أمانة عمان والخلل الاستحواذي القسري
جو 24 :
تامر خرمه – بذخ: مفرط في الترف والرفاهية.. بذخ الشخص: عظم.. تكبر.. افتخر، فتعالى في فخره. (معجم المعاني).
هذا تعريف بسيط لمفهوم البذخ، الذي شوه وجه الحضارة العربية في كثير من المحطات. وعلى سبيل المثال -لا الحصر- يروى أن مصعب بن الزبير تزوج عائشة بنت طلحة بألف ألف درهم، وفي هذا يقول الشاعر أنس بن أبي أياس:
بضع الفتاة بألف ألف كامل
وتبيت سادات الجنود جياعا..
هذا الوجه التاريخي البشع، يعيد استنساخ ذاته في هذا العصر، ولكن ليس في امبراطورية عظيمة لا تغيب عنها الشمس (كإمبراطورية الأمويين التي كانت تجمع خراجها من كل أصقاع الأرض) بل في بلد فقير، تأسس بعد انتهاء الحقبة الكولينيالية، وبات يعرف باسم: المملكة الأردنية الهاشمية.
في هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه -من مواطنين ولاجئين وعمالة مهاجرة- نحو تسعة ملايين نسمة، تتجلى مظاهر البذخ بكل ما أوتيت من سخرية وازدراء قميئ لمفهوم العدالة الاجتماعية. في الوقت الذي تتذرع فيه السلطة التنفيذية بشح الموارد، مطالبة الناس بشد الأحزمة على أمعائهم الخاوية، يتم تبديد ما يجنى من ضرائب فرضت على الفقراء، وإسرافها على نفقات جارية غير مبررة، لتنفيع فلان، أو علانة، من أبناء الطبقة المتطفلة على قوت ومستقبل الأردنيين.
إحدى موظفات أمانة عمان، تتمتع براتب خيالي، تدفعه أنت أخي الأردني، من قوت عيالك، وتجبله لأجلها من حبات عرق جبينك، مضطرا، فوطنك بات مزرعة لأبناء تلك الطبقة الاتكالية.
ويا ليت الحكاية تقف عند هذا الحد.. فأولئك المتنفعين يحترفون تصيد المنح والمساعدات الخارجية، طبعا ليس لانفاق رأسمالي يعود على خزينة الدولة بالفائدة، وإنما لتبديدها في نفقات جارية، تنفيعا لمن جادت عليه الصدفة بواسطة في أمانة عمان، أو غيرها من مؤسسات "مملكة الحب" المنهوبة.
السخرية تكمن -كالشيطان- في تفاصيل الحكاية.. منحة إدارة المدن المرنة انتهت، فجف منبع الذهب الذي تم استغلاله لتنفيع إحدى موظفات الأمانة، والتي تتمتع أصلا براتب خيالي، فجن جنون جلاوزة التنفيع، وأبوا إلا تعويضها من جيبك الخاص، فتم إقرار مكافأة شهرية لها على حسابك، والمبلغ المضاف على راتبها الخيالي يفوق ما يجنيه ثلاثة جنود من حرس الحدود الأشاوس، على حد وصف إحدى المراقبات.
هذا مثال بسيط لإدراك جوهر المعضلة التي فرض على الأردنيين مواجهتها.. الوطن بات مزرعة للتنفيع. أنت تدفع ما لا يعد ولا يحصى من ضرائب غير مبررة، لضمان رفاهية فلان أو فلانة، وإشباع هوس "أبناء الواسطات" بالبذخ، فهذه ضريبة عليك تسديدها، لتلبية إلحاحات خللهم الاستحواذي القهري.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!