من قصص الشعوب.. ماليزيا، عندما تحكم المافيا النمور الاستوائية
على هذه الضفة.. تنشر جو24 انطباعات وبوح الزميل تامر خرمه.. الذي قرر انتزاع معنى لحياته، عبر السفر والتجوال حول العالم، للتعلم من قصص الشعوب المختلفة، وسرقة خبراتها وأسرار حضارتها، وثقافاتها المتنوعة، والافتنان بلذة الدهشة، التي يفجرها الآخر المختلف، في وجه روتينك اليومي..
تسر أسرة جو 24 نقل حكايا شعوب هذا الكوكب الصغير إلى قرائها، أملا في رفع نسبة هرمون الدوبامين بأدمغتهم، لتحفيزهم على استنشاق الحياة..
الحكاية الأولى.. ماليزيا..
تلك الدولة التي سبق وأن كانت من متصدري ما كان يدعى بنمور شرق آسيا، في تسعينيات القرن الماضي، باتت اليوم _مع الأسف_ جارية لاقتصاد المافيا الصينية، وخاصة عصابة التنانين السبع، التي تغلبت حتى على جهابذة السياسية الماليزية، كختيار الباهاس، محمد مهاتير، رئيس الوزراء، الذي عاد إلى الحكم لأسباب يطول شرحها.
الغريب أنه في فترة بروز ما كان يدعى بنمور آسيا.. واختلاق مصطلح "العالم الثاني".. تمكنت ماليزيا من نقل خطوط إنتاجها إلى الصين، لتهيمن وتواجه كل تحديات الاقتصاد العالمي، وكذلك شعوذات السوق.. ولكن..
قبل الإجابة على هذا، دعنا نتسائل.. ماذا نعرف عن ثقافة الشعب الماليزي.. (لا مبرر لعلامات الاستفهام.. هذه ليست أسئلة، وإنما محض تحريض) وهل تعني ديانته الإسلامية ولاءه للعرب.. وماذا بشأن الديانات الأخرى في ماليزيا.. من هندوس وبوذيين وغيرهم.. وهل حقا يعيش الشعب في ذلك الشرق الآسيوي، حالة من الوئام والسلام، كتلك التي يتم ترويجها للسائح العربي، المكروه بالمناسبة من كل تلاوين ذلك الشعب!!
بداية، ينبغي عليك عزيزي معرفة أهم سمة تميز هذا الشعب.. هو طيب للغاية بالمناسبة، ويكاد كل فرد من أبنائه وبناتة أن يفديك لو كنت مضطرا لحاجة.. ولكن الخصلة السيئة في ثقافتة تتمثل بالخلط بين البشاشة والرياء.
القناع.. هو الكلمة المثلى لوصف الباهاس (سكان ماليزيا الاصليين) حيث تعلموا من العرب الحفاظ على ملامح الوجه البشوش، ولكن تحت تلك الملامح، تسكن مشاعر الغضب، بل وحتى الكراهية، سواء ضد المنحدرين من أصول صينية (كونهم برجوازية البلد) أو الأصول الهندية (فقط لأنهم مسخمين) أو العرب بسبب ممارسات بعض السواح من الخليج).
على أية حال، مازال هذا البلد يتمتع بصورة سياحية خلابة، رغم أن أهله لا يؤمنون بسلمية التعايش، حتى وإن رسموا لك على ملامحهم شارات الرضى.. أما العرب هنا فإما سائحين متعالين، أو لاجئين مضطهدين!!
والآن لنلقي نظرة على أروقة السياسية الماليزية.. لماذا عاد مهاتير إلى الحكم.. وهل حقا هو ممثل لتيار اسلاموي كما يروج البعض!!
بداية، مهاتير، كان أحد أهم جلاوزة حزب أمنو.. منظمة وطنية شوفينية، باسم الشعب الماليزي الموحد.. مهاتير، بدهائه السياسي تمكن من التخلص من مؤسس تلك المنظمة، كما تمكن من انتزاع صلاحيات الملوك، فبات الحاكم الأوحد، ما فتح شهيته على الفساد، ليبدأ باستثمارات عائلية مشبوهة، خاصة في جزيرة لانكاوي شمال البلاد.
وكان أول من تصدى له هو نائبه أنور إبراهيم، فقام مهاتير باتهامه بالشذوذ الجنسي، لزجه بالسجن استنادا إلى أحكام الإسلام.. ولكن أي طفل في ماليزيا يعلم اليوم أن تلك التهمة كانت محض تلفيق..
بعد سنوات.. خسر مهاتير أمام منافسه في الحزب (نجيب) وكان أنور إبراهيم قد أعلن انشقاقه ليؤسس حزب العدالة، الذي حظي بتأييد غالبية الماليزيين.
قبل بضعة أشهر، رغب مهاتير بالعودة للحكم.. يقول المراقبون أن هدفه هو توريث نجله، ولكنه زعم خلاف ذلك عبر عقد صفقة مع أنور إبراهيم، تقتضي انتقال الأول للحزب المنشق، والإفراج عن أنور فور فرز النتائج، مقابل دعم حزب العدالة للرئيس العائد.. وهذا ما كان..
أنور خارج السجن.. ومهاتير بالسلطة.. ولكن لا تدري نفس بأي أرض تموت.. نجيب حاول الهرب، بيد أن الشرطة أوقفته، وهو اليوم في مواجهة تهم فساد خطيرة.. ماليزيا جنة استوائية، ولكن السياسية والفساد وعصابات المافيا تنخر عظامها، والوجه البشوش ينكر الحقيقة.. والرحمة على أرواح النمور..