هل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟
عمان - "أنهينا وليتنا بقينا طلاب" عبارة لا تفارق لسان منذر المهيرات الذي أنهى مرحلة التعليم الجامعي منذ سنتين في العلوم الانسانية، وقد دفع ما يزيد عن الـ12 ألف دينار لإكمال مرحلة قال أنها الأصعب في تاريخ حياته، ومنذ تخرجه وهو في طور البحث عن عمل.
المهيرات سئم البحث لأنه ومنذ انتهى وهو يخرج مع بزوغ الضوء للبحث من شركة إلى شركة ومن مؤسسة خاصة إلى أخرى، حتى انتهى به الأمر للعمل في مهن صناعية ليس لها "هوى بها"، بل ان "باب التجنيد في المؤسسات الأمنية أغلق أبوابه في هذه الأيام كما أُعلن في الصحف مؤخراً “.
لم تكن المشكلة عند الشاب العشريني، المهيرات، مقلقة إلا عندما وجد من هم في تخصصه وفي ذات جامعته وبمعدلات "متدنية للغاية" يعملون في كبريات المؤسسات الحكومية، الأمر الذي طابق قصة وائل الهواري الذي تخرج من الجامعة الهاشمية تخصص التمريض.
الهواري يبحث عن العمل منذ ستة اعوام، وينظر إلى المستشفيات الحكومية، فيرى عدد من منتسبي نقابته الذين التقاهم عدة مرات في بهو النقابة يعانون من قلة الوظائف ومتسائلين عن "الواسطة الحشمة" التي ستحررهم من سلطة البطالة التي أرقتهم، وما هي إلا بضعة اشهر حتى باتوا عاملين في المستشفيات بعضها حكومي واخر خاص.
مرشح للانتخابات النيابية في إحدى محافظات الوسط اتصل قبل الانتخابات النيابية مع كاتب التقرير ليقول له "اذا كان من أقاربك من لا يعمل فأنا كفو" و"كفو" بالعامية تعني” أني انا أهل لذلك”، وعند سؤاله هل من “أماكن وضعك أقوى فيها من غيرها ؟” أفاد المرشح مباشرة “أمانة عمان الكبرى وما شئت من الوزارت في جيبتي" .
رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور اعترف امام كل الأردنيين انه وظّف المئات من أقاربه وأبناء منطقته في مختلف مجالات القطاع العام في أيام الشباب واعتذر عن ذلك، وبذلك فإن إرث "الواسطة في العمل" مقترن مع الأردنيين منذ ما يزيد عن الـ40 سنة بحسب ما يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي .
كثيرة هي الحالات التي وظِّفت بـ"الواسطة" او التي مُنعت من العمل لأنه لا وسطة لديها ورغم أن الدستور الأردني نص في المادة السادسة منه على ان "تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين" وجعل في ذات المادة "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين" إلا أن هذا الكلام غائب كما يقول الخزاعي .
معلمة تقاعدت من وزارة التربية والتعليم تقول "لولا أحد رؤساء الوزراء السابقين لما عملت في حياتي" فهي حاولت بكل الوسائل العمل ولم تتوظف، بيد أنها تؤكد على أنها عملت في القطاع العام دون تقديمها لأي طلب في ديوان الخدمة المدنية الذي يفيد رئيسه الدكتور خلف الهميسات باستحالة ذلك.
الهميسات يوضح طريقة سد شواغر الوظائف في القطاع العام بأن الديوان يستقبل طلبات المتقدمين معززة بالوثائق المطلوبة كافة، على أن تأخذ هذه الطلبات وتبوب حسب الدور وفق أقدمية التخرج لها و أقدمية تقديم الطلب ثم يتقدم الاشخاص لامتحان تحريري ومقابلة شخصية.
حديث الهميسات مطابق تماماً للبند الثاني في المادة "21" من "الاعلان العالمي لحقوق الانسان" والقائل "لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد" وهو الأمر الذي لفت اليه الدستور الذي قال " تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها".
ويتابع الهميسات بأن "أي مواطن يتنافس على أساس أقدميته ومعدله في التوجيهي مع الأخذ بعين الاعتبار شغور الوظيفة في منطقته، على أن يعلن في الصحف عن الشواغر وبذلك تبين الادوار للجميع”، مشدداً على أن نظام ديوان الخدمة 100 بالمائة غير قابل للخدش.
محمد العوامرة و الذي عمل في إحدى المؤسسات الحكومية المستقلة منذ أشهر بـ "عقد خاص" وبراتب يصل لـ500 دينار يبين أنه عانى لأكثر من 6 أشهر وهو في بطالة مستمرة وهو وفقاً لتأكيد الهميسات من المستحيلات؛ لأنه لا يوجد شيء اسمه عقود خاصة في القانون، أما نظام شراء الخدمات يكون لمن تجاوز الـ61 سنة أي من لا ينطبق عليه ديوان الخدمة المدنية.
ضُمت 43 مؤسسة مستقلة لديوان الخدمة في 1/1/2012 دون حدوث أية مشاكل أو تجاوزات وإن حدثت فإن أبواب ديوان الخدمة المدنية مفتوحة تبعاً لحديث الهميسات، الذي يشير إلى أن العقود الخاصة تكون لوظائف "محدودة جدا" و بعد تشكيل لجنة في الدائرة من شؤون الموظفين وان كانت هذه الوظيفة موجودة داخل ديوان الخدمة يأخذ منها وان لم يكن موجود يعلن عن ذاك بالصحف بشكل واضح، لكن الحاصل وفقاً للعوامرة غير ذلك فعشرات من زملائه تعينوا على نظام "العقود الخاصة" و"شراء الخدمات" .
المؤشرات على تجاوز القانون أوجدها و"خصوصا في القطاع الحكومي" قبول المجتمع لهذه التصرفات وتحفيزه عليها في ظل غياب للمسائلة القانونية المخالفة للدستور برأي الخزاعي، الذي يضيف إلى هذا البند تصرفات "الحيتان والمتنفذين" الذين يتواصلون مع قواعدهم باللعب على هذا الوتر.
الوازع الديني الغائب يسَّجل كعنصر دافع للواسطة والمحسوبية في المجتمع وفقاً للخزاعي، الى جانب غياب ثقافة الشكوى لردع المتسببين واعطاء الحق للمتضررين وهو ما يتيحه القانون الذي اعطى للشخص الذي يتجاوزه حق مراجعة ديوان الخدمة لتقديم الشكوى.
ويرى الخزاعي بأن مجالس النواب التي تعاقبت منذ العام 1993 وحتى العام 2012 هيأت أرضية خصبة للواسطة والمحسوبية، لصفة طبعت على النواب بأنهم لـ"الخدمات" والحكومات غذت هذه القضية من خلال الموافقات، وهو الأمر الذي أوجد "ديوان المظالم" .
تشير الأرقام إلى أن ديوان الخدمة المدنية تعامل في العام 2008 وحده مع 28 الف طلب في مجال الوظائف، فيما تظهر الأرقام بحسب الخزاعي إلى وصول عدد الوظائف التي تحصل عليها "الحيتان" وأقعدوا فيها الناس حتى العام 2011 إلى ما يزيد عن 25 الف وظيفة معظمها في المؤسسات المستقلة وكلها برواتب خيالية.
وادرج قانون "هيئة مكافحة الفساد" ثنائية "الواسطة والمحسوبية" كعمل فساد مثل الرشوة والاختلاس وغيرها، بيد أن أصحاب "الجاه والأماكن" على وصف الخزاعي جعلوا من الواسطة سمة للمجتمع ليس في الوظائف فقط بل في كثير من الأمور الاخرى فمن يريد الذهاب لعمل معاملة حكومية يلجئ للواسطة ومن يريد معاملة فالبنك كذلك وذات الامر ينطبق على من يريد الذهاب للعلاج في المستشفيات الحكومية .
الدستور الأردني نص في المادة "17" منه على أن "للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون"، ولذلك وجب على أصحاب الحقوق اللجوء للقانون لمعالجة القضايا من هذا الشكل، وهو ما يعتبره المحامي ابراهيم الدحلة مستحيلاً، كما انه لم يرفع في المحاكم قضايا بهذا من هذا النوع.
ويشير الدحلة إلى أن الأديان السماوية والدساتير والمواثيق الدولية نصت على الدولة هي من توفر الحياة الكريمة لرعايها، وهو ما لم تستطع الحكومة الأردنية توفيره لمواطنيها ما دفعهم للخروج في المسيرات والمظاهرات للمطالبة في العدالة الاجتماعية في كل شيء وخصوصا في الوظائف.
*أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين