محكمة أمن الدولة ذراع الدولة لقمع الحريات "جمال المحتسب انموذجا"
معاذ ابو الهيجاء - كانت حكومة القاضي عون الخصاونة أكثر الحكومات مناهضة للصحافة الالكترونية، اذ حاولت أن تعيد تفسير قانون المطبوعات والنشر، من أجل تمكينها من اغلاق أي موقع اخباري لا يقبل السير وفق رغباتها وأهوائها.
ولكنها فشلت في ذلك، فلجأت إلى تكليف لجان " مسيسة" من أجل وضع قانون جديد للمطبوعات والنشر من شانه أن يحول المواقع الإلكترونية إلى صحافة رسمية.
فلم يتبق أمامها إلا استخدام الأسلوب الامني... الاعتقال... ...الترهيب... قرصنة المواقع الاخبارية، ونحو ذلك من اساليب باتت مكشوفة للجميع، والهدف طبعا ايصال رسالة إلى كافة المواقع الالكترونية بأن الحكومة مستعدة أن تلفق التهم لأصحابها إن لم تلتزم بما تريد .فشرعت في اعتقال بعض اصحاب المواقع الالكترونية، فيما كانت التهم جاهزة بالطبع في وجه أي جهة معارضة وهي العمل على "مناهضة نظام الحكم".
وهذة التهمة ابتكرتها أجهزة المخابرات العربية في العقود الماضية كمبرر لتصفية كل معارض سياسي للأنظمة التي تحرسها، ولكن يبدو ان حكومة الخصاونة توسعت في هذه الاجراء حتى بات يشمل الصحفيين كما حدث مع الزميل جمال المحتسب، وقبله شباب الحراك في اعتصام الرابع و الطفيلة، وذراعها في تنفيذ ذلك "محكمة أمن الدولة".
محكمة أمن الدولة: محكمة للمدنيين والعسكريين على حد سواء
شهدت الاردن بعد الربيع العربي تنامي الأصوات المطالبة بإلغاء محكمة أمن الدولة مع توسع اختصاصاتها بالنظر في قضايا تمس حقوق وحريات المدنيين، ومع زيادة الغموض في معايير الاتهام التي يوجهها مدعيها العام والتسييس الذي يغلب على أحكام قضاتها العسكريين.
ويعتبر بعض الحقوقيين وخبراء في الفقه الدستوري أن محكمة أمن الدولة محكمة غير معترف بها دوليا، وأنها غير شرعية، اضافة إلى أن صلاحياتها بموجب التعديلات الدستورية مازلت فضفاضة، وأن الدولة تستخدم محكمة أمن الدولة كيف ما تشاء.
المحكمة أصبحت تشكل خطرا كبيرا على الحياة السياسية الاردنية، لاسيما المواقع الالكترونية التي بدأت تعاني منذ الربيع العربي من محاولات ترهيب وترغيب من أجل عدم نشر أخبار الحراكات الشبابية، وملفات الفساد، وبيانات قوى المعارضة المختلفة التي تنتقد بها أعمال الدولة.
لقد نصت الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، وتحديدا المتعلقة بحقوق الإنسان والتي أشارت إلى ضمانات المحاكمة العادلة وأن يحاكم الشخص أمام قاضيه الطبيعي، فإن محكمة أمن الدولة ليست القاضي الطبيعي للأشخاص العاديين وإنما للعسكريين.
سلسلة من الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة على مدار عقود دعمت رأي القائلين بعدم دستورية القانون الخاص بهذه المحكمة، إلى جانب قوانين أخرى، دعت إلى المطالبة بإنشاء محكمة دستورية تفحص دستورية القوانين الخاصة والمؤقتة المثيرة للجدل.
اعتقال المحتسب شاهد على تغول محكمة أمن الدولة على السلطة القضائية:
وفي آخر أعمال التضييق على الحريات الاعلامية وارهاب القائمين عليها، قامت محكمة أمن الدولة باعتقال ناشر موقع " جراسا" الاخباري بعد أن نشر خبرا نقلا عن نائب صرح للموقع بأن " هناك أوامر ملكية بتبرئة وزير العمل الأسبق سهل المجالي من تهمة فساد تتعلق بملف سكن كريم لعيش كريم".
الحكومة وجدت في هذا الخبر فرصة ذهبية لكي تعمل على تعزيز قبضتها الأمنية على المواقع الالكترونية، خصوصا في ظل غياب كامل لدور مجلس النواب في الرقابة على الحكومة، وعدم توحد وتلاحم الجسم الصحافي بشكل كامل في مثل هكذا قضايا.
استاذ القانون الدولي في جامعة الزيتونة راضي العبداللات أوضح أن ايقاف المحتسب يجب أن يكون أمام محاكم مدنية وليس أمام محكمة أمن الدولة، مرجعا السبب الى أن ما نشره في موقعه يندرج ضمن جرائم المطبوعات والنشر، وهذه الجرائم من اختصاص المحاكم المدنية وليست العسكرية.
ولفت الى أن المحتسب لو قام بالمساس " بهيبة الملك" فأن في هذه الحالة فقط يحول لمحكمة أمن الدولة.
واشار إلى أن التعديلات الدستورية الاخيرة التي شرعها مجلس النواب لن تدخل حيز التنفيذـ، إلا بعد عامين بحسب التشريعات التي وضعها مجلس النواب السادس عشر.
عميد كلية القانون في جامعة عمان العربية محمد الغزو بين أن محكمة أمن الدولة يجب ان تبت في القضايا التي تحول لها وفق الصلاحيات الممنوحة لها، وفي حالة تحويل قضية لا تتعلق بصلاحيتها الاصل أن تعمل على ردها وعدم البت فيها.
ناشر موقع "خبر جو" علاء فزاع اعتبر توقيف المحتسب عملا لا يدخل ضمن صلاحيات محكمة أمن الدولة، خاصة بعد التعديلات الدستورية الاخيرة.
وبين فزاع أن المشرع تعمد ترك " خلل" في التعديلات الدستورية يسمح باستمرار محكمة أمن الدولة، لأن التعديلات الدستورية من أجل أن تكون سارية المفعول يجب ان يصحبها تشريعات أخرى متعلقة بمحكمة أمن الدولة وهو ما لم يحصل حتى الآن، وهذا أوجد ثغرة تسمح ببقاء محكمة أمن الدولة.
ولفت أن محكمة أمن الدولة فعلت في الفترة الاخيرة اضعاف ما كانت تفعل قبل التعديلات الدستورية مثل ما حدث مع "عدي أبو عيسى" وشباب الحراك الشعبي، واخيرا اعتقال الصحافي جمال المحتسب.
وأكد أن كل ملابسات قضية الصحافي جمال المحتسب لا تستدعي محكمة أمن الدولة، لأن المسالة متعلقة بمخالفة قانون المطبوعات والنشر ولا تتعلق بقضية مناهضة محكمة أمن الدولة، على فرض أن هناك مخالفة.
وأشار إلى أن اعتقال المحتسب يأتي في سياق تكميم حرية الصحافة الالكترونية، وإرهاب الصحافيين.
رغم ان الدول المتقدمة عززت من الحريات الاعلامية ورفعت من شانها، ووضعت التشريعات اللازمة لحمايتها، لكي تُبقي على دورها في مراقبة أعمال السلطة في كل صغيرة وكبيرة، وكشف ملفات الفساد والصفقات المشبوهة التي تقوض أسس الدولة إلا ان القبضة الأمنية بقيت هي المسيطرة في بلدنا عقودا طويلة، الى ان ظهرت الصحافة الالكترونية التي راحت تعمل في فضاء مفتوح، في كشف قضايا الفساد، ونقد المسؤولين، والحديث عن قضايا تمس كبار رجال الدولة، ما أحدث "ارباكا" في عمل الاجهزة الامنية.