نابولي أنشيلوتي.. ما بين تسلق الشجرة والتَّشَبُّث بالهوية
حُلة مُنذرة بالوعيد ظهر بها نابولي بالأسبوعين الأوليين للدوري الإيطالي رفقة مدربه الجديد كارلو انشيلوتي، المدرب الفائز بدوري أبطال أوروبا ثلاث مرات، مع الفريق الذي أحرز سكوديتو في مناسبتين فقط طيلة تاريخه، العلامة الكاملة من مباراتين مع تعلُم لهجة نابولي الجنوبية على يد مدير متجر النادي، هو أبرز ما أنجزه المدرب المحنك حتى الآن بعد عودته لبلاد البيتزا والباستا في محاولة تتويج البطل غير المتوّج.
كارليتو والذي عُرف عنه اصطياده لبطولات الكئوس وفشله في الفوز بالدوريات سيكون مُطالبًا لتحقيق ما فشل فيه ساري ومن قبله بينيتيز وماتزاري وما لم يحدث منذ مارادونا بأواخر الثمانينات، فالمدرب البالغ من العمر 59 عامًا حقق فقط 4 ألقاب للدوري بمسيرته موّزعة علىميلان، تشيلسي، بايرن ميونيخ، وباريس سان جيرمانبالتساوي، فيما امتلأت خزينته بالألقاب الأخرى كدوري الأبطال والسوبر الأوروبي، الكئوس المحلية والسوبر، كأس العالم للأندية بمجمل 15 لقبًا.. الهوة الشاسعة بين هذا وذاك لربما لا تحمل فألًا حسنًا لجماهير الجنوب التي أطربتها كلمات أنشيلوتي"أريد الفوز بالدوري مع نابولي".
انطلاقة البطل..
لم يمهلنا أنشيلوتي الوقتللتكهن حول ماهية فريقه وإلى أي مدى قد يصل، فرأينا الفوز علىلاتسيوفي الأولمبيكو بعد التأخر بهدف نظيف إلى الفوز بهدفين في مباراة أثبت اللاعبون من خلالها أنهم عازمون على تدارك أخطاء الماضي وتكوين شخصية البطل، أسبوعًأ آخرًا وكانت العودة ضد ميلان بعدما مُني مرماهم بهدفين نظيفين، تبديلات كارلو آتت ثمارها سريعًا ضد فريق يبحث عن هويته وكان الفوز بثلاثية مع إمكانية زيادتها لرباعية وخماسية.. انطلاقة هي الأفضل بربوع إيطاليا بكل درجاتها، أداءً ونتيجة.
نزع العباءة..
من الخطأالاعتقاد بإمكانية أنشيلوتي نسف مفاهيم سلفه ساري والعمد إلى نهجه الخاص بين ليلة وضحاها، لا يزال اللاعبون متشبثون بما سقاهم ماوريسيو وطبّعهم عليه، لم تختلف كرة الفريق عمّا كان عليه الحال مع التوسكاني فكان الاستحواذ عبر المثلثات وتناقل الكرات المبنى على اللامركزية وتبادل الأدوار هو الحاضر، حتى وإن كان ميليك (الكلاسيكي) هو مهاجمك وليس ميرتنز (المتحرك)، الأمر الذي من شأنه إضفاء بعض اللعب المباشر نحو المرمى، لكنه لم يحدث حتّى الآن.
احتفال لاعبي نابولي بهدف زيلينسكي الأول في شباك ميلان
لم تندثر النجاعة الهجومية للفريق و سدد 24 مرة على مرمى ميلان بدقة تمرير 90%، فيما وصلت نسبة استحواذه ضد لاتسيو إلى 65% بـ 896 لمسة للاعبين.. أرقام لربما توحي بحفاظ البارتينوبي على هويته حتّى اللحظة.
الشجرة الذهبية..
لم يتردد أنشيلوتيفي القول أنه عازم على اللجوء لخطة(4 – 3 – 2 – 1)أو ما يُعرف بشجرة عيد الميلاد التي احتل بها أوروبا مع ميلان في الفترة من 2003 إلى 2007.. الفارق كبير ما بين رسم ساري التكتيكي(4 – 3 – 3)الذي يولي الأطراف الاهتمام الأكبر مع تغذية الوسط، وبين شجرة أنشيلوتي التي تعتمد بشكل أدق على اللعب من العمق عبر صانع ألعاب فريد خلف إثنين من المهاجمينبمثلث مقلوب(كاكا خلف تشيفتشنكو وإنزاغي) والأهم هو الافتقار للديناميكية والميل للثبات على أرضية الملعب بشكل مباشر على مرمى الخصوم.
رسم تكتيكي لتشكيلة ميلان بخطة 4-3-2-1 وما يقابلها من لاعبي نابولي الحاليين
"لم أكن مقتنعًا تمامًا بالطريقة التي بنينا اللعب من خلالها، نحاول تغيير الطريقة ويستغرق الأمر بعض الوقت" انشيلوتي مُعقبًا على مباراة ميلان.
هل تؤتي الطريقة ثمارها؟في اعتقادي أن النهج الحالي للفريق أفضل بمراحل من شجرة أنشيلوتي، والسبب في المقام الأول هو إتقان اللاعبين لطريقة (4 – 3 – 3) وتوسعة الملعب بالشكل الذي يمنحهم الاستحواذ الفعّال، وفتح مساحات بالجهة المعاكسة كما اعتادوا على ضرب خصومهم بالتمريرة القطرية، طريقة كارليتو بمثابة انكماش وتضييق خطوط أزلي، ليس تضييق بمفهوم ساري الذي ينكمش تارة ويتوّسع تارة، بل بالطريقة ذاتها.
بمباراتي لاتسيو وميلان كان الهجوم عبر الأطراف هو كلمة السر لنابولي، وهو ما يتعارض مع طريقة شجرة عيد الميلاد، ففي الافتتاح كانت نسبة الهجمات عبر الرواق الأيسر(روي – زيلينسكي – إنسيني)45% أي نصف القوة الهجومية تقريبًا مرتكزة بطرف واحد، بمباراة ميلان كانت 42% باليسار و30% باليمين مع تقلص كبير للاختراق عبر العمق، إحصاءات قد تُبين مدى صعوبة تحول أنشيلوتي التكتيكي المُنتظر.
تقوية المقاعد..
إحدى تلك النقاط التي حجّمت من قدرات الفريق بالمواسم السابقة رفقة ساري هي فقر مقاعد البدلاء فبعدما كان يتم الزج بزيلينسكي وهامسيك في الطرف بدلًا من إنسيني أو كاييخون، أصبح لدى الجنوبيينسيميوني فيرديوامين يونساللذان أثبتا أحقيتهما باللعب بمستويات أعلى، بالوسط هناك أيضًا الإسبانيفابيان رويز، والأهم هو التنافس الكبير بين ميليك وميرتنز من أجل مقعد أساسي ما سيصب في مصلحة الفريق ككل في نهاية المطاف.
يمتلك سيميوني فيردي خبرات كبيرة بالدوري الإيطالي.. تدعيم قوي لخط الهجوم
خير خلف؟
خلّف رحيل جورجينيو ثغرة في وسط ملعب نابولي بلا ريب، لكن الشاب الصغيرأمادو دياوارالربما يكون هو كلمة السر الجديدة بعدما بدء أساسيًا في المباريات الحاسمة ضد ريال مدريد ومانشستر يونايتد بالأبطال ويوفنتوس بالدوري أثناء غياب الإيطالي، هذا الموسم لعب دورًا كبيرًا في فوز فريقه بالنقاط الثلاث ضد ميلان، اللاعب البالغ من العمر 21 عامًا قاد الوسط باقتدار ومنح نابولي الأفضلية والاستحواذ عقب إشراكه بدلًا من هامشيك الذي نال منه الإجهاد عند الدقيقة 71، الفرصة باتت مواتية الآن من أجل الظهور بشكل أقوى بعدما عاش في ظل جورجينيو طيلة الفترة الماضية.. بيد أن محاولات اللاعب الغيني قد تبوء بالفشل "مؤقتًا" والعلة هي نية أنشيلوتي الاعتماد علىهامشيكفي عمق الوسط بين زيلينسكي والآن، وهو ما تم إثبات كفاءته، لربما تتأخر قليلًا البطاقة الأساسية لأمادو -الذي قدم لنا أفضل أداء رفقة بولونيا موسم 2015-2016 - لكنها قادمة لا محالة في ظل تقدم العمر بالسلوفاكي (31 عامًا).
دياورارا إسم قادم في كرة القدم الإيطالية.. الصورة من مواجهة مانشستر سيتي بدوري أبطال أوروبا
قوة إضافية..
لطالما كان الدولي الجزائريفوزي غلامأحدى نقاط قوة نابولي منذ الانضمام من سانت إيتيان قبل أربعة مواسم، الإصابة التي ألمت به ومنعته من المشاركة أغلب فترات الموسم الماضي، أثرت بشكل مهول على الفريق في باديء الأمر وتم تدراكها تدريجيًا عبر مانويل روي الذي أدى المطلوب لكن ليس بالشكل الأمثل، لعب غلام 17 مباراة قبل الإصابة سجل هدفين وصنع 5 ، فيما صنع في الموسم قبل الفائت 10 أهداف.. مع عودة اللاعب المنتظرة واستعادته للياقة سيكون انشيلوتي قد اكتسب قوة إضافية.
صدام أم عناق؟
مسكين من يأمن لرئيس نابوليأوريليو دي لورينتس، الرجل الذي لا يُعرف من أين يؤكل كتفه، فبعد 3 مواسم كان نابولي هو أقوى وأفضل فريق في إيطاليا كان إطلاق سراح ساري مرهونًا بتحصيل بعض الملايين من طرف أوريليو، مع كلمات من نوعية "لم يقدم لنا شيء ولم يفز بالبطولات".. الرجل الذي يرتفع حاجبه الأيسر قليلًا بفعل حادث تعرض له بالصغر يُحبذ العمل مع نجوم الصف الأول هكذا عهدناه في كل الفرق التي أشرف عليها، لكن الأمر مختلف هذه المرة مع رئيس لا يميل للصرف ولا للإذعان للمطالب، ثمة صدام قد يحدث بشأن سوق الانتقالات إذا ما واجه نابولي بعض الصعوبات.
أنشيلوتي مع رئيس ميلان السابق سيلفيو بيرلسكوني
على الجانب الآخر تمتع أنشيلوتي بعلاقة وطيدة مع رئيس ميلان سيلفيو بيرلسكوني أثناء فترته مع الفريق اللومباردي لدرجة تدخل الرئيس في إشراك بعض اللاعبين واختيار الخطط التكتيكية، يجد المدرب المحنك راحته بالعمل في إيطاليا مع مسئولين إيطاليين وهو ما أشار إليه عقب إعلانه مدربًا لنابولي "أخيرًا سأعمل باللغة الإيطالية مُجددًا".
مهمة شاقة بانتظار أنشيلوتي مع الفريق الذي جمع 91 نقطة الموسم الماضي، هو الفريق ذاته واللاعبون ذاتهم، لكن مدرب لا يستنزف النقاط ويعرف كيفية سرقة الفوز.