مؤسسة عبد الحميد شومان/ لجنة السينما تقدم الفيلم التركي "الخريف"
جو 24 :
الموضوع الرئيسي في فيلم "الخريف" (2009)، للمخرج التركي اوسكان ألبير، الذي تعرضه لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، يتعلق بتأثير السجن على مصائر الناس وبالذات مصائر السجناء السياسيين. بطل الفيلم شاب يساري يدعى يوسف قضى في السجن عشرة أعوام بسبب نشاطه السياسي المعارض للحكومة ومشاركته في المظاهرات ضدها. يطلق سراح يوسف من السجن بسبب تدهور حالته الصحية.
وها هو يعود إلى قريته حيث تعيش والدته العجوز وحيدة بعد موت زوجها. يقضي يوسف أيامه في بيت والدته صامتا منعزلا مصابا بالأرق، ما يشي بحالة إحباط أصابته بعد ان قضى عشر سنوات في السجن ضمن ظروف لا إنسانية. تمضي حياة يوسف في القرية رتيبة لايقطع رتابتها إلا لقاءاته مع رفيق سابق في التنظيم يدير ورشة نجارة في القرية. اللقاءات بين الاثنين وما يدور بينهما من أحاديث مختزلة تكشف الخلفية السياسية للفيلم والإحباط الذي أصاب الكثيرين من اليساريين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل نموذجا لنظام اشتراكي كانوا يسعون إليه في بلدهم تركيا. لا يكتفي المخرج بالحوار بين الصديق لتقديم خلفية سياسية، بل يلجأ لاستخدام المادة الوثائقية بين حين وآخر، من خلال أخبار مصورة ومشاهد موثقة للمظاهرات والصدامات بين المتظاهرين والشرطة، وغير ذلك.
تقع القرية التي يقيم فيها يوسف قرب الحدود الفاصلة بين تركيا وجيورجيا الجمهورية السوفييتية السابقة، ما يشكل فرصة لفتيات من جورجيا للعبور إلى تركيا وكسب لقمة العيش عن طريق الدعارة، وهذا ما يشير له صديق يوسف عندما بقول له أن نتيجة هذا الانهيار أدت إلى تحول الفتيات إلى عاهرات والفاسدون إلى رجال أعمال. يتعرف يوسف بواسطة صديقة على عاهرة جيورجية ويحصل بينهما تقارب عاطفي لكنه لا يتحول إلى علاقة فكل من الاثنين محبط، هو بسبب سنوات السجن وانهيار الحلم، وهي بسبب مهنة مضطرة لها لحاجتها لتربية طفلها الذي تركته في بلدتها.
الأحداث في الفيلم قليلة والحوار مختزل إلى حدوده الدنيا، لكن الفيلم لا يكتسب قيمته من الحكاية وما تتضمنه من أفكار، بل من قوة الإخراج وبراعة المخرج، رغم ان هذا هو فيلمه الروائي الطويل الأول، في استغلال كل العناصر المشهدية والمؤثرات الصوتية، سواء منها الموسيقية ام الطبيعية، لشحن مشاهد الفيلم بعاطفة مؤثرة. يستغل المخرج ببراعة عناصر الطبيعة، الأمواج الهادرة، السيول، المطار والثلوج والطيور وغيرها، ليس فقط لتقديم صور هي عبارة عن لوحات فنية مدهشة بجمالها، بل بخاصة لاستخدامها كوسيلة تعبيرية عن الأجواء النفسية والانفعالات البشرية الخاصة ببطل الفيلم والعاهرة الجيورجية، مستفيدا من طبيعة الأجواء التي تسيطر على البلاد فترة الخريف حيث السماء ملبدة بالغيوم والفضاء يكتسب لونه الرمادي القاتم. ساعدت براعة مدير التصوير المخرج في تحقيق هدفه المرتبط بالتأثير البصري وذلك وذلك لاستخدامه المعبّر للتفاعل بين الضوء والعتمة والظل، خاصة في المشاهد الداخلية بحيث يمكن القول إن التصوير ركن أساسي وبطل من أبطال الفيلم. وهذا ينطبق أبضا على التصميم الفني لمشاهد الفيلم الذي برع في استخدام اللون كوسيلة للتعبير أحيانا وللمتعة الجمالية أحيانا أخرى.
حاز الفيلم على ستة عشر جائزة من مهرجانت دولية ومحلية شملت الإخراج والمونتاج والسيناريو وعناصر أخرى في الفيلم.