"ميراث الرجل للرجل": عادات اجتماعية تسلب حقوق النساء
كتبت- سلام الخطيب
تؤكد الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، على حد سواء، على حق المرأة في الحصول على نصيبها من الميراث جنباً الى جنب مع الرجل، ولا تميز بينهما في نيل كل منهما نصيبه منه. فللمرأة الحق في المطالبة بكامل ميراثها ما لم تتنازل عنه برغبتها دونما إجبار.
بيد أن الواقع مغاير الى حد كبير، في ظل ممارسات تحرم المرأة من ميراثها سواء أكان نصيبها من زوجها أم من والدها، وسط انتشار عادات يغلفها الجهل، ولا تعدو كونها ممارسات خاطئة لا تمت بأي صلة لما أقرته الشرائع السماوية، فضلا عن مواثيق حقوق الإنسان، فالميراث هنا ليس سوى إرضاء للرجل وإيذاء للمرأة .
وتكشف دراسات عديدة، عن أن حق المرأة في الميراث من أكثر الحقوق التي تتعرض للانتهاك، في ظل العرف والعادات الاجتماعية السائدة.
وأشارت دراسة سابقة لتجمع لجان المرأة الوطني الأردني، إلى أن نسبة النساء اللواتي يدركن حقهن في الميراث تبلغ 91%, بينما تمثل نسبة النساء المؤهلات للحصول على ميراثهن وحصلن عليه هي 26% فقط، فيما تنازلت 15 % من الإناث المؤهلات علمياً تنازلهن عنه طواعية في حين أن البقية تنازلن عن حقهن في الميراث رضوخاً للعادات والتقاليد التي ما زالت تسود في بعض المناطق.
وأظهرت الدراسة أن 52% ممن طالبن بحقوقهن في الميراث وجدن معارضة شديدة من الأهل، 44% من الأخوة الذكور و22% من الأم في حالة وفاة الأب و16% حرمن بسبب وصية الأب بحرمان الإناث من الميراث قبل وفاته.
ومن منظور حقوقي، وبحسب وثائق المركز الوطني لحقوق الإنسان، يعتبر انتهاك حق المرأة في الميراث ضرباً من ضروب العنف ضد المرأة تتوجب مكافحته. كما أنه يدخل في باب التمييز ضد المرأة، الذي عرفته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" بأنه: أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر.
وتقول منى التي تبلغ من العمر 35 عاما، أن والدها قام بتوزيع ميراثه على أبنائه الذكور قبل وفاته وعلى مرآى من عينها، ولم يعط أي منها وأخواتها نصيبهن من الميراث، وكانت حجته في ذلك بأن لا ميراث للأنثى لأنها في نهاية المطاف سترد إلى بيت زوجها وبذلك لن تكون هنالك استفادة محققة لإخوانها الذكور.
وإسلام التي يمتلك والدها عقارًا مكوناً من عدة طوابق، قام ببنائه ليكون مستقبلاً مأوى لأبنائه الذكور بحيث يحصل كل واحد منهم على شقته المنفصلة، فيما لم يكن لإسلام وأخواتها أي نصيب من تلك الشقق، وفوق ذلك لم يكن لهن أي حق في المطالبة ولو بتعويض بسيط عن المسكن بما يضمن لهن حقهن في المستقبل.
ولدى سؤاله عن حق المرأة في المطالبة بميراثها، أجاب خالد بالقول "وِرثه وبنت! لا ما بنفع، يعني على أي أساس إحنا نتعب ونشتغل طول اليوم وحضرتها دائما قاعدة بالبيت لا شغل ولا مشغلة، وبتيجي بعين قوية تطلب ميراث! ، لا هاي بعيدة عن عينها وما بصير لأنه هيك ما بكون في عدل أبداً".
أم أحمد، وهي الآن في الأربعين من عمرها، وأنجبت ستة أبناء، ألحّت بشدة على زوجها لكي يقوم بتقسيم ميراثه على أبنائه وفقا لقوانين الشريعة الإسلامية دونما تمييز بين أي منهم. وفعلاً قام زوجها بذلك، وهي الآن بكامل فرحتها لأنها ضمنت لأبنائها ابعادهم عن الوقوع في ظلم أخواتهم الإناث. ولقد لجأت إلى ذلك نظراً للظلم الذي لحق بها نتيجة قيام والدها بحرمانها من نصيبها من الميراث وإعطائه لأبنائه الذكور، على حد قولها.
وئام لها قصة أخرى، وهي سيدة مطلقة، وحرمت نصيبها من ميراث والدها، الأمر الذي أدى بها إلى اللجوء للعمل في البيوت لكي تؤمن قوت يومها، فطليقها أرهقها حتى طلبت الخلع منه متنازلة له عن كامل مهرها، ووالدها حرمها من حصتها من الميراث، فأصبحت كنقطة ماء تطايرت من كأس فلم يعد لها أي قيمة بل هي مهددة بالتبخر في أي لحظة.
الشاب علاء قال إنه ليست هناك مشكلة من أن تأخذ المرأة جزءاً من ميراث والدها، فهي أيضا تحتاج إلى ما يحفظها ويحفظ حقها من مفاجآت الحياة، و"لكن ليس بالضرورة أن تقاسم إخوانها الذكور في كل شي، فالرجل يبذل جهدًا مضاعفاً بالعمل أكثر من الأنثى، وعليها مراعاة ذلك"، معتبراً أن الأنثى المثقفة المتعلمة هي التي ترضى بالقليل مقابل إعطاء اخوانها مردودًا يتناسب مع الأعمال التي يقومون بها، وكذا الطاقة التي يبذلونها.
بو محمد أنجب أحد عشر ولدا، ستة ذكور وخمسة بنات، طلب منه أولاده أن يقسم ميراثه عليهم قبل وفاته، حيث كان يعاني مرضاً شديداً، ولكنه رفض أن يقدم على تلك الخطوة لكي لا يظلم أ أحد منهم، بل وأصر على رفضه. وهو يرى أن تقسيم الميراث قبل وفاته قد يتسبب بإيذاء أحد الأطراف، وقد يؤدي إلى حدوث مشاحنات بين الأخوة مع بعضهم بعضا، أما بعد وفاته فلن يحمل عبء تقسيمه فالقاضي هو من يقسمه عليهم وفق منهج الله تعالى وبالتالي لن يتعرض أحد للضرر.
وتلزم اتفاقية "سيداو" الدول الموقعة عليها، ومن بينها الأردن، بفرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي، والامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام.
كما توجب الاتفاقية الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة، واتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
ووفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تتعهد الدول بكفالة تَساوى الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية. وتنص المادة 26 من هذا العهد على أن: الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس (...) أو غير ذلك من الأسباب.
أخصائي قضايا البداية وقضايا الجزاء والحقوق المحامي محمود قوقزه قال إن الميراث هو عبارة عن توزيع الأنصبة بين الورثة بعد وفاة المورث حسب أحكام الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية.
وفيما يتعلق بحرمان المرأة من ميراثها، لفت قوقزه إلى أن ذلك حرام شرعاً ولا يحق لوالدها القيام ذلك، أما قانوناً فهو جائز، لأن الوالد، وهو على قيد الحياة، له حق التصرف بملكه حسب أحكام الملكية المطلقة الواردة بالدستور حيث أن هذا الحق مقذف وقد ضمنه الدستور الأردني .
وفي حالة وفاة الأب، وحصل أن أحد الأخوة اعترض خواته وحاول منعهن من الميراث، فعلى المحرومة من الميراث أن تتقدم للمحكمة الشرعية وتأخذ حجة حصر إرث، شرط وجود شاهدين لتسمية الورثة عند القاضي الشرعي وبناء على ذلك لن يحرمها أخوها منه، وقد ضمن ذلك قانون الأحوال الشخصية، وهذه الحجة تستخدمها المرأة بالأراضي ودائرة السير، والبنوك وبأي حق يتعلق بأموال المورث.
من جهته، قال دكتور القانون العام مأمون أبو زيتون إن للمرأة حق في الميراث كما هو الحال بالنسبة للرجل، ولكن هناك حالتين يجب النظر فيهما ضمن هذا الإطار، الأولى هي إذا تم توزيع الميراث على الورثة قبل وفاة الأب أو الزوج ففي مثل هذه الحالة لا يعتبر ذلك ميراثا بل هو كعقد بيع أو تسجيل ملك .
وأضاف بأنه إذا قام الوالد بتسجيل أملاكه للذكور دون الإناث أو لأحد الذكور دون غيره فإنه في هذه الحالة لا يحق لأي أحد ممن لم يأخذ من ذلك الملك أن يطالب بحقه كأن يقوم برفع دعوى قضائية أو أن يقف على رغبة أبيه، فالوالد هو المسؤول عن أملاكه قبله موته، وحتى لو قدم المشتكي دعوى لدى المحكمة فالقاضي لا يستطيع التصرف في هذه الحالة لأنه لا يوجد قانون يمنع الرجل من تسجيل أملاكه لأحد أبنائه ما لم يكن متوفى.
أما الحالة الثانية والتي تتمثل بوفاة الأب أو الزوج، ففي هذه الحالة تسمى أملاك الأب ميراثاً، ولا يستطيع أي أحد من الأخوة أن يحرم أخواته منه ما لم تكن هناك وصية من الأب بتسجيل ميراثه لأحد الأبناء، فالأخوات يأخذن نصيبهن من الميراث كما حدده الشرع ولا يحق لأحد من الأخوة الاعتراض أو الاستفراد بالميراث عن باقي أخوته، أما إذا تنازل أحد الأخوات أو جميعهن عن حقها من الميراث لأخوانها فلا ضير في تقسيم حصتها على أخوانها.
وفي السياق، قالت الناشطة في حقوق الإنسان والمحامية ريم أبو حسان إن الميراث ذكر في القرآن الكريم وهو واجب ملزم من الأب على أبنائه، هذا وقد حدد الشرع أنصبة للميراث يجب على الآباء التقيد بها.
ولفتت إلى أن الأب هو المالك الشرعي الوحيد الذي له حق التصرف في أملاكه أثناء حياته وله كامل الحق في تقيسمه على أبنائه كيفما شاء، كما أن له الحق في التصرف بأمواله وتوزيعها عليهم حسب رغبته سواء أكانت تلك الأموال منقولة أو غير منقولة.
في حال قام الأب بحرمان أولاده من الميراث فلا أحد يستطيع مقاضاته، ولكن إذا كتب المالك وصية بورثته لأحد أبنائه، فليس له حق التصرف إلا بالثلث وبموافقة باقي الورثة، وبحالة كانت الموصي به ليس من أبنائه فللوالد حق التصرف بأي مقدار.
وأضافت أبو حسان أنه بعد وفاة المالك، وفي حال تم حرمان البنات من الميراث، أو اعترض أحد الأخوة على إعطاء أخواته جزء من الميراث أو طلب منها التنازل عن حصتها، فهنا جاء القانون وأعطى للورثة مدة معينة للتخارج لكي يتمكنوا من اتخاذ القرار فيما إذا سوف يتم هذا التخارج أو لا.
وأوضحت أن هناك حالات يتم فيها حرمان المرأة من نصيبها من الميراث. وشددت على ضرورة مطالبة جميع الآباء بإنصاف بناتهم وأبنائهم. وقالت إن الحركة النسائية طالبت بزيادة مدة التخارج كي تضمن المرأة حقها من ميراثها بعد وفاة والدها أو زوجها، وكان سبب زيادة المدة أن المرأة تفكر بعواطفها خلال الفترة التي تلي وفاة أبيها، ما يجعلها تتنازل عن حقها بسهولة، أما بزيادة المدة فإن المرأة تفكر بأسلوب منطقي عقلاني ليتم التخارج.
*أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين