ظاهرة عزوف الجماهير الأردنية عن ملاعب كرة القدم
عودة الدولة - يغادر محمد سالم مدينته المفرق متجهاً الى العاصمة عمان بهدف متابعة مباريات فريقه الذي يشجعه في دوري «المناصير» للمحترفين لكرة القدم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، فهو يصر على مؤازرة اللاعبين استناداً الى شغفه الكبير للعبة.
يروي المشجع، المواظب على حضور المباريات في الملعب، ان كل مباراة تكلفه حوالي عشرة دنانير، بين تنقل وتذكرة دخول، ويؤكد في هذا الصدد ان اجواء المباريات مختلفة عن السابق في كل شيء «المتعة الحقيقية قبل سنوات كانت منذ الدقيقة الاولى وحتى الاخيرة، ولا زلت اذكر انني كنت اقوم بتربية الطيور ثم اجمع النقود واتجه لمتابعة فريقي فأنا احتاج الى توفر مبلغ المواصلات وشراء التذكرة ثم وجبة طعام لان العملية تحتاج الى ست ساعات على الأقل».. وفجأة يتذكر مسألة مهمة: الوضع حالياً أختلف كثيراً فنحن الجماهير نعاني من توفر سبل الراحة في الملعب.
حكاية محمد تبدو متشابهة لشريحة كبيرة من الجمهور الاردني الذي يعاني الظروف الاقتصادية ويبحث عن تأمين رحلة حضور مباراة في الملعب على المدرجات ليكون قريبا من الحدث، وفي هذا الاطار يشير المشجع هاني فارس «أركز خلال عملي اليومي على جمع مبلغا مالياً يضمن ذهابي الى الملعب فأنا احب مشاهدة المباريات ولا استطيع الجلوس في البيت وصدف أنني طلبت من صاحب العمل سلفة 15 دينارا لحضور مباراة بين الفيصلي والوحدات ليست حاسمة وانما لانني لم أرغب ان تفوتني».
بين هذا وذاك كلام كثير عن واقع الظروف التي ادت الى عزوف الجماهيرالاردنية عن متابعة اللعبة الاولى في العالم.
«الرأي» تسلط الضوء على موضوع الساعة وتستطلع كافة آراء اطراف المعادلة والذين تشابه كلامهم في الجوهر رغم اختلاف الحيثيات والمصطلحات.
عوامل مجتمعة
عزا مدير التسويق والاتصال في اتحاد كرة القدم مهند محادين اسباب العزوف الجماهيري الى عدة عوامل ادت مجتمعة الى بروز ظاهرة العزوف الجماهيري بصورة «بعض العوامل ظلت كما في السابق ولكن تأثيرها حاليا زاد من عزوف الجماهير، ومن خلال دراستنا السريعة للحالة الجماهيرية التي ترافق مباريات بطولات المحترفين وكذلك مباريات المنتخب الوطني، نورد تاليا بعض النقاط الهامة، علما باننا بصدد اعداد دراسة شاملة ترتكز على البيانات والارقام لغايات البدء بالعمل على تحسين العديد من الجوانب الواجب توفرها لتعزيز الحضور الجماهيري، وتاليا النقاط محور الدراسة:
أولا: البنية التحيتة للملاعب
يشكل عنصرا هاما في أسباب بروز ظاهرة عزوف الجماهير، فمن خلال زياراتنا الميدانية للملاعب ودراستنا للحالة التي يمر بها المشجع اثناء حضور المباريات تبين لنا ما يلي:
عدم وجود لوحات ارشادية واضحة لمداخل الملاعب على اختلاف درجاتها.
عدم توفر ساحات لاصطفاف السيارات وصعوبة الاصطفاف في الستادات اثناء المباريات بين الفرق الجماهيرية باستثناء بعض الستادات.
غياب الوعي الجماهيري لاجراءات التفتيش عند بوابات الدخول والتي تسبب بازعاج للجمهور اثناء هذه المرحلة وبالتالي عدم رضاه من تجربة حضور المباريات.
في داخل المدرجات.. ناسف لنقول ان المنظر اشبه بسجن مفتوح، فمنظر السياج مع الحراسات يعد مزعجاً لاي متفرج يرغب بالتمتع بمشاهدة المباريات، فالاساس من متابعة المباريات هو القدوم للتمتع في مشاهدتها والعيش في اجواء المباريات التي لا يمكن مشاهدتها الا من ارض الملعب، ولكن ما نراه هو غياب لهذا الشيء.
عدم وجود برنامج للمباريات واضح، والمقصود بالبرنامج هو فعاليات ترفيهية تصاحب اجواء المباراة، وغيابها حاليا لا يعزز من حضور جمهور جديد.
عدم وجود اماكن خاصة بالعائلات.
ثانيا: بيع التذاكر
عدم وضوح اماكن بيع التذاكر، وان وجدت فهي غير مرئية الا للجماهير المعتادة على الشراء ومتابعة فرقها، وبالتالي صعوبة استقطاب جمهور جديد بهذه الحالة.
انحصار اماكن بيع التذاكر داخل المدن وفقط بيعها يوم المباراة وعدم وجود آلية الشراء عبر الانترنت والمعمول بها في معظم الدول المحيطة، وبهذا الخصوص نحن نتحدث عن نظام بيع تذاكر بالكامل يجب تطبيقه من خلال شركات متخصصة لبيع وادارة عملية بيع التذاكر وتوفير نقاط بيع في مختلف مناطق المملكة.
ثالثا: التوعية والترويج
عدم وجود حملات توعية وترويجية لبرامج البطولات المختلفة وبالاخص المحلية (بطولات المحترفين)، وهذه تحتاج الى استراتيجية واضحة خلال الموسم الكروي ورعاية خاصة منفصلة لترويج البطولات والمباريات المختلفة لغايات استقطاب جمهور جديد.
عدم وجود توعية لضرورة الالتزام بالروح الرياضية داخل الملاعب حتى نستطيع ايصال رسالة واضحة للجماهير عامة حول الاجواء المثالية التي يتم توفيرها في الملاعب لغايات استقطاب جمهور العائلات.
عدم تبني بعض الاندية لسياسة تحفيزية لجماهيرها لمتابعة فرقها، حيث تعتبر جماهير الاندية الاساس في خلق القاعدة الجماهيرية.
وتلك بعض من نقاط الدراسة التي يعمل الاتحاد على تطويرها، منطلقين من محور هام وهام جدا، انه يجب بداية ان نوفر الاحترام والترفيه والخدمة لاي شخص يرغب في مشاهدة المباريات في الملاعب، وهذا الامر بالتأكيد سيعزز الحضور الجماهيري على المدي القصير تدريجيا وبشكل ملحوظ على المدى البعيد (5 سنوات) بعد تبني سياسة لتحسين مظاهر حضور المباريات المختلفة كما اوردنا سابقا «الحديث في هذا المجال واسع جدا ولا يتسع الحديث هنا عن كافة الجوانب، ولكن من الواجب الخوض في بعض النقاط الرئيسة التي من شانها ان تعزز الحضور الجماهيري على المدى القريب».
من جانبه يوضح الامين العام للاتحاد الرياضي للدرك والمنسق العقيد عيسى العلاونة أن المستوى الفني للاندية الذي لا يقارن بالدول الاخرى هو السبب المباشر لابتعاد الجمهور وغياب المتعة الفنية ووجود ظاهرة الهتافات المسيئة التي تخدش الحياء العام، ومشكلة سعر التذكرة الغالي «اكدنا في اثر من مناسبة بضرورة تخفيضها لان المشجعين هم من ذوي الدخل المحدود».
وتطرق العلاونة الى موضوع التفتيش والتدقيق في الملاعب وهو ما سماه بعض المشجعين نوعا من المضايقات «سافرت الى العديد من دول العالم والاردن أقل دولة فيها اجراءات تفتيش، ولا على التعيين تواجدت في الدورة العربية مؤخراً بصفة اتحاد عربي وكنت احمل بطاقات vvip، وخضعت الى تفتيش دقيق جدا شأني شأن أي شخص تابع الدورة وهذا النظام موجود في كل الدول».
وعرج الامين العام للاتحاد الرياضي على الممنوعات «دوليا يمنع دخول المشجع وهو يرتدي الحزام الذي له حذوة كما اننا قمنا في الفترة الاخيرة بتوزيع الكبريت على المشجعين بدلا من القداحات التي تستعمل احيانا للشغب وردة الفعل وطلبنا ايضا احضار زجاجات الماء الصغيرة التي تسمى الكاسات وليست الزجاجات الكبيرة وبشهادت المتابعين هناك غرامات كثيرة جاءت على الاندية بسبب التصرفات الجماهيرية اللامسؤولة التي تأتي من نفر غير مسؤول».
وطالب العلاونة الجماهير بتشجيع فرقها والتحلي بالروح الرياضية في الفوز والخسارة، متمنيا ان يعود الجمهور الى المدرجات ويشجع بعيدا عن التعصب والصبر والابتعاد عن الهتافات غير اللائقة.
معاناة ورسائل
يرى وكيل اللاعبين والمدربين سامر الحوراني أن السبب الرئيسي وراء تلك الظاهرة هو موعد المباريات «نذكر عندما كانت المباريات الهامة تقام ايام الجمعة عند الثانية ظهرا تمتلئ المدرجات بالجماهير، ولكن هناك اسباب متفرقة اخرى جعلت الجمهور يبتعد عن المتابعة منها تذبذب الأداء، ولكي لا ننسى ايضا.. جمهورنا دائما هو جمهور نتائج فعندما تكون فرق الفيصلي والوحدات والرمثا بعيدة عن المنافسة، فان الجماهير لا تحضر المباريات، ولعل سعر التذاكر والظروف الاقتصادية الصعبة ساهمت بشكل كبير بالعزوف».
واستذكر الحوراني تجربة احدى شركات التسويق قبل سنوات والتي ساهمت آنذاك بالتسويق والحضور، مشيرا في الوقت ذاته ان البث التلفزيوني له دور ايضاً في اتساع تلك الظاهرة «هناك من يرغب بمتابعة المباريات على شاشة التلفزيون».
ويوافق عضو رابطة جماهير الصريح اسامة شطناوي آراء غيره من ناحية ارتفاع سعر التذاكر «مع العلم انه غالبية متتبعي المباريات من محدودي الدخل وبعد الملعب عن سكان البلدة الذي ينتمي اليه الفريق فعلى سبيل المثال تأخر تجهيز ستاد مدينة الحسن جعل اندية العربي والصريح والحسين تتخذ ملعب الرمثا كملعب بديل، ما يؤكد أن الكرة الأردنية تعاني من ضعف البنية التحتية التي تؤثر سلباً على المستوى الفني وعلى المتابعة الجماهيرية».
ووجه اداري شباب الأردن بشير خير رسالة مهمة عن أهمية حضور الجماهير «كرة القدم لها جمالها بالتكامل الجماعي من حيث الجماهير والمتابعين و الصحافة والاعلام واعتقد ان هجرة الجماهير الملاعب يعود لان المشجع لا يشعر بالراحة خلال متابعته المباراة من على المدرجات.. لا تستطيع الجلوس على المدرجات فهي تفتقر الى ادنى متطلبات الراحة، ولا يوجد شركة خاصة بتنظيف الملاعب، وانعدام البينة التحتية وهذا من اهم الاسباب والعوامل التي جعلت الجماهير تهجر الملاعب.. فالبنية التحتية هي التي تعطي الرقي وتجعل من المشجع يواظب على حضور المباريات.. وان اردت ان تذهب الى دورة المياة فمع الآسف لن تستطيع بسبب سوء حالتها».
من جانبه يؤكد متعهد المباريات رشدي خليل ان العديد من العوامل ساهمت بتراجع الحضور الجماهيري ابرزها عدم التنسيق مع دائرة المسابقات واقامة بعض المباريات الجماهيرية في منتصف الاسبوع، بالاضافة الى البث التلفزيوني واغلاق ملعب الحسن ولو كان مفتوحا لاستفادت منه الاندية لان المباريات تم نقلها الى ملعب الامير هاشم وسعته غير كافية، كما أن الملاعب تعاني ايضاً من توفر الخدمات المناسبة للجماهير، حتى أن بعض الجماهير تحسب الف حساب للمكان الذي ستركن بها السيارة، فالمواقف غير متوفرة.
وطالب اقامة المباريات غير الجماهيرية في منتصف الاسبوع «مجرد حسبة بسيطة هناك عدة مباريات للرمثا والصريح والبقعة في بطولة الكاس حصدت مبالغ جيدة لانه لم يتم بثها، وقد تكون الاندية حصلت على عوائد قليلة من البث لكنها خسرت الكثير..التلفزيون لم ينظم برامج تثير الجمهور لحضور المباريات والاشخاص الذين يتم استضافتهم يتكررون ولا يتحدثون عن الجوانب التحفيزية لعودة الجمهور».
ورفض خليل التفاؤل في الوضع الحالي بامكانية عودة الجمهور للملاعب، واستطرد في هذا السياق: ذلك يحتاج للعمل والتنظيم والاهتمام ايضا بالبنية التحتية.
وتعلل نجمة المنتخب الوطني النسوي آية المجالي جزءا من الافكار التي ابعدت الجمهور عن اللعبة وذكرت باختصار: مستوى المنافسة لا يرقى الى طموح الجمهور الاردني والبث التلفزيوني ساهم في عزوف الجماهير ولا ننسى غلاء التذاكر مقارنة بالوضع الاقتصادي وعدم صلاحية مدرجات ملاعبنا في الصيف والشتاء ونتمنى ان يعود الجمهور للتشجيع والمؤازرة ولكن الظروف الواضحة تؤكد صعوبة المهمة.
واعترف مهاجم الجزيرة صالح الجوهري بعدم رضا جمهور بعض الاندية عن المستوى الفني للدوري «مرد هذا التراجع يعود الى ضعف البنية التحتية، فالملاعب على وضعها الحالي لا تخدم مسيرة التطور المنشود».
وقال الجوهري: تواضع الخدمات التي توجد بالملاعب وعدم وجود المقاعد في الملاعب وصعوبة الدخول الى المدرجات في المباريات الكبيرة اوصلت المدرجات الى تلك الحالة.
وواصل نجم الجزيرة سرده للواقع: في السابق كان هناك عوامل تحفيزية للجمهور من خلال اجراء سحوبات على جوائز في كل مباراة وغيرها من الشركات وغلاء المعيشة الذي يسود في وقتنا الحاضر من العوامل التي ساهمت بغياب الجماهير عن الملاعب.
وابدى رئيس رابطة مشجعي الرمثا غازي السموعي خوفه من مواصلة تلك الظاهرة وبالتالي يتم هجرة المدرجات وتصبح خاوية «للعزوف الجماهيري عن الحضور للمدرجات اسباب كثيره منها واهمها تدني المستوى الفني للفرق الاردنية، والنقل التلفزيوني والظروف المعيشيه للمواطن، حيث ان حضور اي مباراة لاي فريق يكلف مبلغا قد يكون عبئا عليه، كما ان عدم وجود المكان المناسب والمريح للمتفرج داخل الملاعب يزيد صعوبة آلية الدخول للمدرجات والاجراءات غير المريحة بعمليات التفتيش من قبل الاجهزه المعنية بالمباراة».
وعدد المتابع رشاد الطلوزي من العقبة جزئيات توضح طبيعة الغياب عندما قال: الاسباب التي دفعت الجمهور يهجر المدرجات تكمن بتدني مستوى الفرق في مسابقات الاتحاد وبالاخص الفرق ذات الشعبية الجارفة مثل الوحدات والفيصلي، والامر الثاني الوضع الاقتصادي العام في المملكة والذي يجعل الجماهير تحسب الكلفة من مباراه الى مباراة حسب اهميتها والسبب الاكثر اهميه هو الهتافات غير اخلاقية من بعض الجماهير في كل مباراة.
وزاد ابراهيم هماش عن زملائه من المراقبين للمشهد «مستوى تدني الفرق وعدم ثبات المستوى الفني والاداري وبالاخص الفرق الاكتر جماهيرية في الاردن وصاحبة الانجازات، والشريحة الكبيرة هي من الشباب والطلاب والعاطلين عن العمل لا يستطيعون شراء التذاكر، كما ان الآباء يصطحبون معهم بعض الابناء ليزداد العبء، ولعل توقيت المباريات وجدولتها وعدم انتظامها لانه اغلب مباريات الدوري تقام في منتصف الاسبوع اما في الساعة الثالثة اوالخامسة وهذا اهم الاسباب، وهناك سبب مهم جدا ومؤثر يغفل عنة الكثيرون وهو تهميش بعض ادارات الاندية لادوار المشجعين وعدم الاخذ بآرائهم وبالتالي يكون لدى هؤلاء المشجعين ما يشبه ردة الفعل وهو الامتناع عن حضور المباريات، الى جانب ضعف البنية التحتية، فالجمهور لا يشعر بالراحة».
فيما يعتبر المراقب للمشهد احمد الدباس ان السبب الاهم وراء هجرة الجماهير هو ضعف البنية التحتية، ووجود ادارات غير مؤهلة تصل الى قيادة الاندية.
ويضيف: عدم وجود اعلام رياضي مرئي مهتم في كرة القدم.. كل هذا يسير بطريق متزن مع حالة مادية صعبة يعيشها الشباب الاردني وهو الفئة الاكبر من متابعي كرة القدم بالاضافة الى تراجع المستوى الفني للاندية الجماهيرية مثل الفيصلي والوحدات التي باتت غير قادرة على مجاراة متطلبات الاحتراف بسبب قلة الموارد المالية، وبعد ذلك تكون المحصلة أن الكرة الاردنية تزداد مشاكلها، ولا تنتهي، مما يسبب حالة معنوية متواضعة لدى الجماهير التي اصبحت الآن تهتم اكثر في البطولات الاوروبية وتتابعها وترفض حضور المباريات المحلية.
وعنون ليث الخصاونة الاسباب مجتمعة بجزء رئيسي هو تراجع مستوى الكرة الأردنية «المشاهد يريد الاستمتاع بمشاهدة المباريات وهذا ما تفتقده الكرة الأردنية، ونعاني من توقيت المباريات الذي يتزامن مع نهاية الدوام وتهميش بعض إدارات الأندية للمشجعين وعدم الأخذ بآرائهم، والملاعب الرياضية تفتقد للكثير من المقومات والخدمات».
(الرأي)