jo24_banner
jo24_banner

الأردن لا يتحمل كلفة تكدس جثث المدنيين على حدوده الشمالية وعليه انشاء "منطقة آمنة" فوراً

الأردن لا يتحمل كلفة تكدس جثث المدنيين على حدوده الشمالية وعليه انشاء منطقة آمنة فوراً
جو 24 :
كتب فادي القاضي *

إقامة "منطقة آمنة" لحماية وضمان سلامة النازحين السوريين، الفارين من جحيم قصف قوات حكومة دمشق وحليفها الأساسي، روسيا، مسألة تستحق أن تتعامل معه الحكومة الأردنية عاجلاً، وعاجلاً جداً.

والهدف الأساسي، والأهم لإقامة مثل هذه المنطقة، هو توفير الحماية والسلامة للنازحين، وليس بالضرورة، أو إطلاقاً، تمكينهم من "دخول" الأردن. وتعني المنطقة الآمنة، في سياقنا هذا؛ منطقةَ ذات معالم جغرافية مُحددة، مُنضبطة، وذات إحداثيات ثابتة (أو على الأقل مُعلنٌ عنها بوضوح) تحت ولاية قوة تُشرفُ على وتنظم الدخول إليها، وتتمكن فيها من إنفاذ القانون الإنساني الدولي (في حدوده الدنيا على الأقل).

وفي حال كانت هذه المنطقة (خارج) الحدود الأردنية (داخل الأراضي السورية مثلاً)، فمن المُرجح أن يُنظر إلى ذلك باعتباره عملاً من أعمال "خرق" سيادة الدول الأخرى، وبما يتعارض مع قواعد القانون الدولي (العام).

ويحتاجُ الأردنُ إلى توافق مع الحكومة السورية، أو مع ضامنيها، وهم في هذه الحالة حكومة روسيا الاتحادية، على إنشاء هذه المنطقة [الآمنة] ضمن نطاق الأراضي السورية، وبما يجعلُ منها ومن إحداثياتها واقعاً توافقياً، تعترفُ به الأطراف المعنية، وتحترمهُ، وإن انتهكته، فمن شأن ذلك أن يُعدَ من أعمال "العدوان" وبما فيه ضمناً من إعلان لـ [الحرب] على الأردن أو معه.

إلا أن إقامة المنطقة الآمنة، داخل الأراضي السورية، قد يُغيرُ من الطبيعة القانونية لحالة النزاع المُسلح في سوريا من نواع غير دولي الطابع إلى نزاع دولي الطابع (وليس في الحقيقة في ذلك ما من شأنه تغيير أيُ شيء باستثناء حالة أسرى الحرب).

لكن إقامة هذه المنطقة داخل الأراضي الأردنية، من شأنه أن يُجنب الأردن كل ما سبق.

ومن شأن إقامة منطقة آمنة، في المنظور العاجل أن يؤمن السلامة الجسدية للنازحين (بعشرات الآلاف) وليس مجرد تأمين المساعدات الإنسانية لهم في ظل استمرار تعرضهم للقصف غير التمييزي (الذي لا يُميز بين الأهداف العسكرية وبين المدنيين) على غرار ذلك الذي تشنه قوات حكومة دمشق وحليفها الروسي. وبمعنى آخر أدق، الحفاظ على حياة النازحين المدنيين.

وينتابُ الأردن عدداً من المخاوف يتعلق بعضها، بكيفية ضمان هُوية ونوايا الأشخاص الذين يتم إدخالهم إلى منطقة آمنة (تؤملُ اقامتها). ومن ذلك إمكانية أن يكون بعضهم من ذوي النوايا التخريبية أو "الإرهابية". إلا أن ذلك، قد يجدُ حلولاً ذات طابع فني، أكثر منه سياسياً وانسانياً، وقد يشمل بعضها منظومة تدقيق وفحص أكثر صرامةَ وانضباطاً وأكثر تقدماً على المستوى التكنولوجي (لن يجد الأردن ضائقةَ في تأمين تكاليفها من المانحين الدوليين المعنيين بأمنه واستقراره وبضمان سلامة مدنيي النزاع في سوريا).

وترتبطُ مخاوف الأردن الأكبر، برأيي، بوجود نهجِ أصبح من الثابت أن حكومة دمشق اتبعتهُ على مدار سنوات الحرب الأخيرة؛ والمُتمثل في التغيير الديمغرافي القسري للمناطق التي تنتصرُ فيها على المعارضة المسلحة، وبما يتضمنه ذلك من تهجير قسري لمئات الآلاف من القاطنين الأصليين لهذه المناطق، وإحلال فئات أخرى مكانهم.

ومن شأن نجاح قوات حكومة دمشق وحلفاؤها في سحق المعارضة المسلحة في جنوب سوريا، أن يجعل من التغيير الديمغرافي مسألة واقعية، تجعلُ من مصير عشرات الآلاف الذين [قد] يسمح الأردن بدخولهم المناطق الآمنة المفترضة، موضوعاً يقلقه. وثبت، على سبيل المثال، أن الممرات الآمنة التي زعمت حكومة دمشق بإقامتها، لعبور المدنيين وغير المسلحين منها إلى مناطق لا تشهد أعمالاً عسكرية، هي في أحسن الأحوال "مصائد" تهدفُ للإيقاع بمن يُشتبهُ في معارضتهم للحكومة، وبما يعنيه ذلك من اعتقالهم وحبسهم وتعذيبهم، وقتلهم. ويجعل ذلك من استخدام هذه الممرات محدوداً إلى درجة لا تكاد تذكر، وهو ما من شأنه، كذلك، أن يدفع بالأردن نحو المزيد من القلق بشأن دخول نازحين لمناطق آمنة، قد لا يخرجون منها أبداً باتجاه مناطقهم الأصلية، في ظل سياسة التطهير والإحلال الديمغرافي المذكورة سابقاً.

وكل هذه مخاف حقيقة، لا تعني، في حال من الأحوال، بأن الأردن قادرٌ على تحمل كلفة تكدس جثث المدنيين على حدوده الشمالية. وهوُ مدعوٌ لإقامة "منطقة آمنة" الآن، وليس غداً.


*فادي القاضي هو خبير حقوق الانسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط. على تويتر @fqadi
 
تابعو الأردن 24 على google news