لَم نشاهد مسلسل "باب الحارة" هذا العام، لكن خسارة هذا المنزل أكبر.. أصحاب البيوت والكومبارس يتحسرون على "أيام العز"
أبو سعيد وأم سعيد هما أشهر زوجين في عالم الدراما السورية؛ إذ بدآ باستقبال الفنانين في منزلهما منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ ذاك التاريخ توافد كل النجوم السوريين وغالبية الفنانين العرب إلى بيتهما الموجود في منطقة عين الكرش وسط دمشق.
بيت هذين الزوجين شهد تصوير مئات الأعمال الدرامية، حتى بات لهما علاقات واسعة مع مشاهير الشاشة العرب، وتحول منزلهما الدمشقي وحيّهما العتيق لاستديو دائم لا تتوقف الحركة فيه على مدار أشهر عديدة، وخاصة المسلسلات الشامية منها.
لكن الوضع تراجع مع سنوات الأزمة، وخاصة في العامين الأخيرين. يقول أبو سعيد مرعي إنه في موسم رمضان الحالي، لن يطل منزله على الشاشة الصغيرة إلا عبر مسلسلين شاميين فقط، هما "ترجمان الأشواق" من تصوير العام الماضي (2017)، و"عطر الشام" من تصوير العام الحالي (2018).
وأضاف أن المنزل سيطل أيضاً عبر مشاهد محدودة في مسلسلات أخرى. لكنه يؤكد أن مجموع الأيام التي فتحت أبواب منزله أمام الكاميرات والفنانين قليلة لا تتجاوز الشهر.
في مجلسه داخل ليوان منزله بالقرب من البحرة، يتحدث أبو سعيد عن أنواع اللقطات وبعض الأسرار الإخراجية، كما يتحدث عن أسماء عديدة لمعت في سماء الإعلام العربي مرت من منزله، الذي يُشبهه بالمدرسة التي تخرج فيها الكثير من المخرجين الذين تدربوا على أيدي مخرجين كبار عملوا في بيته القديم.
تقدم أم سعيد القهوة لنا كما اعتادت أن تقدمها لغالبية من زار منزلها خلال السنوات السابقة، وتوضح أنها كانت تشعر بالسعادة في أثناء تصوير المسلسلات، ولم تغضب يوماً أو تمل من حضور الممثلين وأطقم التصوير، "لهذا اكتسبت علاقات طيبة مع عدة فنانات ما زلت على تواصل مع كثيرات منهن".
ويشرح أبو سعيد بأنه لم يعتبر التصوير في منزله مصدر دخل له، فهو يعمل بمجال التجارة منذ سنوات عديدة، لكنه لا ينكر أن عمليات التصوير كانت تدر عليه عائداً جيداً في أيام ذروة الإنتاج التلفزيوني، خاصة ما بين عامي 2000 و2010.
في تلك الفترة، تتراوح مبالغ تأجير المنازل بين 7 آلاف و10 آلاف ليرة في اليوم، ويضيف مازحاً أنه كان يهديها لزوجته التي أحبت وجود الممثلين في منزلها، وملأوا لها فراغها باعتبار أن ساعات عمل أبو سعيد طويلة، وكان يمضي غالبية وقته خارج المنزل ولم يرزقهما الله إلا ابناً واحداً هو سعيد الذي التحق أيضاً بمجال التجارة.
حينما خرجنا من منزل أبو سعيد وجلنا في الحارات الضيقة المحيطة، لم نجد أي ممثل ولا حتى كومبارس، ولم نلمح عربة تصوير كما كنا نشاهد في الماضي، فالحركة تراجعت نوعاً ما، لكن لم يمنع ذلك من أن منزل أبو سعيد يبقى دائماً علامة مميزة في تلك المنطقة.
أزمة الشركات أيضاً
لم تقتصر الأزمة على أصحاب البيوت، ولكنها شملت أيضاً حتى الشركات الضخمة ومدن الإنتاج.
يوضح بشار سلمان، وهو صاحب مدينة الفارس الذهبي للإنتاج الفني، أنه منذ بداية الأزمة اتجهوا نحو الأعمال الشامية، وحولوا المدن لحارات شامية، كما بنوا ديكورات لمسلسل "باب الحارة".
ولكن رغم هذا، لم يكن عدد الأعمال كبيراً، وكذلك المقابل لم يكن مناسباً كما كان قبل الأزمة، "حتى الأعمال الشامية تراجعت في السنتين الأخيرتين، توقف تصوير باب الحارة في عامي 2017 -2018، وتوقفت معظم الأعمال الشامية التي كان مقرراً تصويرها، واقتصر على عدة أيام قليلة من مسلسل عطر الشام، الأمر الذي ألحق بنا ضرراً وخسارة كبيرتين".
وتقع مدينة الفارس الذهبي في منطقة يعفور بالقرب من دمشق، وتمتد على مساحة 41 دونماً، وهي مؤلفة من عدة استوديوهات مخصصة لمختلف أنواع الدراما والبرامج التلفزيونية، لهذا تمكنت خلال سنوات طويلة من استقطاب الدراما العربية، كما يوضح سلمان.
وأضاف أن خسارته الكبرى تمثلت بغياب هذه الإنتاجات العربية التي كانت تشكل العمود الفقري لعمله؛ إذ سبق أن حضرت الدراما المصرية والتونسية والجزائرية وغيرها في مدينته.
وعن واقع الدراما السورية بشكل عام، يوضح سلمان أن المنتجين يعانون مشاكل في التسويق، ويرى أن هذه الشركات تتحمل جزءاً من المسؤولية في الأساس؛ إذ كانت تتنافس بعضها مع بعض بطريقة سيئة، وبالتالي خفضت من سعر العمل السوري، حتى باتت الأعمال المدبلجة كالإسبانية أو الهندية أو التركية تباع للمحطات العربية بأسعار أعلى من سعر المسلسل السوري.
كما يرى أن نوعية الأعمال المحلية اليوم هي سبب مشكلة التسويق؛ إذ تراجع المضمون والصورة، وباتت غير قادرة على المنافسة، ولا ينكر وجود مقاطعة عربية، ولكنه يستشهد بأن قناة MBC drama ما زالت تعرض حتى اليوم مسلسلات سورية جديدة، وبالتالي لو أن الأمر مقاطعة فقط لما ظهر أي عمل سوري على هذه الشاشة الأضخم عربياً.
ويرى أن التراجع شمل حتى أعمال البيئة الشامية، التي أصبحت مستنسخة بطريقة غير جميلة، حتى إن المنتجين غير مستعدين للتغير في ديكورات الحارة أو في الملابس.
للكومبارس حكاية أخرى
السيد عبد الزامل هو أحد المختصين بتأمين الكومبارس، وأمضى سنوات طويلة من عمره في هذا المجال تبلغ 22 سنة، وأكثر من 500 مسلسل.
الزامل أكد في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه في سنوات ذروة الدراما السورية تمكن من توفير فرص عمل لأعداد كبيرة، وصلت في بعض السنوات لـ40 ألف شخص، من ضمنهم عائلات بأكملها.
ويستذكر مشاركتهم في أعمال شامية ضخمة أو تاريخية وكيف استأجر حينها منازل لبعض العائلات التي شاركت بأكملها في العمل من أطفال رضع وحتى المسنين، موضحاً أن هذه المهنة كانت تمثل مصدر دخل للكثيرين.
لكن اليوم باتوا بلا عمل، فمن يعمل في هذا المجال حالياً لا يتعدى عددهم 3 آلاف،ث؛ بسبب قلة العروض، ويشرح بأن المقابل المادي كان بحدود 500 ليرة لقاء كل يوم تصوير، أي ما يعادل 100 دولار.
لكن اليوم المبلغ لا يتجاوز 3 آلاف ليرة (6.5 دولار؛ بسبب تغير قيمة الصرف وانهيار الليرة) في أحسن الأحوال لقاء ساعات طويلة من العمل تصل لحدود 12 ساعة وأيضاً بأيام قليلة؛ إذ يعمد المنتجون اليوم لضغط المشاهد قدر الإمكان لتقليل النفقات.
وبالنسبة للدراما الشامية، يؤكد الزامل أن مشاركتهم فيها لم تتراجع كثيراً؛ إذ كانت الساحة الفنية تشهد تصوير عملين أو ثلاثة فقط سنوياً، وهذا العام (2018) تم تصوير عملين هما "حريم الشاويش" و"عطر الشام".
لكنه يتحسر على أيام "عز" الدراما السورية وما حل بها اليوم، وكيف انتقل الكثيرون للتصوير في دول مجاورة رغم أن التكلفة أعلى هناك، وأجر الكومبارس لا يقل عن 35 دولاراً، وأحياناً يصل لـ100 دولار في حال كان الكومبارس مميزاً، أي يظهر ضمن مطعم أو محل في حين أن الكومبارس المميز في سوريا يتقاضى بحدود 10 آلاف ليرة سورية، أي أقل من 20 دولاراً.
المولوية جزء من التراث
الوضع مع محمود خراط ليس بأفضل حال، وهو صاحب فرقة مولوية له تاريخ طويل في هذا المجال، وشارك أيضاً في عشرات المسلسلات الشامية منذ مسلسل "أيام الخوالي" وحتى اليوم.
ويوضح الخراط أنهم شاركوا هذا العام في تصوير فواصل وإعلانات، وسيشاركون في عمل شامي يتيم هو "عطر الشام"، في حين أنهم في العام الماضي شاركوا في 6 أعمال بالموسم.
ويشرح الخراط أن مشاركتهم تشمل لوحات مولوية أو لوحات عراضة شامية، بالإضافة للمشاهد المتعلقة بفرق الإنشاد أو مقرئي القرآن. هو يحرص على الحضور في هذه الأعمال؛ لأنه يعتبر فن المولوية والعراضة جزءاً من التراث السوري وهويته، وهو يوازي الحجر في أهميته داخل هذه الأعمال.
فبالنسبة لخراط والعاملين في هذا المجال، لا تعتبر المشاركة الدرامية هدفاً مادياً بحد ذاته، لكنها هدف إعلامي وأيضاً ثقافي.