jo24_banner
jo24_banner

حكومة «الاستيطان أولاً .. الاستيطان أخيراً»

عريب الرنتاوي
جو 24 : حكومة بينيامين نتنياهو الثالثة (الثالثة والثلاثين في تاريخ إسرائيل)، لا تحمل للفلسطينيين سوى ما حملته لهم، حكومتاه الأولى والثانية: توسع في عمليات الاستيطان والعدوان ومصادرة الأرض والحقوق والمقدسات..هذه المرة، ولأول مرة في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، يجلس المستوطنون أنفسهم على مقاعد الحكومة والكنيست، بعد أن ارتضوا البقاء لسنوات وعقود في الخنادق والمتاريس والشوارع.

حتى بالنسبة لأكثر الإسرائيليين تفاؤلاً، فإن هذه الحكومة تحمل في طياتها بذور هجمة استيطانية زاحفةٍ جديدة..وزير الدفاع موشيه يعلون المعروف بمواقفه المُشجعة للاستيطان والرافضة لاتخاذ أية “مبادرات حسن نية” مع الفلسطينيين، يقف إلى جانب نفتالي بينيت رئيس حزب المستوطنين “البيت اليهودي”، في صدارة النافخين في “الأبواق” لحث المجتمع الإسرائيلي على “تسمين” المستوطنات و”احتلال التلال” و”تشريع البؤر الاستيطانية”، تدعمهما كتلة وازنة في الحكومة والكنيست بلجانه ذات الصلة.

وتأسيساً على برامج الحملات الانتخابية التي خلت من ذكر “الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي” و”حل الدولتين، جاء الاتفاق الائتلافي للأحزاب الخمسة الرئيسة المشاركة في تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد (68 مقعدا من أصل 120 مقعداً)، خلواً من أية إشارات ذات مغزى عن الموضوع، حيث اكتفى المؤتلفون بإيران عبارة فضفاضة غامضة، ومن باب “رفع العتب والتبعة” تعد بأن “إسرائيل ستسعى الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بهدف الوصول الى اتفاق سياسي معهم ينهي النزاع. اذا ما تحقق اتفاق سياسي فانه سيطرح لاقراره على الحكومة، الكنيست، واذا كانت حاجة – فعلى استفتاء شعبي” أما تفاصيل الاتفاقات المُفردة التي وقعتها كتلة (الليكود – بيتنا 31 مقعدا) مع شركائها، فلا تقل سوءاً عن البيان الائتلافي..إذ باستثناء الاتفاق مع تسيبي ليفني (حزب الحركة 6 مقاعد)، جاءت الاتفاقات الائتلافية مع الأحزاب الأخرى خلواً من أي ذكر للمسألة الفلسطينية (حزب البيت اليهودي 12 مقعداً) ، أو مكتفيةً بذكرها في أسفل قائمة البنود المتفق عليها (حزب هناك مستقبل 19 مقعداً)، وبعبارات فضفاضة، تعكس النيّة بمنع التقدم على طريق “حل الدولتين” بدل أن تعكس الاستعداد الحقيقي لذلك.

وسيعهد نتنياهو إلى ليفني، وزيرة العدل، كبيرة المفاوضين الإسرائيليين، بنفس الأدوار التي سبق لسلفه اسحق شامير أن عهدها إلى شمعون بيريز زمن حكومات “التناوب” و”الوحدة الوطنية”: على الأرض تواصل الحكومة شن حروبها على الأرض والحقوق وأصحاب البلاد الأصليين، وفي الفضاء، يواصل “حمائم” إسرائيل كفاحهم من أجل تجميل صورة إسرائيل ومنع وقوعها في براثن الإدانة والعزلة الدولية..لا أكثر ولا أقل، لكأن التاريخ يصر على إعادة انتاج ذاته، بنفس الصورة والشاكلة، ومن دون أن يجد على الضفة الأخرى من الصراع، من يتعلم دروسه أو يتعظ بعبره.

أكثر رموز الحكومة الحالية تأثيراً (بعد نتنياهو) هو يائير لبيد، أشكنازي – علماني، محسوب على تيار “المركز”، يقاوم فكرة تقسيم القدس باعتبارها “العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل”، ويؤيد بحماس ضم الكتل الاستيطانية ومعها مستوطنة أريئيل، ولا يمانع في تقديم “التسهيلات” للوبي الاستيطان وحزبه (البيت اليهودي) الذي أظهر تجانساً معه في المفاوضات الائتلافية المديدة والمريرة لتشكيل الحكومة.

أما نفتالي بينيت، فهو وإن بدا مطمئناً لإمساكه بوزارة الإسكان (المولجة ملف الاستيطان)، إلا أنه حرص على الزج برجاله في لجان الكنيست ذات الصلة (اللجنة المالية)، وحجز لحزبه مقعدين في اللجنة الوزارية الخاصة بالاستيطان، ووضع نفسه في موضع “المرشد الأعلى” للجنة الوزارية المكلفة بمتابعة ملف عملية السلام، محتفظاً لنفسه بحق “الفيتو” على الحكومة والائتلاف، في حال انتقلت هذه اللجنة من دائرة الأقوال إلى دائرة الأفعال.

وسيلاحظ القارئ الكريم أننا لم نأت على ذكر (سيىء الذكر) أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا (11 مقعدا)، وعذرنا في ذلك، أن الرجل لم يعد يمثل أقصى ألوان الطيف السياسي والحزبي تشدداً وعنصرية، بعد أن حل بينيت محله، وهو احتفظ لنفسه بحقيبة الخارجية، على أن يحتفظ بها نتنياهو كوديعة إلى حين انتهائه من المحاكمات الخاصة بملفات فساده.

والحقيقة أن الحكومة بمقاعدها الـ22، لم تستطع لاعتبارات سياسية داخلية وتنافسية حزبية، استيعاب “فائض” التطرف الديني والقومي في إسرائيل، فقد ظل خارجها في صفوف المعارضة، ممثلون آخرون لتيارات يمنية وحريديه، حالت دون وجودهم في الحكومة، حسابات أنانية وخلافات لا صلة لها بالقضية الفلسطينية وعملية السلام..هؤلاء سيكونون ذخراً و”شبكة أمان” للحكومة في مواجهة أية ضغوط (غير منظورة على أية حال) لدفعها للتقدم على طريق “حل الدولتين”.

حكومة أشكيناز علمانية بنسبة 80 بالمائة، بلا حريديم ولا عرب حتى في مرتبة نائب وزير، ولو من باب “ذر الرماد في العيون”..حكومة استيطان بامتياز، ستجعل حياة الفلسطينيين، خصوصاً في القدس، أشد صعوبة مما هي عليه..حكومة قتل وتدمير “حل الدولتين”..حكومة الحسم في بعض الملفات الإسرائيلية الداخلية، التي لا تعنينا على أهميتها، لا من قريب ولا من بعيد.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news