حكايات بطولة وإنسانية يسطّرها يوميا أفراد قوات حرس الحدود الجيش على الحدود الشمالية.. جاهزية عالية لردع أي تهديد ودور إنساني كبير
لم تحلْ الظروف الصعبة التي تحدّق بالأردن دون ممارسته لدوره الانساني على حدوده الشمالية الأسبوع الماضي.
فالظروف الصعبة لا تقتصر على الأوضاع الاقتصادية الحرجة، التي زادت حدتها مع استقبال 1.3 مليون لاجئ سوري في السنوات القليلة الماضية، بل تعدتها إلى الخلايا النائمة المتوقع تسللها مع فرضيات موجة نزوح جديدة وما يترتب على ذلك من عبء أمني وسياسي كبيرين، وهو ما دفع الأردن الرسمي إلى حسم قراره بعدم استقبال نازحين جدد من جنوب سورية، بموازاة ممارسة القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي دورا انسانيا، إضافة الى مهمتها الأساسية في حماية حدود الأردن الشمالية.
بعد الأنباء المتواترة عن صعوبة الوضع على الحدود خاصة باتجاه مدينة الرمثا منذ بدايات الأسبوع الماضي بعد استعادة الجيش السوري سيطرته على مدينة درعا والقرى المجاورة المحاذية للمملكة.
وفي الأثناء، كانت ترد أنباء عن وقوع معارك ضارية على الجانب السوري قريبا من حدودنا، قبل أن تعود الأوضاع للهدوء بعد استعادة الحكومة السورية السيطرة على المعبر الحدودي "نصيب" واستعادة العديد من القرى، بعد التوصل لاتفاق مع المعارضة المسلحة هناك، ما انعكس في تحقق حالة من الهدوء والاستقرار في الجانب الأردني من الحدود.
ويعود الفضل في ذلك إلى سيطرة الجيش العربي الأردني وضبطه لأي تحرك على الحدود تنفيذا وانسجاما مع إعلان الحكومة أنها لن تفتح الحدود لنازحين سوريين جدد، واتخاذه ما يلزم من إجراءات لحماية مصالح المملكة وحدودها باستثناء حالات انسانية من المصابين جرى استقبالهم للعلاج ومن ثم إعادتهم للداخل السوري.
ويمكن فهم صعوبة الموقف في ظل موجات نزوح كبيرة من السوريين (يقدرون بعشرات الألوف) الى مناطق متاخمة للأردن هربا من العمليات العسكرية حيث عملت القوات الاردنية من كتائب وألوية حرس الحدود على مدار الساعة لتأمين الحدود وسط طبيعة جغرافية صعبة ووعرة جدا في بعض المناطق، ما ضاعف ويضاعف مسؤوليات تلك القوات في حماية حدود الوطن من أي اعتداءات أو اختراقات أو تهديدات معادية ونشاطات غير مشروعة، ضمن إجراءات وقائية مشددة.
وبحسب قائد طب الميدان على الحدود الأردنية السورية، العميد الطبيب سالم الزواهرة، فإنه تم إدخال حوالي 90 نازحا سوريا منذ بداية الأزمة، ولغاية الخميس، إلى مستشفيات وزارة الصحة لتلقي العلاجات والعناية الصحية لأسباب إنسانية بحتة، تنوعت بين إصابات جراء التفجيرات أو حالات ولادة.
وأضاف الزواهرة إن المستشفى الميداني التابع للخدمات الطبية الملكية في المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، استقبل حالة وفاة واحدة منذ تأزم الوضع الأمني بالجنوب السوري، حيث كان مصابا وحالته حرجة لكنه ما لبث أن فارق الحياة، كما تم ادخال عدد من الحالات الصعبة تنوعت ما بين إصابات بكسور وحروق وإصابات أطفال بالإسهال المزمن، و 4 حالات ولادة.
وأوضح أن المستشفى الميداني التابع للخدمات الطبية الملكية تعامل منذ بدء الاحداث مع 1300 حالة مرضية تراوحت بين الإسهال والمغص والجفاف المتقدم وغيبوبة كبار والسكري والضغط.
ونظرا لكثافة أعداد النازحين الذين تجاوزوا الآلاف، ونتيجة لظروف الطقس الحارة، يقول العميد الزواهرة إنه تم أخذ احتياطات لازمة في حال ظهور أي نوع من الامراض المعدية، وتم تخصيص فريق طبي من دائرة الطب الوقائي في الخدمات الطبية الملكية للوقوف على أي طارئ.
وأشار إلى أن 3 فرق جراحية تتناوب على مدار الساعة لغايات معالجة السوريين المتواجدين على الحدود دون إدخالها إلى الأردن، باستثناء الحالات التي يتم إدخالها الى مستشفيات وزارة الصحة لأمور طارئة، موضحا أن الخدمات الطبية تقدم خدماتها للاجئين السوريين منذ عدة سنوات لكنها رفعت استعداداتها نظرا لنزوح اعداد كبيرة منهم نحو الحدود الجنوبية.
من جهته أكد قائد المنطقة العسكرية الشمالية العميد الركن خالد المساعيد جاهزية القوات المسلحة الأردنية للتعامل مع أي طارئ، مؤكداً امتلاكها للقوة الكافية لردع أي تهديد.
وبين المساعيد أن الفوضى التي شهدتها محافظة درعا في الأيام الاخيرة "ربما تتيح المجال للتنظيمات الارهابية بالتحرك"، مشددا على أن النازحين المتواجدين على الشريط الحدودي "لا نعرف خلفياتهم الأمنية، وبالتالي نتعامل مع فرضية وجود اشخاص مندسين من التنظيمات الارهابية بينهم هؤلاء في ظل هذه الفوضى".
يشار إلى أن الآلاف من النازحين السوريين بدأوا رحلة العودة إلى منازلهم ومناطقهم بعد توقف الأعمال العسكرية واستعادة الحكومة السورية لسيطرتها على الحدود بعد الاتفاق مع التنظيمات العسكرية المعارضة الجمعة.
وطمأن المساعيد الأردنيين بأن الجيش على يقظة وانتباه وحذر دائم، قائلا، إن "القوات المسلحة قادرة على منع كافة أشكال التسلل والتهريب على طول الشريط الحدودي، وكذلك منع اللجوء إلى المملكة بناء على قرار الدولة".
وعن آلية ادخال المساعدات الإنسانية الى الجنوب السوري، أكد المساعيد "عدم وجود نقاط عبور مع الجانب السوري ومن طرفنا نحن لا ندخل الأراضي السورية"، موضحا أن "النازحين متواجدون على طول الشريط الحدودي، وتقدم لهم هذه المساعدات يداً بيد، واحيانا يتم وضع هذه المساعدات على الحدود ويقبل النازحون من ذاتهم لتسلمها".
وأضاف، ان "الجيش العربي عزز وجوده في منطقة الحدود في الآونة الأخيرة بآليات عسكرية وأرتال من الدبابات وناقلات الجنود وراجمات الصواريخ"، موضحا أن الجيش الآن "في أعلى جاهزيته وكفاءته وخبراته التي تضمن سلامة الحدود من أي اختراق".
وبحسب مشاهدات ، فإن قوات الجيش العربي البرية والجوية تبسط سيطرتها على طول الشريط الحدودي مع سورية، وتأخذ احتياطاتها على أكمل وجه لمنع أي اختراق محتمل.
و يبحث النازحون السوريون الهاربون من مدنهم وقراهم جراء القصف والمعارك عن أمل وأمن من خلال الوصول إلى الساتر الترابي تحديداً. ويقطع هؤلاء اللاجئون مسافات طويلة يوميا في رحلة محفوفة بالمخاطر، لا تقل في تفاصيلها عما عاشوه وسمعوه وشاهدوه بأم أعينهم في قراهم ومدنهم التي جاءوا منها على مدار أسبوع كامل.
ويروي لاجئون في المستشفى الميداني على المعبر، تجارب وآلاما عدا عن إنفاق أموال لقاء وصولهم إلى بر الأمان.
وعلى الرغم من قرب المسافة إلى الحدود، فإن اللاجئين يدفعون أموالا طائلة من أجل الوصول إليها لأشخاص "ليسوا مع النظام أو مع معارضيه، وإنما هم أشخاص يعيشون على معاناة الناس في البحث عن طريق للخلاص من ويلات الحرب المدمرة"، مشيرين إلى أن هذه الفئة من التجار "أشد فتكا بالهاربين من رصاص المعارك والقصف وأصوات الانفجارات والقتل".
ولا يكتفي "تجار الحرب" بالحصول على مبلغ مادي لقاء "توصيلة إلى الحدود، بل أحيانا يطلبون أكثر من ذلك، ويأخذون بعضا من أمتعتنا التي هربنا بها"، وفق شاب أصيب بالرصاص في منطقة ريف درعا.
كما تحدثت فتاة لم تتجاوز 6 سنوات تسكن ريف درعا قتلت عائلتها بالكامل، هربت من الأحداث برفقة أختها الصغيرة (4 سنوات) التي بترت يدها اليمنى لعلاجها لدى المستشفى الميداني.
بدوره يقول الطبيب المقيم في المخيم المتقدم لاستقبال اللاجئين السوريين في "معبر نصيب" المقدم محمد الجيوسي إنه "عاين حالات مأساوية لسوريين لجأوا إلى المملكة، هربا من الحرب"، مؤكدا أن "الفريق الطبي العسكري الذي يعمل في نقطة استقبال النازحين يتعامل مع مئات الحالات يوميا تتراوح بين الإصابات وأمراض كبار السن والأطفال، مؤكدا أنه "يتم فحص اللاجئين الواصلين إلى منطقة الساتر، والتعامل مع الحالات الخطرة والمستعصية، قبل التحويل لأقرب مستشفى".
وفي المقابل يؤكد جميع اللاجئين حفاوة الاستقبال والرعاية اللتين حظوا بهما لدى وصولهم إلى داخل الأراضي الأردنية من قبل عناصر حرس الحدود، مشيرين إلى نبل وإنسانية هذه المعاملة.
ولقوات حرس الحدود حكايات مجد وبطولة وشجاعة، يخوضها أفرادها يوميا، وهم يتفانون في أداء واجباتهم، التي فرضتها مقتضيات واقع لم يكن الأردن طرفا فيه. وهم يسطرون على الحدود ملحمة جديدة بأحرف من نور، يؤكدون فيها أنهم بالفعل رموز البذل والتضحية والإيثار دون توقف.