"أحمد".. رحل وقلبه معلّق بحمل "نور" بعد انتظارٍ لـ6 سنوات
"عاهديني يا نور أن تساعديني لأوفي وعدي لله ونُحفّظ منير القرآن"، هذا أول ما تحدث به أحمد لرفيقة دربه حينما بُشّرا بحملها بعد ست سنوات من حرارة الانتظار.
كان حَمل نور أشد فرحًا عليهما من يوم زفافهما، فأحمد من لوعته لسماع الخبر رافقها إلى العيادة حين الفحص الطبي، مرّت عليهما دقائق الانتظار كالساعات الطويلة، إلى أن جاءت الطبيبة وهما يُحدّقان بها وفي قلبهما رجاءً لله، لتبتسم الطبيبة لهما مرددة: "مبروك".
اغرورقت عينا أحمد ودارى دموعه باكيًا على كتف زوجته، وقال: "أعاهدك ربي أن أجعله من حفظة القرآن ورجال المساجد".
وبعد شهرين ونصف وفي ساعات غروب شمس يوم الأربعاء، اهتّز قلب نور على حين فجأة على صوت انفجار، فسارعت كعادتها بالاتصال على أحمد الغائب عنها في عمله، رغم أنه حادثها قبل حوالي ثلث ساعة، فجاءها الرد أنه "لا يمكن الوصول إليه حاليًا".
ارتقت روح أحمد بعد أن باغته صاروخ إسرائيلي برفقة مجموعة من أصحابه، وترك الحلم والعهد لنور، فبدأ صومها عن الفرح باستشهاده قبل أن يسمع صرخات مولوده وهو يحل ضيفًا على هذه الحياة.
واستشهد أحمد منير البسوس (28 عاما) ورفيقيه محمد العرعير وعبادة فروانة وأصيب رابع بجراحٍ خطرة، بعد قصف مدفعية الاحتلال الإسرائيلي نقطة رصد للمقاومة على الحدود الشرقية لقطاع غزة أمس الأربعاء.
رحل متعلقًا به
تقول نور (25 عاما) لوكالة "صفا": "تزوجنا قبل ست سنوات ولم يشأ الله لحملي أن يكون في البداية، وبعد علاج وانتظار ليس أنا وأحمد فقط، وإنما كل أهله وأهلي منّ الله علينا بذلك".
وعن يوم استشهاده تضيف "خرج أحمد الساعة السادسة والنصف وأخد يداعب ابننا ويضع يده على بطني ويقول: دير بالك على أمك يا منير. سمّاه منير على اسم عمي من أول يوم لحملي".
وبعد ساعة ونصف من خروجه من المنزل اتصل أحمد على زوجته مطمئنًا عليها وسألها: "إنتي بخير؟، انتبهي على حالك"، وانتهى الاتصال بينهما وكان الأخير.
وتقول وقد أنهكتها الفاجعة: "كان يتصل دومًا من شدة خوفه على حملي، ويوصيني ألا أكثر من حركتي، لدرجة أنه في عزاء أحد الشهداء قبل يومين، أخرجني من البيت بسبب إطلاق النار وصوت الجنازة، حتى لا أخاف أو يصيبني شيء".
بكت نور بآهات متتالية، فهي وبالرغم من توقعها أن أحمد سيكون يومًا من الأيام شهيدًا، إلا أنها لم تكن ترجو يوم فراقه خاصة وسط فرحته والعائلة بحملهما.
رددت "كنت أتوقع شهادته، لكن مع هذه الفرحة استبعدت ونسيت هذا، إلا أنني في أوقات القصف سرعان ما يدق قلبي وأتصل به لأطمئن عليه ويرد ويقول لي لا تخافي أنا بخير فأرتاح".
تكمل نور "هذه المرة وفي أول لحظات القصف شعرت بهزة في قلبي، وفي لحظتها جاءت قريبة لنا تسألنا أحمد مداوم؟، فشعرت بشيء في كلامها واتصلت عليه وإذ برقمه لا يمكن الوصول إليه".
وفي تلك اللحظات المربكة المليئة بالخوف، دخل أحد أبناء عم أحمد وقال لهم: "أحمد أصيب، لكن لا تقلقوا سيكون بخير إن شاء الله".
لكن قلب نور الذي اهتز شعر باستشهاده، فاندفعت بقولها: "لا تخبي عليّا أحمد استشهد أنا متأكدة"، ومع تزاحم الأهل والأقارب إلى المنزل بدأت بالصراخ حتى فقدت وعيها.
وتضيف "رحل أحمد وأخذ فرحتي وفرحته معه، راح وتركني وحيدة أقضي حملي وأستقبل مولودي بدونه".
كحال كل أهالي الشهداء، صاحت من فاجعتها تردد "سأكون عند وعدنا لله وأربي طفلي كما أراد أحمد، سأحفظه القرآن الكريم سواء ولد أو بنت".
حزن وفخر ببكرها
في زحمة عزاء أحمد كانت أمه أكثر قوة من نور فبينما يحترق قلبها على فلذة كبدها وبكرها (ابنها الأول)، أظهرت للناس فخرًا بشهادته على الثغور، حاميًا لأبناء وطنه.
وتقول لوكالة "صفا": "فرحتي بحمل نور لم أعطه لأحد، لكن ما كنت مرة لأمنعه أن يكون مقاومًا، فهو عرف طريقه. كان يذهب ويودعني وأقول له ستعود وستكون بخير".
تتساءل وسط المعزيين "كيف لا أفرح بحفيد بكري بعد سنوات، كيف لا أفرح وهو سمّاه على اسم والده ليرفع اسمه، لكني أفخر اليوم بشهادته، لأني متأكدة أن روحه الأن فرحة بعد أن نالها".
صمتت وهي تنتظر أن يأتوا لها بجثمانه لتلقي النظرة الأخيرة عليه، ورددت "ماذا نقول الموت نصيبنا في أي لحظة".
والشهداء البسوس ورفيقيه من عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقالت الكتائب إن "دماءهم التي سقطت لن تذهب هدرًا وسيدفع الاحتلال الإسرائيلي الثمن غاليًا من دمائه".