إسباني، إيطاليا، فرنسا، إنكلترا وألمانيا، كيف نضعهم بالترتيب الصحيح؟
بالطبع نحن هنا لا نتكلم لا عن المساحة الجغرافية ولا عن قوّة أو تطوّر السلاح ولا عن الصناعة ولا عن الموازين التجاريّة، ولا عن عدد السكان واللائحة تطول. إنّما الكلام هنا عن كرة القدم، وتحديداً عن مستويات الدوريّات الأوروبيّة التي تبقى الدوريات الأجمل في العالم والأكثر استقطاباً للإعلام والجماهير، التي تتلهّف لمعرفة أخبار أنديتها المفضّلة في تلك البطولات.
فالأندية المنضوية تحت ألوية هذه الإتّحادات الخمسة الكبرى كانت و لا تزال حديث الناس مع كل بداية موسم. فكل المسابقات القارية أو العالميّة بما فيها كأس العالم، البطولة الأكبر، ينساها الناس مع نهايتها لينصب كل تركيزهم على البطولات المحليّة.
فمع بداية كل موسم، تتسابق الأندية الكبيرة للظفر بتواقيع لاعبين نجوم سواء كانوا يلعبون ضمن هذه الدوريات الكبرى التي تُعتبر مصدر خبرة للاعبين أو نجوم لمعت في دوريات أقل قدرة أو حتى في قارات أخرى كأميركا الجنوبية والقارة السوداء افريقيا و ممكن حتى من آسيا. ثم ينتظر الجميع بفارغ الصبر بداية الدوري والعيون كلها شاخصة على الأندية الكبرى و ما ستحقّقه من نتائج، ومن سيلعب دور الحصان الأسود ويعكّر مسيرة بعض الفرق الكبيرة ويصعّب مهمّتها. ثم، ما يلبث أن يأتي الحديث عن الإنتقالات مجدداً في منتصف الموسم ليليه الكلام عن مرحلة الإياب، والتحضير الجدّي للمراحل الأخيرة من المسابقات المحلية وأخيراً الإقتراب من خط النهاية و معرفة قدرة الفرق الكبيرة على المحافظة على مستوى ثابت، في ظل كثافة المباريات المحليّة والقاريّة، و خصوصاً للفرق التي تصل إلى مراحل متقدّمة من دوري أبطال أوروبا و ما زالت تنافس على بطولة بلدها المحلية.
إقرأ أيضًا، انتقال النجوم من الكرة الإسبانية الى الإيطالية.. ما بين الفشل والنجاح!
باختصار، الدوريات الأوروبية المحلية كانت، ما زالت وستبقى تحظى باهتمام غير مسبوق على كل المستويات.
صحيح أن بعض الدوريات كالبرتغال، هولندا، اليونان، تركيا وحتى بلجيكا تحاول اللّحاق بركب البطولات الكبرى من خلال استقطاب بعض اللاعبين الجيّدين أو تنشئة لاعبين شباب على أمل بيعهم بأسعار جيدة خلال سوق الإنتقالات (بالطبع نحن نتكلم عن قيمة موهبة اللاعب في سوق الإنتقالات وليس عن شخص اللاعب. فالإنسان والإنسانية في الدول المحترمة شيئان أساسيّان).
لذلك، سأحاول وضع ترتيب للدوريات آخذاً بعين الإعتبار مجموعة عوامل أهمها تواجد كم كبير من النجوم في دوري محدد إلى حركة الإنتقالات التي كانت ناشطة بعد كأس العالم ٢٠١٨ إلى هيكلية الأندية الكبيرة و احترافية الإتحادات الكبرى إلى قدرتها على تشكيل منتخبات قوية و ايفاد لاعبين نجوم إلى منتخبات أخرى إلى تقارب مستويات فرق الطليعة...
إنكلترا والبريميرليغ
لقد فكّرت كثيراً قبل وضع إنكلترا في المرتبة الأولى. فقد يعاتبني عدد كبير من متابعي الدوري الإسباني و خصوصاً مشجعي برشلونة وريال مدريد على فعلتي هذه.
ولكن لنبدأ من حيث انتهينا. فالليغا الإسبانية في معظم المواسم لا تجد من ينافس على بطولتها سوى الريال والبرشا، بينما يبقى الصراع في البريميرليغ على أشدّه بين على الأقل ستة فرق أو حتى أكثر. فمانشستر سيتي وابن مدينته المان يونايتد، ليفربول، توتنهام، أرسنال و تشلسي وحتى من خلفهم ايفرتون وليستر سيتي كلهم قادرين على المنافسة على اللقب. ولو بنِسَب متفاوتة مع أفضلية كبيرة للرباعي سيتي، يونايتد، ليفربول وتشلسي. و لا ننسى الأداء المشرف للمنتخب الإنكليزي خلال كأس العالم الأخيرة الذي من شأنه أن يغني الدوري ويجعل الجماهير تتهافت أكثر إلى شبابيك التذاكر لتتمتع بمشاهدة أفضل النجوم وأجمل المباريات.
عامل آخر مهم رجّح كفّة المبريميرليغ على الليغا و هو قدرة فرق القاع على إحداث مفاجآت أمام فرق الصف الأول. و هو أمر شبه معدوم في إسبانيا.
إسبانيا و الليغا
بالإضافة إلى احتكار الثنائي التاريخي البرشا والريال لبطولة الليغا، عامل سلبي آخر أثّر على خياري في وضع إسبانيا ثانية. فالخضّة التي أثيرت قبل كأس العالم بإقصاء خولين لوبيتيغي و تعيين فرناندو هييرو بدلاً منه في اللحظات الأخيرة، إضافة إلى الأداء المتواضع للروخا الإسبانية خلال البطولة الكبرى إلى رحيل رونالدو عن البطولة، كل تلك الأمور جعلت إسبانيا تخسر بعض النقاط أمام إنكلترا.
لكن ذلك لا يمكن أن يحجب مجموعة عوامل إيجابية تجعل الليغا بطولة رائعة. فالنجوم من جميع أقطاب العالم حلمهم الأغلى هو ارتداء قميص الميرينغي أو البلوغرانا. حتى القدوم إلى جنّة الليغا من خلال أي فريق على أمل التألق و من ثم الإنضمام إلى أحد العملاقين هو إنجاز بحد ذاته. فكشافة الأندية موجودة دائماً و عينها ساهرة. إلى ذلك، فثنائية العملاقين لا تلغي حضور أندية أخرى على رأسها أتليتيكو مدريد الذي قد يُزعج البعض بأدائه الدفاعي و القاسي، لكن لا يمكن لأحد أن يقلل من قيمة فريق الأرجنتيني دييغو سيميوني الذي أصبح "بعبع" الفرق إسبانياً و أوروبياً و الفائز بلقب اليوروبا ليغ. فالنسيا أيضاً عاد وسوّى أوضاعه المادية ليشكل منافساً جيداً للكبار. وحتى إشبيلية الذي بات المتخصّص بالفوز باليوروبا ليغ في السنوات الأخيرة. و لا ننسى إبلائه البلاء الحسن في دوري أبطال أوروبا العام الماضي.
إيطاليا والكالشيو
كانت إيطاليا الوجهة الرئيس للنجوم في الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي. فكل نجوم العالم كانوا يحلمون بجنّة الكالشيو. و من ينسى زيكو و مارادونا و غوليت و فان باستن و شيفتشينكو و كاكا و كوكبة النجوم الطليان في تلك الفترة؟
لكن المشاكل المادية و عدم قدرة إدارات الأندية الإيطالية على اللحاق بركب أندية إسبانيا، إنكلترا وقضايا الفساد والنتائج المعلّبة دفعت بالدوري الإيطالي عشرات السنين إلى الخلف.
و أتى إخفاق إيطاليا في التأهل لنهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ ١٩٥٨ ليزيد في الطين بلّة.
كل تلك الأمور إضافة إلى احتكار يوفنتوس للقب في السنوات الأخيرة أفقدت الكالتشيو حلاوته. عوامل إيجابية قليلة تشفع بالدوري الإيطالي أهمها وصول الدون كريستيانو إلى هناك و قدوم المدرب المحنّك وماكينة الألقاب كارلو أنشيلوتي إلى صفوف نادي نابولي، الذي ضيّق الخناق على اليوفي في السنوات الأخيرة، كما إصرار الإتحاد الإيطالي على محو خيبة المونديال كلها أمور ستضفي نكهة جديدة على دوري كان باهتاً ويأمل محبّوه في عودة بريقه بأسرع وقت ممكن.
الدوري الألماني و البوندسليغا
الصفعة التي تلقّتها ألمانيا بطلة العالم السابقة في الخروج من الدور الأول من مونديال روسيا الأخير سيكون له الأثر السلبي على البوندسليغا. فألمانيا حالها حال إيطاليا ونواة منتخبها يتشكّل من الدوري الألماني والمشجعين لا يرحبون بلاعبين خيّبوا آمالهم و أذلّوا منتخبهم في بطولة كبرى.
كذلك الفرق الألمانية لا تعتمد على استقطاب النجوم الكبار و دفع مبالغ خياليّة في سوق الإنتقالات لتدعيم صفوفها. و هذا أمر حكيم يبقي الفرق الألمانية بشكل عام بمنأى عن الخضّات الماليّة. لكن ما هم الجماهير من الميزانيات والحسابات؟ فالمشجع لا يهمّه سوى الإنتصارات والألقاب و هذا أمر بعيد المنال أوروبياً عن الألمان باستثناء النادي البافاري بايرن ميونيخ، الذي يلقى منافسة خجولة جداً من بوروسيا دورتموند ما يؤثر سلباً على حماسة الجماهير.
لكن تبقى سياسة تنشئة اللاعبين و الإتكال على المجموعة و عدم التركيز على نجم أوحد صفات بارزة لدى معظم الأندية الألمانيّة.
الدوري الفرنسي أو ال Série A
هنا أيضاً تكمن مشكلة أحادية المنافسة. فلا أحد قادر على زعزعة العملاق الباريسي باريس سان جيرمان. حتى موناكو و مارسيليا اللذان يحاولان تدعيم فريقيهما من خلال النشاط في سوق الإنتقالات غير قادرَين على المس بالزعامة الباريسية، التي يأمل رئيسها القطري ناصر الخليفي بالذهاب بعيداً على المستوى الأوروبي مع الثنائي مبابي - نيمار في حال بقيا في باريس.
و لا ننسى الجرعة المعنوية التي سيكتسبها دوري أبطال العالم وما لذلك من انعكاس إيجابي على الجماهير وتهافتها لملء المدرّجات.
فهل سينسحب نجاح المنتخب الفرنسي على الأندية الفرنسية ونجدها تحقّق التقدم في المسابقات الأوروبية؟ أمر صعب لكن كرة القدم لا تعترف سوى بالجهد و الكد على أرض الملعب.
أتمنى أن يكون تصنيفي عادلاً قدر الإمكان رغم أن الترتيب لا يعتمد على حسابات ثابتة ويبقى وجهة نظر.arabia.eurosport