هل تذكرون اللاعب البرتغالي الذي رفض الاحتفال مع رونالدو؟ كان واهماً، ولا يعرف قانون كرة القدم جيداً!
جو 24 :
بصوتٍ أجش وعميق كانت كانيا تصرخ: "هامل، هامل، إيران هامل (تحرك، تحرّك، يا إيران تحرك)"، استجاب اللاعبون الإيرانيون لحماسة الشابة العشرينية، ليسجلوا أول أهدافهم في كأس العالم ويفوزوا بهدف نظيف على المنتخب المغربي.
في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية شهدت كانيا وصديقتها باريا انتصار منتخب بلادهما.
بالنسبة للشابتين، لم تكن النتيجة هي التي جعلت المباراة حدثاً مهماً؛ بل لأنَّها المرة الأولى التي يُسمح لهما فيها بحضور مباراةٍ مباشرةً.
كانيا تعودت مشاهدة كرة القدم على شاشة التلفزيون في المنزل منذ أن كانت طفلة "ليس لديّ شقيق، لذا يجعلني والدي أشاهد كرة القدم معه، وهكذا صرتُ محبةً للعبة".
لم يكن لديها أي مانع في السفر لمسافة 1900 ميل (3058 كم) لفعل بذلك، واتضح أنَّ تجربة حضور مباراة كانت كل ما تأمله. منذ اللحظة التي دخلت فيها الملعب، وشاهدت الحشود، والضوضاء، واللاعبين، شعرت بالفخر. كانت تفكر في سبب منع النساء من دخول الملعب، ما الهدف؟ "نحن مثلكم يا رفاق، كنت أشجع الفريق كرجل، وحتى صوتي قوي كأصوات الرجال"،تقول ضاحكة.
تجربة تحرُّرية
بالنسبة لكيانا وباريا، كانت كأس العالم لهذا العام تجربةً تحررية. فلأول مرة، تمكنت الاثنتان من فعل شيءٍ لا تستطيعان فعله في بلدهما؛ وهو الذهاب إلى مباراة كرة قدم.
في الواقع، قُبِضَ على باريا في وقتٍ سابق من هذا العام (2018)، عندما حاولت حضور مباراةٍ في مدينتها الأم، بتهمة الإخلال بالآداب العامة.
باريا تحب الرياضة، وتحب كرة القدم، لكن في إيران لا يُسمَح للمرأة بحضور المباريات، فقررت ذات يوم أن تحاول حضور واحدة وذهبت فعلاً، لكن قُبِضَ عليها.
حدث ذلك في مارس/آذار 2018، بعد انتشار شائعة، مفادها أنَّ الحكومة الإيرانية خففت القواعد الصارمة التي تمنع النساء من إظهار حماستهن لهذه الرياضة، "سمعنا أنَّه ليس هناك مشكلة في حضورنا، وظننا أنَّهم سمحوا لنا بذلك أخيراً"؛ لذا توجهت باريا هي وصديقها لمشاهدة ديربي طهران بين فرقتي بيرسيبوليس واستقلال.
إلا أنَّه اتضح أنَّ هناك مشكلةً فعلاً، ولم يتغير شيء، إلى جانب 29 امرأة أخرى كنَّ يعتقدن أنَّهن حصلوا على حريتهن أخيراً، وفي اللحظة التي حاولت فيها عبور البوابات، اعتُقِلَت باريا واقتيدت إلى مركز الشرطة.
لكن، بأي جريمة؟ كونها امرأةً في بيئة ذكورية. تقول: "قضيتُ في السجن ليلةً واحدة فقط. كانت الشرطة مهذبةً معي".
وسنحت الفرصة
أكثر ما أزعج باريا هو غيابها عن المباراة؛ لذا عندما تأهلت إيران لمنافسات كأس العالم 2018 بروسيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اشترت الشابتان على الفور، مع بيدرو صديق كيانا، تذاكر لجميع مباريات دور المجموعات التي يشارك فيها منتخبهم.
ليست هذه مشكلة كيانا وباريا وحدهما؛ بل إن إحدى مفارقات كأس العالم هذا العام (2018)، أنَّ الأمة الوحيدة التي تمنع النساء من مشاهدة المباريات لديها أعلى نسبة من المشجعات في روسيا، فمدينة كازان مليئة بالمشجعات الإيرانيات. جئن جماعاتٍ، ليس فقط من طهران، لكن من الجاليات في أستراليا، والولايات المتحدة، وألمانيا.
ومن بين 30 ألف مشجع لإيران في روسيا، هناك 10 آلاف امرأة، ولا تقضي الشابتان كل وقتهما في مشاهدة كرة القدم فقط، فقبل مباراة إيران وإسبانيا، ذهبتا لاستكشاف الأجزاء القديمة من مدينة كازان، مرتديتَين نوع الملابس الذي كان سيؤدي حتماً إلى القبض عليهما مرةً أخرى لو كانتا في طهران.
كيانا وهي مرتدية جينزاً قصيراً وقميص كرة القدم، تقول إنه لا يُسمَح لهن بارتداء مثل هذه الملابس في الشارع الإيراني، لكنّهن يرتدينها بمنازلهن، "لسنا مُجبرات على ارتداء الحجاب بعد، لكن علينا تغطية شعرنا بوشاح".
متعة ونضال
حرية اختيار الملبس كانت بين المطالب الأساسية في احتجاجات طهران الأخيرة، التي تشارك فيها الشابتان بانتظام.
في يوم الأربعاء الأبيض، الذي يرمز إلى الاحتجاج على إلزامية لبس الحجاب في إيران، تخرج الشابتان لدعم معصومة-مسيح علي نجاد (مؤسِّسة صفحة "My Stealthy Freedom" على الشبكات الاجتماعية). يرتدي الجميع، وضمن ذلك الرجال الذين يدعمون النساء، ثياباً بيضاء لمناهضة الحجاب الإلزامي، "تخلع بعض النساء أحجبتهن، لكنَّنا لم نفعل ذلك بعد. لسنا شجاعتين بما فيه الكفاية"، تقول كيانا.
اختيارهما ملابس متحررة تُناسب أجواء كأس العالم يعني أنَّه في أثناء وجودهما بكازان، فكلتاهما عاجزة عن زيارة المسجد القديم الرائع القائم وراءهما في الصورة التي يمسكان فيها بعَلم إيران؛ إذ تمنع اللافتة الموضوعة عند مدخله النساء من الدخول مرتدياتٍ أي شيء بخلاف أكثر الملابس المحتشمة، لكن لا يبدو أنَّ الفتاتين متحمستان ذلك، "دعك من هذا، لدينا الكثير من المساجد في إيران. لسنا بحاجة للذهاب ورؤية واحدٍ آخر"، تعلق كيانا مبتسمةً.
هؤلاء إذاً هنَّ ثوار كرة القدم، وحضورهن إلى كأس العالم فرصةٌ لفضح قيود الحياة في وطنهما، إيران، كما يصفهن بيدرو. وتساعد كرة القدم على إحداث الكثير من التغييرات، لكنَّها لا تستطيع فعل ذلك وحدها، كما يضيف؛ إذ يجب أن تُثَار أشياء أخرى كالقضايا السياسية، "إنَّها لحظة متوترة في إيران، نحن نأمل تغيير النظام".
هذا إذا كان لديهم وقت إضافي لتمنِّي شيءٍ آخر بخلاف الفوز في مباراة الأربعاء 20 يونيو/حزيران 2018 مع إسبانيا، كما تأمل كيانا: "نأمل صنع التاريخ، لدينا إيمانٌ قوي"، كل اللاعبين مفضَّلون لدى المشجعة الشابة؛ حتى إنها تعتبر مدرب المنتخب الإيراني أفضل مدرب على الإطلاق، "نحن فخورون جداً بهم"، تعلِّق الشابة بفرحٍ طفوليٍّ، قبل أن تنغمس في جموع المشجعين القادمين من كل أنحاء العالم.