لا يمتلكن الشعر الأشقر والعيون الزرقاء فقط!.. هذا ما اكتشفته من تجربتي مع 3 فتيات روسيات بالمونديال
جو 24 :
عربي بوست
بمجرد بدئي بالتحضير للسفر لحضور كأس العالم، بدأ شعور الرهبة والقلق ينتابني مما سأواجهه في هذه الرحلة من متاعب ومشاكل، لعدم اختلاطي بالشعب الروسي من قبل، وممَّا نسمعه من أخبار في وسائل الإعلام حول طبيعة هذا الشعب الذي لا يضحك، وأحوال هذا البلد.
لكن حب التجربة، والرغبة في المجازفة هو ما دفعني لعدم التردد والتفكير فيما سيحدث، وكانت وجهتي الأولى هي مدينة إيكاترنبرغ، حيث تُقام مباراة مصر والأوروغواي.
بمجرد وصولي إلى المطار تفاجأت بالتنظيم والتسهيلات المقدَّمة للمسافرين. ومن هنا بدأت الرحلة، حيث لم تكن آخر المفاجآت التي سأقابلها. استقللت أول وسيلة مواصلات عن طريق برنامج يانديكس، وهو مشابه لتطبيقي أوبر وكريم، ولم يكن السائق يتحدث اللغة الإنكليزية كمعظم الشعب الروسي، ولكن كان يحاول إظهار الترحيب عن طريق التوقف عند بعض المعالم لأستطيع تصويرها، وليس هذا فحسب، فبمجرد وصولي إلى موقع الفندق لم يكن الفندق ظاهراً للعيان، فبادر السائق بأخذ رقم هاتف الفندق والتواصل معهم، حتى أتى أحد العاملين في الفندق ورافقني إليه، ثم غادر السائق.
في اليوم التالي، وهو يوم المباراة، وقبل بدئها كان الجمهور الروسي الذي أتى لتشجيع المنتخب المصري، واللاعب محمد صلاح بالتحديد كبيراً، وأقبل المشجعون لأخذ الصور التذكارية معنا.
إحدى المشجعات طلبت مني أخذ حسابي على إنستغرام، بالرغم من عدم إجادتها للتحدث باللغة الإنكليزية، لكنها كانت سعيدة جداً بالتعرف على شخص مصري، وهو للحقيقة ما لم أكن أتوقعه، وحتى الآن لا أعرف سبب حبِّهم للمصريين تحديداً.
بالفعل تبادلنا الحسابات، وأخبرتني بعدها كم تحب مصر، وتتمنى يوماً أن تزور شرم الشيخ، انتهت المباراة، وتبادلنا التحيات، وعاد كل منا من حيث أتى.
وفي طريق عودتي سيراً على الأقدام إلى الفندق، كان الجو بارداً، وبدأت تظهر أعراض الزكام والبرد.
وتفاجأت بمدى اهتمام طاقم العمل في الفندق بحالتي، وكانت هناك فتاة من ضمن العاملين تأتي إليَّ باستمرار للسؤال عني، وفي كل مرة تحضر نوعاً غريباً من المشروبات الساخنة، وتقول لي إنه فعال في تخفيف البرد.
بدأت أتعرف عليها، أخبرتني أنها تعمل في الفندق بجانب دراستها في الجامعة، تذهب في الصباح إلى الجامعة، ثم تتوجه سريعاً إلى الفندق، ليبدأ دوامها من الخامسة وحتى الواحدة ليلاً، ثم تعود مسرعة إلى المنزل لتنام بضع ساعات، وتعود إلى الجامعة في السادسة صباحاً.
وجدتني أسألها: ما رأيك أن نتناول الغداء معاً، فقالت لي إنها تناولت طعامها بالفعل منذ قليل، معكرونة بيضاء، هكذا فقط، قالت نعم، ليس لدي كثير من الوقت.
انتهت رحلتي في هذه المدينة، وكان عليَّ السفر إلى مدينة سانت بطرسبرغ، لمتابعة مباراة مصر وروسيا في منطقة المشجعين.
وصلت للمدينة، وذهبت لمنطقة المشجعين، وقبل بدء المباراة بدأت السماء تمطر، فذهبت للجلوس في الكراسي المغطاة، وهنا قابلت بعض المشجعين الروس الذين يتحدثون الإنكليزية، فدعوني للذهاب معهم لمشاهدة المباراة في أحد المقاهي بسبب الأمطار.
وقبل ذهابنا انضمَّت إلينا إحدى الفتيات، والتي فاجأتني بإتقانها للغة العربية، بل واللهجة المصرية، قلت لها: «إنت بتتكلمي مصري أحسن مني»، فقالت «أنا عشت 5 سنوات في شرم الشيخ، وكنت بشتغل في فندق هناك»، لكن الصدمة لم تكن هنا، بل كانت في تشجيعها لمنتخب مصر ضد الفريق الروسي، وكلما هم صلاح بالتقاط الكرة كان صوتها يعلو «يلا صلااااح».
أنا وهي كنا الوحيدين اللذين يشجعان المصريين في المكان كله، صحيح أنني كنت قلقاً من رد فعل المشجعين الروس، لكنها طمأنتني، وقالت لي شجع بقوة ولا تهتم.
وها أنا ذا أعود إلى إيكاترينبيرغ لأستقلَّ طائرة العودة إلى مدينة الرياض بالسعودية حيث أعمل، كان موعد وصولي للمدينة بعد منتصف الليل، وكان عليَّ الانتظار 12 ساعة حتى موعد طائرة العودة، فقررت حجز فندق لقضاء هذه الفترة به، وتفاجأت عند وصولي للفندق بإلغاء حجزي لسبب ما غير معلوم، وهاتفي على وشك التخلي عني هو الآخر، ويحتاج إلى أن أشحنه في أقرب وقت.
حاولت حجز فندق آخر، ولم أجد غرفاً خالية، علاوة على هطول الأمطار الشديدة، التي منعتني من التحرك من موقع الفندق.
فتذكرت وقتها تلك الفتاة التي قابلتني أول مرة عندما التقطت معي صورة وأعطتني حسابها على الإنستغرام، فأرسلت إليها رسالة متبوعة بموقع وجودي، على أمل الحصول على ردٍّ منها، وإيجاد حلٍّ لهذا الموقف.
وياللمفاجأة، وصلني ردها فوراً، رغم أننا اقتربنا من الفجر، قالت لي انتظر في مكانك سوف آتي إليك.
انتهى شحن البطارية، ولم يعد لدي خيار سوى انتظارها، على أمل قدومها أو الانتظار في الجو البارد حتى الصباح واستقلال أي وسيلة مواصلات للمطار.
لم يمر سوى نصف ساعة حتى أتت تلك الفتاة إليَّ، وبدأت رحلتها معي في البحث عن غرفة في أحد الفنادق، واستغرقت تلك الرحلة حتى العاشرة صباحاً، ولم يتبق سوى 5 ساعات على موعد الطائرة، فطلبت منها التوقف عن البحث عن فندق، والذهاب لأحد المقاهي أو المطاعم وتناول وجبة خفيفة.
أنا وهي لا لغة مشتركة بيننا، هي لا تتحدث الإنكليزية، وأنا لا أفهم الروسية، وكنا نتفاهم باستخدام تطبيق الترجمة.
اقترب موعد الطائرة، فشكرتها وطلبت منها الاستئذان للمغادرة، فكان ردها «أنا سأوصلك إلى المطار»، ولم تفلح محاولاتي لثنيها عن مواصلة الطريق معي، لكنها لم تقبل، وأصرَّت على توصيلي، والتأكد من صعودي الطائرة.
وبالفعل رافقتني للمطار، وانتظرت معي حتى دخولي لمنطقة الجوازات، ثم غادرت. لكن هذه السفرة لن تغادر ذاكرتي، مواقف كثيرة مررت بها، تعلمت منها الكثير، لكن أكثر ما تغيَّر فيَّ، هو وجهة نظري عن الروسيات.
صحيح أنهن جميلات، لكن الجمال الأكبر مختف وراء الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، فالفتاة الروسية، ومن خلال المواقف التي كنت طرفاً فيها عرّفتني أنها جريئة، ومكافحة، ولديها حس شهامة، أو كما نقول في مصر «جدعة، بميت راجل»، لا تخاف من عرض وجهة نظرها حتى لو كانت مخالفة للجميع.