الصدر والحشد يتقدمان على العبادي بالانتخابات العراقية
عبّر العراقيون عن رفضهم للطبقة السياسية عبر إيصال قائمتين مناهضتين للنظام على رأس نتائج الانتخابات التشريعية، اللتين تقدمتا على لائحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المدعوم من المجتمع الدولي.
هاتان القائمتان، الأولى بقيادة الزعيم الشيعي الشعبي مقتدى الصدر والشيوعيين، والثانية التي تضم فصائل الحشد الشعبي المقرب من إيران، تبنّتا في الماضي خطابا معاديا لواشنطن، رغم قتالهما إلى جانب القوات الأميركية ضد تنظيم داعش.
وحل تحالف "سائرون" الذي يجمع الصدر والحزب الشيوعي على أساس مكافحة الفساد، في المرتبة الأولى في ست محافظات من أصل 18، وثانيا في أربع أخرى.
وتجمع أنصارهم الذين يتظاهرون أسبوعيا ضد الفساد منذ العام 2015، حاملين صور الصدر ومطلقين الألعاب النارية في وسط بغداد للاحتفال "بالنصر على الفاسدين" و "المرحلة الجديدة للشعب العراقي"، بحسب ما قال زيد الزاملي (33 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية.
أما تحالف "الفتح" الذي يضم فصائل الحشد الشعبي التي لعبت دورا حاسما في دعم القوات الأمنية لدحر تنظيم الدولة الإسلامية، فحل أولا في أربع محافظات، وثانيا في ثمان أخرى.
بالنسبة إلى العبادي، المدعوم من التحالف الدولي، فحل خلف "الفتح" و"سائرون" في جميع المحافظات ما عدا نينوى، وكبرى مدنها الموصل التي أعلن العبادي "تحريرها" في تموز (يوليو) الماضي.
في وقت سابق، لفت العديد من المسؤولين السياسيين إلى أن العبادي سيحتل المرتبة الأولى بنحو 60 مقعدا في البرلمان.
ومع ذلك، يمكن لتلك الأرقام أن تتغير، إذ أن تعداد الأصوات لا يشمل أصوات نحو 700 ألف عنصر من القوات الأمنية العراقية، إضافة إلى أصوات نحو مليون مغترب عراقي.
ولكن في كل الأحوال، وجه الناخبون العراقيون صفعة قوية إلى الطبقة السياسية المهيمنة على السلطة منذ 15 عاما، من خلال عزوف غير مسبوق عن المشاركة بالانتخابات التشريعية.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة في الاقتراع بلغت 44,52 في المئة، وهي الأدنى منذ بدء الانتخابات متعددة الأحزاب في العام 2005.
وكانت نسبة الإحجام عن الانتخابات كبيرة جدا، بغض النظر عن الطائفة، على عكس الانتخابات السابقة التي صوت فيها الشيعة بكثافة لتثبيت سلطتهم، في حين امتنع السنة عن المشاركة بسبب إحساسهم بالتهميش إضافة إلى تهديدهم من قبل تنظيمات جهادية.
وأوضح المحلل السياسي أمير الساعدي لفرانس برس أن "العزوف بنسبة كبيرة عن المشاركة بالانتخابات مرده ان الغالبية لم تقتنع ولم ترض بأداء الطبقة السياسية خلال الأعوام الـ15 الماضية. المقاطعة مقصودة، هناك انعدام للثقة" في النواب المنتهية ولايتهم.
وأشار الساعدي إلى أنه "غالبا ما كانت برامج الأحزاب السياسية خلال دورات ماضية وردية للمواطن، لكن عندما يأتي وقت التطبيق، نرى عملية تخلي وانسحاب من الوعود التي أطلقوها".
وهذا ما أكده الشاب نوفل نافع (24 عاما)، بعدما قرر ألا يعطي صوته لأحد من المرشحين.
وقال الشاب خريج الهندسة النفطية والعاطل عن العمل منذ ثلاث سنوات إن "ما حصل هو سحب للثقة.غالبية المرشحين قبل الانتخابات كانوا يأتون إلينا (...) ما زالت الرسائل على هاتفي".
وأضاف "بمجرد أن انتهى التصويت، أقفلوا هواتفهم وحجبونا. سبحان الله".
لكن صديقه وزميله في الاختصاص محمود صكبان اعتبر أن عدم الانتخاب "خذلان".
وأضاف بعينين تدمعان بعدما مل من البحث عن عمل "بكيت كثيرا. كيف أطلب التغيير وفي هذا اليوم الوحيد الذي أملك فيه السلطة عليهم لا أستغلها؟ هم يخافون منا".
العزوف عن الانتخاب كان أقل لدى الأكراد، وفي الموصل التي استعادتها القوات الأمنية من الجهاديين مؤخرا.
فمشاركة الأكراد، الذين أخرجوا من المناطق المتنازع عليها مع بغداد وما زالوا يتحملون التبعات السلبية للاستفتاء حول الاستقلال، سجلت بين سبع إلى تسع نقاط أعلى من المشاركة الوطنية.
وفي محافظة كركوك المتعددة الإتنيات، تصاعد التوتر بين الأكراد والعرب والتركمان، وقد يؤدي هذا إلى إعادة فرز يدوي للأصوات.
لكن في أماكن أخرى، وخصوصا في بغداد حيث بلغت نسبة المشاركة 32 في المئة، بحسب مصادر في المفوضية العليا للانتخابات، "شعر العراقيون بأن اللعبة انتهت، والانتخابات معدة مسبقا"، بحسب ما قال كريم بيطار الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس.
وحيال الامتناع الواسع للشبان الذين يشكلون 60 في المئة من نسبة السكان في العراق، أوضح بيطار أن ذلك سببه "أن النظامين الطائفي والمحسوبية أنتجا عقبات أمام دخول قوى حقيقية جديدة للتغيير، ما ادى الى احباط لدى الناخبين".
ويقول الكثير من العراقيين إنهم لا يؤمنون بالنسبية المعقدة التي توصل إلى الحكومة تحالفا متنوعا، وتوزع المناصب العليا في الدولة بين مختلف الطوائف.
ويعبرون عن الاعتقاد ان البلد الذي يتبنى نظاما سياسيا هدفه منع هيمنة الحزب الواحد على السلطة، ليس صاحب الكلمة الفصل، بل إن القرار يعود إلى الخارج، وخصوصا واشنطن وطهران.
وهناك توتر حاليا بين إيران والولايات المتحدة، على خلفية انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي الإيراني.
ففي العام 2014، كانت الدولتان متفقتان ضمنيا على اختيار العبادي، وأزاحتا زميله في حزب الدعوة نوري المالكي من الحكم.-(أ ف ب)