ضحايا صوامع العقبة: فقر وانتهاكات عمّالية أحياء.. وإهمال رسمي أمواتا
رغم الكارثة التي حلت على منار (24 عاما) بوفاة زوجها؛ عيد سويلم (28 عاما) في حادثة انفجار صوامع العقبة، ورغم أنها لم تفق بعد من صدمة خسارة زوجها بطريقة وصفتها بـ"الموجعة جدا"، نتيجة إصابته بحروق من الدرجة الأولى "أكلت" 90 % من جسده وتسببت بوفاته، إلا أنها لم تنس أن زوجها خرج ذلك اليوم ليخبر مسؤوله أنه لم يعد يرغب بالعمل معه، لأنه يتأخر بتسليم أجور العمال لمدة طويلة.
التأخر بتسليم الأجور لم يكن الانتهاك الوحيد الذي كان دفع المرحوم عيد لترك العمل، فثمة انتهاكات أخرى بحقهم، مثل عدم تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، وعدم توفير معدات السلامة والصحة المهنية، رغم أن عملهم عادة ما يتخلله الكثير من المخاطر.
منار، الأم لطفلة عمرها سنتان، قالت لـ"الغد" إن زوجها يعمل في هذه الشركة منذ 11 شهرا، ومن أول يوم عانى معهم من ضغط العمل الشديد، و"إجباره" على القيام بمهام عديدة ولساعات عمل تتجاوز العشر ساعات يوميا. لكن المعاناة الأكبر كانت بالنسبة له "عدم الالتزام بدفع أجوره"، وهذا ما كان يضع العائلة في حالة من الحرج مع صاحب البيت الذي يستأجرونه، فضلا عن عدم القدرة على تأمين متطلبات معيشتهم خاصة متطلبات صغيرتهم "آيات".
"ما كان في قدامه إلا يظل بالشغل، لأنه ما معه شهادة، وفي غور الصافي ما في شغل، وعلينا التزامات، وإذا إحنا بنصبر الصغيرة بدها عالأقل حليب وفوط" تقول منار.
ولأن عمل زوجها كان على نظام المياومة، فلم يكن يعمل يوميا، بل كان ينتظر اتصالا من مسؤوله عند الحاجة له. في اليوم المشؤوم كان عيد دون عمل منذ أسبوعين، لذلك عندما اتصل به مسؤوله ليطلب منه القدوم، قال له إنه سيعمل فقط هذا اليوم ومن ثم سيترك ليبحث عن عمل آخر، كون الشركة لم تدفع له بعد أجره عن أيام سابقة.
"ذهب للموت برجليه" تقول منار، التي تؤكد أن الزوج في ذلك اليوم ذهب فقط من أجل الحصول على مستحقات سابقة، وليعمل فقط ذلك اليوم ليحصل أجرة عنه، ومن ثم ينهي علاقته بالشركة، لتكون آخر جملة قالها عيد لزوجته قبل ذهابه للعمل: "أنا تعبت من الشغل معهم".
عيد واحد من تسعة عمال، انفجرت بهم مباني صوامع العقبة، في حين تختلف الروايات حول سبب الانفجار، ليتوفى حتى الآن ستة منهم، وأربعة من هؤلاء الستة هم من سكان منطقة غور الصافي، التي تبعد عن العقبة حوالي 170 كم، والاثنان الآخران من مدينة العقبة.
حادثة انفجار الصوامع تفتح من جديد الباب للحديث حول أهمية توفر شروط الصحة والسلامة المهنية للعمال بمكان العمل، والتي يبدو أنها كانت غائبة تماما في هذه الحادثة، في حين يؤكد خبراء بسوق العمل أن الحادثة، في بعض جوانبها، "تعكس مدى المعاناة التي يعيشها الشباب بسوق العمل حيث تجبرهم البطالة على القبول بأي فرصة عمل، حتى لو لم تتوفر فيها شروط العمل اللائق".
صالح المحاسنة، وهو قريب للعامل المتوفى في الحادثة ذاتها، حمادة سالم (23 عاما) وهو أصغر المتوفين عمرا، يروي لـ"الغد" ما حدث مع العمال بعد أن سمعها من شاهد كان موجودا وقت الانفجار، حيث حضر ذلك اليوم 11 عاملا مع المهندس المسؤول بالشركة، وعند دخولهم للصوامع رفض العمال العمل، لعدم توفر معدات تحميهم، فضلا عن شعورهم بأن البيئة داخل الصوامع "خانقة نتيجة رش غاز الميثان الذي عادة ما يتم رشه لمقاومة الجرذان، التي قد تتواجد في صوامع القمح".
يؤكد المحاسنة أنه باتصاله مع العديد من الجهات، اكتشف أن الشركة التي يعمل بها العمال المصابون والمتوفون والمحول عليها عطاء هدم وإزالة صوامع القمح، كانت "غير مخول لها الدخول إلى الصوامع في ذلك اليوم".
وهو يعتقد أن الشركة "لم تراع" مثل هذا الخطر، أمام رغبتها بالاستفادة من الحديد والالمنيوم الموجود بالصوامع قبل أن يتم تفجيرها.
في اليوم المشؤوم دخل تسعة عمال المبنى، وكان اثنان آخران بصدد اللحاق بهم، لكن لم تمر عشر دقائق على دخولهم، حتى بدأ الانفجار الذي لحقه حريق كبير حاصر العمال داخل الصوامع.
المحاسنة يقول: "العمال الـ11 كلهم لم ينهوا تعليمهم، وما يتقاضونه يساهمون به في مصاريف عائلاتهم التي تعاني العوز والجوع، سواء في غور الصافي أو العقبة، وعندما يغريهم المسؤول في الشركة بأنه فقط سيعطيهم الأجر في اليوم ذاته ولن يتأخر هذا بحد ذاته كان كافيا بالنسبة لهم للمخاطرة والدخول، رغم أنهم شعروا منذ البداية بأن البيئة داخل الصوامع خانقة ولا تتوفر كمامات ولا أي معدات سلامة وصحة مهنية أخرى".
ويحمل المحاسنة على الجهات الرسمية ويتهمها بـ"التقصير" بالقيام بواجبها في قضية العمال، ويشير إلى أن العمال "بقوا داخل الصوامع ساعة ونصف ساعة قبل اخراجهم"، كما انه "وحتى اليوم لم يزر أي مسؤول أهالي العمال المتوفين، لتقديم واجب العزاء واخبار الاهل بمستجدات التحقيق أو زيارة المصابين الآخرين في المستشفى".
وكان مدعي عام العقبة قرر إسناد "جرم التسبب بالوفاة وجرم التسبب بالإيذاء للمقاول الفرعي لشركة الإنشاءات" التي أحيل عليها عطاء هدم وإزالة مرافق ميناء العقبة القديم، ما تسبب بانفجار داخل مبنى الصوامع.
وقالت سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة، في بيان سابق لها، انه وفي ضوء تحقيقات المدعي العام بملف القضية بينت نتائج التحقيق "تقصير مؤسسة ابو غريب التجارية باتخاذ وسائل السلامة العامة المطلوب توفيرها بموقع العمل بموجب عقود العمل الموقعة بين المقاول الرئيسي والمقاول الفرعي"، حيث أدى "عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة ومتطلبات السلامة العامة اثناء العمل الى حدوث هذا الحادث المؤسف".
وفي الوقت الذي أصدرت فيه المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي امس الأول بيانا، قالت فيه ان مديرها عز الدين كناكرية أوعز للإدارات المختصة بالمؤسسة بمتابعة حادثة الانفجار والعمل على شمول العمال بأحكام قانون الضمان بعد التأكّد من انطباقه عليهم، حيث يُلزِم القانون المنشآت الخاضعة لأحكامه بتوفير شروط ومعايير السلامة والصحة المهنية وأدواتها في مواقع العمل، ويُحمّل المنشأة بحال المخالفة جميع تكاليف العناية الطبية للعامل المصاب، إلا أن ذلك مرتبط بالنسبة لمؤسسة الضمان بأن تكون الشركة مسجلة، ولديها سجل تجاري ودون ذلك سيخسر العمال كل حقوقهم.
مصدر مطلع، فضل عدم نشر اسمه، أكد أن الشركة التي يعمل بها العمال "ليس لديها سجل تجاري"، وهو ما يطرح أسئلة حول قانونية تحويل العطاء عليها من الأساس، وأيضا هذا يعني أن العمال قد "يخسرون كل حقوقهم التي كان من الممكن تحصيلها من خلال الضمان الاجتماعي بحال كان للشركة سجل تجاري".
المصدر نفسه يبدي استغرابا من عدم تحرك الجهات الحكومية على أي صعيد، مذكرا بحادثة انفجار شاحنة محملة بالألعاب النارية في جمرك عمان العام 2015 والتي نجم عنها وفاة 8 عمال، ثلاثة منهم يحملون الجنسية المصرية، حيث لم يمر وقتها 24 ساعة إلا وكانت وزيرة القوى العاملة المصرية في عمان لمتابعة ما حدث مع مواطنيها، والسؤال عن حقوقهم، ما أسهم وقتها في تحصيل العديد من الحقوق لهم، مثل تعويضهم من مؤسسة الضمان الاجتماعي.
مدير المرصد العمالي أحمد عوض يعلق على الحادثة بالقول: "فوضى سوق العمل الناتجة عن حالة الإنكار التي تمارسها الجهات الرسمية التي تدير علاقات العمل وتتنكر لفكرة حقوق العمال، وتعمل وفق فرضية (ان العمال عليهم ان يقبلوا بالموجود)، هي التي تتحمل مسؤولية ضحايا صوامع العقبة، وتتحمل مسؤولية تنكر تشريعات العمل لحقوقهم وحقوق أسرهم".