بالألغام، وكنا نمرّ على بعضها ونتركها من دون العبث بها ونضع حولها إشارات من الأحجار إلى أن أشرفنا على كفار عصيون فأدركت أنني سوف لن أتمكن من الاتصال بأي قيادة، ولاحظت أن السرية الثانية عشرة موزعة، وأفهمت قائد الفئة الرابعة بأنني سأتقدم مع فئتي إلى آخر الوادي، وسرية من المدرعات ستشترك بمحاصرة المستعمرة من الجهة الجنوبية والشمالية، حيث كنت أشاهد مدرعات الجيش العربي، في مطار المستعمرة تتحرك يمينا ويسارا وتطلق نيرانها للأمام وعلى المستعمرة، وتضم القوة عناصر من المناضلين وجموع كبيرة محتشدة على سلاسل الجبال المحيطة بكفار عصيون تقدر بآلاف.
ويشير تقدمنا إلى آخر الوادي المليء بكروم العنب وتسترنا خلف "سنسال". وطلبت من قائد الفئة الرابعة الاستحكام بالسناسل وإطلاق نيران الأسلحة التي لديهم كافة إلى أن تتقدم الفئة الثانية إلى مركزها في الأمام وسيكون دورها فتح النار لتستر تقدم الفئة الرابعة. وتم ذلك بانتظام.
ويضيف وبعد تقدم فئة سالم المراحلة جاء دور فئتي وبهذه الإثناء استشهد الجندي البطل محمد علي عبد الرحيم، وأمنت إرساله إلى الخلف حيث كان يرسل الجرحى إلى مستشفيات الخليل وبيت لحم. وهذا الجندي يعز علي كثيرا لا لكونه جنديا فقط بل لأنه من ناحية القرابة والبلد ما زاد في إصراري على التقدم رغم أن العدو كانت لديه أسلحة أوتوماتيكية كان تمركزها في خنادق على أطراف المستعمرة نيرانها تنهمر علينا بغزارة. لم نعهدها باليهود من قبل فأصدرت الأمر إلى فئتي وتقدمنا وأوكلت سلاحي (رشاش طومسون) إلى جندي آخر وحملت مدفع صاروخ "بيات" لتدمير استحكام (رشاش برن) واجتزت السنسله وبعد ما يقارب 5 خطوات شعرت أن مدفع الصاروخ قد سقط من يدي اليمنى. وبقيت ركازته والإسوارة بيدي. وحينها أدركت إصابتي بطلقات من الاستحكام الذي انوي تدميره ولحق بي عريف الحظيرة الأولى "ضيف الله عبد الله" وجندي آخر وعدت إلى الخلف وبقيت بأرض مكشوفة، وشعرت بأني أصبت إصابة مباشرة في جنبي الأيمن ولم أكترث ولم أصدق أن رصاص الغزاة يقتل صاحب الحق. وبقيت بأرض المعركة لرفع معنويات الجند.
ويتابع قائلا : بتلك الأثناء وصلني جندي من جنود السرية الثانية عشرة وأخبرني بأن الملازم قاسم الناصر يريد مقابلتي وهو على مقربة من "رجم الحجارة " في الجهة الشمالية فذهبت إليه وعرفت أنهم منذ أربعة أيام يحاولون احتلال مستعمرة"دير الشعار" لكن من دون فائدة. فأعلمته بأني عائد إلى الجند للتقدم للمستعمرة. ولدى وصولي أمرت بالتقدم وكنت على رأسهم، ونار الفئة الرابعة تنصب على مراكز العدو. مع أن طبيعة الأرض لا تساعد على التقدم. لحارثتها على التراكتورات ووجود كتل ترابية وحفر تعيق التقدم، ولكن تقدمنا إلى السنسله الواقع بجانب الأسلاك الشائكة للمستعمرة من الجهة الشمالية الشرقية.
وهنا مشكلة المشاكل بعد أن مررنا بجنود الفئتين الأولى والثانية اللتين أرسلتا مع الملازم حسين المفلح بالأمس، للتقدم ليلا إلى السنسال، وجدناهم لم يتمكنوا من التقدم إلى المستعمرة، فقد أدركهم النهار. وحاولوا الرجوع إلى الخلف ولكن طبيعة الأرض لم تساعدهم والعدو ركز أسلحته الدفاعية على أطراف المستعمرة. وقد فتك بهم العدو وكنا نراهم مسجيين على الأرض وقد غمرتهم دماء الشرف. وهنا ازداد رمي النار من قبل العدو علينا، وكذلك تعرضنا لنيران أسلحة المناضلين التي كانت تطلق نيرانها من الخلف من دون هدف سليم. ومع هذا فإن الفئة الرابعة بقيت مستحكمة تطلق نيرانها بكثافة على مراكز العدو.
ويضيف أيقنت أنه كان يجب عليّ الاستمرار بالتقدم وسلوك طريق الهجوم لكسب الوقت وعدم ترك المجال للعدو بالتفكير وعمل إجراءات أخرى. وعينت ساعة الصفر، واعتبرت أن هذه منطقة الكشف، وتقدمنا زحفا مع الكرم الواقع بين الأسلاك الشائكة والسنسال وتغلبنا على العوائق ولازمنا الأسلاك الشائكة وعلى بعد خمسة عشر مترا نهض الجندي الأول الشجاع خلف العدوان ومعه رشاش طمسن وعمل مرتكزا وأخذ يقول: "عليهم يا ابن حمود".
وطلبت منه أن يختفي لكي لا يتعرض ويعرضنا لنيران رشاش العدو الذي بالخندق الذي كان مسلطا علينا فأصيب بطلقة في عنقه واستشهد على الفور رحمه الله، وقد دمرنا الخندق الذي به الرشاش وأوقع أكثر الخسائر بجنودنا.دمر نتيجة إصابته بقنبلة "3 إنش مورتر " إصابة مباشرة.وشاهدنا أشلاءهم تتطاير حتى أن شظية أصابت العريف ضيف الله عبد الله في عنقه ولم تكن مؤثرة.
ويضيف عند ذلك أصدرت أمري بتركيب الحراب والتقدم وكنا نخشى اجتياز الأسلاك الشائكة بأن تكون مكهربة. وتركت ذلك للقدر. وكان لدى المناضلين فرق تدمير ولكن للأسف لم يكن هناك ارتباط فيما بيننا وبينهم لفتح ثغرة، بالأسلاك الشائكة على الأقل.
واوضح من حسن الحظ وجدنا أن اليهود كانوا قد أهملوا فتحة في الأسلاك الشائكة، فدخلنا منها إلى المستعمرة وحرابنا على البنادق وهناك كانت المفاجأة والمصيبة التي حلت باليهود. فلم نجد أية مقاومة وصاروا يتجمعون وهم يلقون أسلحتهم على الأرض إلا واحدا كان يرتدي بنطلونا رصاصيا طويل القامة أعتقد أنه القائد اليهودي. وبينما كنا نطارده قام أحد جنودنا برمي قنبلة عليه، فأمسك بها وأعادها علينا فانفجرت فوق رؤوسنا وتسببت بإصابتي برجلي اليسرى ما أدت إلى حدوث إعاقة لي.
وقال الحمود: احتلينا كفار عصيون ومدرعات أبو دخينة كانت تتجول في المطار وتمكنا من اعتقال ابنة موسى شريت. وهو زعيم يهودي كبير التي استجارت بي وعدد آخر من الفتيات كن من بين المحاربين احتمت في مخيمنا وسلمتها إلى قائد الفئة الرابعة سالم المراحلة الذي لحق بنا وسلمها إلى الملازم حسين المفلح.
وأضاف كما تمكن الملازم حمد العبد الله أبو دخينه من استلامها وترحيلها بوساطة إحدى مدرعاته إلى الخليل وكانت خسائر العدو فادحة قتل 300 وكان عدد جنودنا حوالي 100 بين ضابط وضابط صف وجندي. وكان الرصاص يمر من جانبنا وأثناء ذلك جاءت مدرعات 7 طن من القدس للإشراف والتأكد من وضع المستعمرة. وصدرت إليّ أوامر من عبد الله التل البقاء فيها لغاية صباح الجمعة الرابع عشر من أيار لعام 1948م. وبعدها صدرت إليّنا الأوامر بمغادرتها. وكنت أسمع أصوات المناضلين وهي تدوي نواف الجبر احتل المستعمرة. وأثناء عودتنا كانت الجماهير تقابلنا بالهتاف والزغاريد وقد ظهر عليها علامات النصر والفرح بادٍ وأخذ الجنود يتوعدون بالعودة إلى القدس لجعلها مقبرة لغزاتها شأن كل من غزاها من قبل.
ويقول الحمود بذلك نكون قد دخلنا الحرب والمعارك الفعلية مع اليهود على مرأى ومسمع من الإنجليز ومدرعا تهم التي وقفت بمنطقة المطار لمدة خمس عشرة دقيقة، وبعد أن تأكد المسؤولون الانجليز من انتهاء المعركة عادوا من حيث أتوا. واعتقد أنهم حضروا لمساعدة اليهود بفك الحصار عن المستعمرة. وقد فشلوا عندما وجدوا أنها انتهت وانتهى المحاربون أصحاب المعنويات العالية والعقيدة الإيمانية الراسخة من تطهيرها كونهم إن" استشهدوا لهم الجنة والخلود وإن عاشوا لهم العزة والفخار". لم أفقد من جنودي سوى اثنين أما الخسائر المادية فلم تكن شيئا. لذلك سلم اليهود مستعمرتين بجانب كفار عصيون من دون قتال باليوم الثاني من احتلال كفار عصيون وهي الجبيلا.
الحمود يروي معركة القدس
ويتحدث الحمود أما عن معركة القدس, وقال إن أنظارنا كانت تتجه نحو القدس الشريف وكنت ألمس أن أفراد السرية راغبون بالشهادة دفاعا عن القدس وروابي فلسطين الحبيبة, بعد معركة كفار عصيون التي خبروا فيها مقدرة اليهود العسكرية وكانت فرحتهم الكبرى بأن يكون لسرية الأمن الأولى بالعمليات العسكرية في القدس.
وأضاف في مساء الاثنين السابع عشر من أيار عام 48 كنت مع طلائع هذه السرية بقيادة محمود الموسى عبيدات على جبل الزيتون, مقابل مدينة القدس والجميع يعمل بجد ونشاط, وبعد منتصف الليل يوقظني ويأمرني قائد السرية بتهيئة الفئتين الأولى والثانية بقيادتي وبرفقتي الملازم الثاني مصطفى إبراهيم الشوبكي للتوجه للقدس ومعنا دليل يعرف القدس ومداخلها ومناطق العرب واليهود. للالتحاق بقائد المناضلين )فاضل رشيد( للدفاع عن القدس, وقمت بتفقد الجنود وأسلحتهم وذخيرتهم وتحركنا الساعة الرابعة من موقعنا عبر طريق الحسمانية إلى باب الأسباط ثم إلى مدرسة الروضة فوصلناها وقسمتهم على مداخل مدينة القدس الكثيرة إلى أن تصدر إلينا الأوامر. وقد اتصلنا بفاضل رشيد وأعلمته بأنني من ضباط الجيش العربي ومسؤول عن فئتين جاهزتين للعمل. فقال: بابا وش تعمل الفئة والفئتين للدفاع عن القدس. اليهود يبغون دخول المدينة واحتلالها. فقلت له: إنني مع جنودي مستعدين للدفاع عن المنطقة الضعيفة التي تعينونها وقاطعني فاضل بلهجته العراقية قائلا: ''ماكو فايدة''. ولم أصل معه إلى أية نتيجة إيجابية بحجة أن اليهود سيقومون هذه الليلة بهجوم كاسح على القدس وأن القضية هي قضية قوة وأن الدفاع عن القدس لا يجدي شيئا.
وأضاف هذا الكلام أثار بي الانفعال الأمر الذي جعلني لا أثق به وإذا بمناضل يحمل رتبة نائب يهمس بأذني, ''هذا الشخص غير مخلص ''. اتضح لي بأن العدو قد كرس قواته وحملاته على الباب الجديد الواقع بالجهة الشمالية الغربية من السور,منطقة الجيش) والباب الجديد نوتردام .
وتابع: ذهبت بدلالة هذا المناضل مع الجنود ودخلت النوتردام وركزت الجنود بحالة الدفاع عن هذه المنطقة وتمكنا من الصمود حتى الصباح 18 /5/1948م. وحضر قائد السرية وأبلغنا تسليم المركز للمناضلين ونتوجه إلى باب النبي داوود وتكون مسؤوليتنا الدفاع عنه.
وتوجهنا للموقع برفقة قائد السرية وتجمعنا بمنطقة القشلة صباحا ومنها تحركنا بشكل منفرد إلى باب النبي داوود ودخلنا إليها عن طريق باب دير الأرمن الذي كان موصدا وحاولنا الدخول فلم يسمح لنا. وأحضر الدليل لنا سلما وأرشدنا إلى شباك فوق القنطرة الشمالية الغربية من الدير, بجانب الطريق المؤدية إلى الباب الرئيسي للدير صعدت مع الجنود ونزلنا من الشباك إلى داخل مطبخ الدير, وصادف وقت طعام الغداء, وقد طلبت من الحاضرين أن يجمعوا الأرمن الموجودين, وقد تجمع عدد كبير بساحة الدير. وذهب قائد الحضيرة وفتح الباب الرئيسي ليدخل منه الجنود, وأعلمت الحاضرين بأنني ضابط من الجيش العربي أتيت لتسلم المنطقة.
وأذكر أن بينهم عددا من الرهبان وطلبت منهم المساعدة وأن يتركوا اليهود وأعلمتهم بأننا دخلنا القدس لتطهيرها من اليهود فاستعدوا وتبرع عدد غير قليل الانضمام إلى صفوفنا, وكل ما طلبناه هو تقديم أدلاء لاصطحابنا للكشف ثم سلمنا المراكز للحظائر بعد أن انسحب اليهود من بعض المراكز الدفاعية خاصة من السينما التابعة للدير والاستحكامات الكائنة على الصور من الجهة الشرقية من باب النبي داوود, وقد تم استيلاؤنا عليها دون عناء وركزنا أسلحتنا عليها خاصة الرشاشات. والحقيقة أن العمل كان مجهدا لضيق الوقت, وحضر إلي وفد من الأرمن لإقناعي بوفائهم وإخلاصهم وبناء على موافقتي وضعت قيادتي بمدرسة الدير وأحضروا وجبة عشاء مع حفلة شاي لعموم الجنود.
وقال الحمود بدأت النيران تطلق علينا بغزارة بعد الظلام ووصلتنا معلومات من الاستخبارات العربية بأن اليهود مصممون على إنزال أكبر عدد ممكن من جنودهم لدخول واجتياز باب النبي داوود بحيث لا يمكن اجتيازه, وبدأ العدو ليلا بإطلاق إشارات "ترايزر" من منطقة المنتغوري إلى جهتنا وباستقامة حارة اليهود وقد دلنا هذا بأن الإشارات كان متفق عليها مع اليهود المحاصرين بداخل الصور لبدء الهجوم ليقوموا بدورهم من الخلف أدركنا ذلك فوضعنا كمائن لهم بالجهة الشرقية من الدير, واشتدت الرماية وبدأت راجمات الألغام وهي عبارة عن ماسورة تعادل (6 إنش) مصنوعة محليا ومعبأة بمتفجرات ترمي علينا, ولحسن الحظ لم ينفجر أي منها رغم أنها كانت تسقط على بعد عشرة أمتار منا. وتمكن اليهود من نسف باب النبي داوود وطرد جنودنا واستلام مراكزهم وضيقوا علينا الخناق وأصبحنا بمعزل عن جميع الجهات وحشرنا بداخل المدرسة. ولم يبق تحت سيطرتنا إلا المنطقة الشمالية والجنوبية الغربية. رغم مضايقتنا فقد ثبتنا, ودافعنا ببسالة وطردنا اليهود من المراكز التي احتلوها صباحا وأعدنا تنظيمها, وقد أرسلت تقريرا إلى قائد السرية أعلمته بالحوادث وطلبت منه إرسال نجدات وإكمال لوازمنا وخاصة إكمال مرتبنا من وسائل الاتصال اللاسلكية والسلكية.
ويوم 19/5/1948 حتى تواردت علينا المفارز والسرايا من عموم وحدات الكتيبة السادسة وقد طوقنا الصور وشددنا الحصار على العدو المستحكم بحارة اليهود داخل الصور وأحكمنا الحصار بحيث أصبح من المستحيل إنقاذ أحد منهم وفي ليلة 19-20/5/1948 توقعنا أن يعيد اليهود الكرة كالليلة الماضية لتنفيذ خطتهم وكان تبادل إطلاق النار مستمرا بشكل منقطع النظير وحاول اليهود الموجودون داخل الصور أن ينفذ قسم منهم لخارج الصور من باب النبي داوود وكنا نركز عليه رشاشات وأسلحة مضادة وعندما سأل هؤلاء القادمين أجابوا بأنهم جنود جيش عربي عجزوا عن تقديم كلمة سر الليل, أدرك الجندي إبراهيم سالم الذي كان بجانبي بباب دير الأرمن الخارجي المقابل لباب النبي داوود أنهم من اليهود وجرى تبادل إطلاق نار معهم وارتدوا إلى الداخل وأصابتني طلقة في فكي الأيمن العلوي وأدخلت المستشفى نتيجتها حيث أجريت لي عملية وقد مكثت بالمستشفى مدة شهر وعدت بعدها للوحدة ووجدت أن حارة اليهود قد سقطت بيد قواتنا بعد تدميرها تدميرا كاملا وكان من الصعب على أية قوة أن تجتازها لو تيسر لهم وصول نجدات وتستغرب إذا شاهدت سراديب حارة اليهود وكيفية اجتيازها والحقيقة إنني عدت من المستشفى إلى القدس وأنا أحمل روح الانتقام.
لقد أقبل عيد الأضحى المبارك وقد اصطدم الجيش المصري بسيناء بالقوات اليهودية المدرعة وعلى أثر ذلك طلبت من قائد السرية أن نقوم بالهجوم على منطقة النبي داوود خارج الصور وأخذت على عاتقي مسؤولية هذه المهمة.فاليهود نقلوا أغلب قواتهم إلى النقب وكانوا يوهموننا بنقل بعض الرشاشات من مكان إلى آخر ولم يخف ذلك علينا. وقمنا يوم العيد قبيل الظهر بالهجوم حيث تقدمنا من باب المغاربة وكانت ترافقنا فئة تدمير المناضلين بألغامهم ومتفجراتهم وكان بمساندتنا باقي السرية على الصور المقابل للنبي داوود وبدأنا بتطهير المنطقة, أخذ اليهود يهربون أمام جنودنا وأخذنا باحتلال مراكزهم وقامت فرق التدمير بدورها بنسف المراكز والعمارات المقابلة وبعد احتلالنا لمقام النبي داوود صدرت الأوامر بتركنا المنطقة والعودة إلى داخل الصور بعد أن كسبنا كثيرا من الأسلحة والذخيرة والغنائم والتلفونات العسكرية.
ويضيف لقد قامت قيامة قائد الجيش العربي كلوب باشا لهذه العملية وكان قائد السرية محمود الموسى يتوقع أن يؤخذ بحقه إجراءات تكون نتيجتها السجن أو الطرد وسيكون نصيبي قبل ذلك بلا شك ولكن بقدرة قادر صرف النظر عن استيائه بعد أن زارنا وزير الدفاع فوزي الملقي وكذلك الفريق عبد القادر الجندي وكثير من المسؤوليين.
وقال الحمود: ليلة 18-19/5/1948 لقد كانت الليلة الفاصلة في المعركة فأنزل اليهود أكبر عدد ممكن من الجنود (البلماخ - الصاعقة ) فقابلهم جنودنا وردوهم على أعقابهم خاسرين ولم نخسر من جنودنا أحد سوى جرح النائب أنور محمود بذراعه الأيمن جرحا بسيطا وإذا ما أنصف المؤرخ فحقا عليه أن يعتبر بقاء القدس بأيدي العرب كان موقوفا على ليلة 18-19/5/1948 حيث صمد جنودنا بوجه هؤلاء الغزاة ولم يتمكنوا هم من تعزيز مركز المستحكمين بداخل الصور..