jo24_banner
jo24_banner

جوراسيك بارك.. رسائل المقابلة الملكيّة

جوراسيك بارك.. رسائل المقابلة الملكيّة
جو 24 :

كتب تامر خرمه

الديناصورات: هي مجموعة متنوّعة من الفقاريّات البائدة، التي اندثرت معظم أنواعها وفصائلها خلال حدث انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي.

وقد هيمنت الديناصورات على سطح الكرة الأرضية على مدى 160 مليون سنة، وبالتحديد منذ أواخر العصر الثلاثي (منذ حوالي 230 مليون سنة) حتى نهاية العصر الطباشيري (منذ حوالي 65 مليون سنة)، وفقاً لـ "الويكيبيديا".

وكان وجود الديناصورات مرتبط بتغيّرات الأرض، فبحلول العصر الجوراسي بدأت طبيعة الأرض الجغرافية بالتغيّر، حيث أخذت قارّة بانجيا العظيمة بالتفكك والانقسام، وتشكّلت المحيطات التي تفصل بين القارّات.. واختفت الصحارى الثلاثية القديمة، بعد أن وصل الماء إلى قلب بانجيا، ليكوّن مصدراً لتغذية الديناصورات التي وصلت إلى قمّة ازدهارها في هذا العصر.. فبعد أن كانت صغيرة الحجم طوال العصر الثلاثي، نمت فجأة لتصبح من أكبر كائنات الكوكب وأكثرها نجاحاً.

ومازال حدث الانقراض الجماعي "انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي" -الذي أدّى إلى اندثار الديناصورات بشكل مفاجئ منذ حوالي 65 مليون سنة- موضع جدال كبير للعلماء، حيث تحاول كثير من النظريّات تفسير ما حدث. وأبرز هذه النظريات وأوسعها انتشاراً هي تلك المعروفة "بحدث الاصطدام"، والتي تتلخّص في أن كويكباً ضخمًا ضرب الأرض وفتك بكثير من أشكال الحياة، إلا أن هناك نظريّات أخرى تؤكد أن عددًا من العوامل المختلفة تضافرت مع بعضها البعض وأدّت إلى انقراض الديناصورات.

وقد استحوذت الديناصورات على مخيّلة الناس -بمن فيهم الملوك والأمراء- وأصبحت تُشكّل جزءً هامّاً من الثقافة الإنسانيّة، وذلك بسبب الفكرة الشائعة حول تلك الكائنات "المهيبة الشكل".. وتُستخدم كلمة "ديناصور" في الخطاب العاميّ بين الناس لوصف شيء أو شخص ضخم الجثة أو بطيء الحركة، أو عفا عليه الزمن ويُتوقّع زواله أو موته، الأمر الذي يعكس الفكرة السائدة عند الناس التي تقول أن الديناصورات كانت وحوشاً بائدة سيّئة التهيّؤ غير قادرة على التأقلم مع محيطها ومواجهته.

وكما حدّدت التغيّرات الجغرافيّة والبيولوجيّة، وحوادث الاصطدام الفلكيّة، وجود وحياة وفناء الديناصورات، جاءت المقابلة الملكيّة التي نشرتها صحيفة الاتلانتك لتعكس قناعة الملك بأنّه وحده صاحب الرؤيا الحداثيّة، التي تستند إلى تفسير التغيّرات الجيوسياسيّة وحوادث الاصطدام الثقافيّة والحضاريّة، لتجاوز الحقبة القديمة "والتي عُرفت بحقبة الدولة الريعيّة" إلى حقبة "الديجيتال" التي لا مكان فيها للديناصورات !

الملك وصف الشرائح الاجتماعيّة -التي ارتكز عليها وجود النظام- بالديناصورات التي تعيق تقدّم الدولة وتفرمل الرؤى الإصلاحيّة، معبّراً عن رغبته بفناء هذه الشريحة ليتمكّن الأردن من الولوج إلى عالم الحداثة.

الغريب في هذه الرؤية الملكيّة أنّها اشتملت أيضاً على "خطّة خمسينيّة" لتجاوز "الموناركيّة" نحو ملكيّة دستوريّة يكون الشعب فيها -حقّاً- هو مصدر السلطات.. ولكن هل يمكن الانتظار خمسين عاماً أخرى رغم "حدث الاصطدام" الذي بدأ من تونس لتعلن الأرض بداية حقبة "الربيع العربي" ؟!

"الموناركيّة" -الملكيّة المطلقة- اختفت عن معظم أرجاء كوكب الأرض، نتيجة جملة عوامل تضافرت وأدّت إلى اندثارها، ولم يتبق من المجتمعات البشريّة ما يعيش في ظلال تلك الحقبة سوى دول الخليج العربي والأردن، وبعض الدول النائية على أطراف هذا الكوكب الصغير. أمّا "الديناصورات" في الأردن، فقد أعلنت قبل أكثر من سنتين انحيازها إلى حقبة التطوّر، ورفضها لـ "ديناصوريّة الموناركيّة" باعتبارها حقبة قديمة، لم يعد بالإمكان بقاؤها لخمسين سنة أخرى.

نصف قرن من الزمان، على الأردن أن ينتظر لتحقيق المطالب الشعبيّة، والسبب الذي أبداه الملك في تلك المقابلة يعود إلى "ماسونيّة" الاسلاميّين، فهل على "ديناصورات الأردن" أن تنتظر خمسين سنة أخرى لتجاوز حقبة الموناركيّة، بسبب الخوف من وصول الإسلاميّين إلى السلطة ؟!

هذه الرسالة -التي جاءت قبيل زيارة الرئيس الامريكي للمنطقة- لم تكن موجّهة إلى الشعب الأردني بقدر ما هي موجّهة لـ "اليانكيز"، فالملك الذي عبّر عن استيائه، حتى من الدبلوماسيّة الامريكيّة، أراد عبر هذه المقابلة أن يبلغ واشنطن استحالة قبوله بأيّ سيناريو إصلاحي يسهم بتحقيق شراكة سياسيّة مع الإسلاميّين، الذين كان النظام يعتبرهم إحدى أدواته التي لا يمكن لها الوصول إلى درجة النديّة.. وما جاء في المقابلة حول "ضحالة" محمد مرسي، "وديمقراطيّة الباص" لرجب طيّب أردوغان، تعكس رسالة الملك إلى واشنطن، والتي مفادها رفضه لهذا النموذج الاسلامي الذي بدأ بالهيمنة على المنطقة، وأن الأردن لن يتجاوز "الموناركيّة" قبل خمسين سنة، بسبب "خطر الاسلاميّين".

الملك أعرب أيضاً في تلك المقابلة عن قبوله -شخصيّاً- بزيادة تمثيل الكتلة الفلسطينيّة في البرلمان، وهي ما يمكن اعتباره "رسالة حسن النوايا" إلى العم سام، حيث أعربت عن استعداد الملك لأيّة ترتيبات مستقبليّة تشهدها المنطقة شريطة أن تلتزم برؤيته المحدّدة، ودون شراكة خصومه السياسيّين، الذين لم يذكر منهم سوى الاسلاميّين، باعتبارهم القوّة الأكثر تنظيماً وتأثيراً على الساحة الأردنيّة.. بمعنى آخر: الملك لا يقبل بأيّة شراكة سياسيّة مع قوى المعارضة، في ذات الوقت الذي لا يمانع فيه أيّة اقتراحات أمريكيّة تأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار.

وفي النهاية، فإن ما ورد في المقابلة يمكن تلخيصه بأن على "ديناصورات" الأردن القبول بتأبيد الوضع السياسي القائم -على الأقلّ لنصف قرن من الزمن- بسبب ما يمكن توصيفه بـ "فوبيا الاخوان"، ورغبة "المخابرات"، فالملك يريد للأردن -وفق تلك المقابلة- أن يتجاوز هذه الحقبة البائدة إلى حقبة الربيع العربي، ولكن على الأردنيّين التحلّي بالصبر، تجنّباً للاصطدام مع "المخابرات"، فعلى الجميع الاعتراف بخشيتهم !! ولكن ألم تتجاوز كافّة "ديناصورات" المنطقة العربيّة حاجز الخوف منذ حدث الاصطدام المعروف بـ "البوعزيزي" ؟!

تابعو الأردن 24 على google news