ورم دماغي غير قابل للعلاج ... والد سام: "ابني توفي ولكن بحوثاً جديدة قد تُنقذ باقي الأطفال"
لم يعد سام جرجس (14 عاماً) على طبيعته، أمور بديهية تغيّرت في شخصيته لكنها كشفت عن مرض خبيث يعيش في دماغه. صعوبات تعلّمية، إفراط في النوم، ألم في الرأس... هكذا اكتشفت عائلة جرجس ان ابنها مصاب بسرطان نادر وخطير وغير قابل للعلاج. كان على والده وهو طبيب إنعاش، ان يواجه هذه الحقيقة برغم معرفته المسبقة بخطورة بهذا النوع من الأورام. لم يكن سهلاً عليه ان يخوض هذه المواجهة، فكيف على ابن الـ 14 عاماً ان يواجه هذا الخبيث وهو لا يعرف عنه شيئاً؟
يصعب على عائلة جرجس ان تستعيد فصول هذه المرحلة الصعبة، لكنها تريد مشاركة قصتها بهدف إلقاء الضوء على سرطان الدماغ عند الأطفال ودعم البحوث العملية لإيجاد علاج لبعض انواع هذه السرطانات. لدى والده الكثير ليقوله، يريد ان تصل رسالته لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأطفال، يقول: "نسبة الإصابة بالسرطان الى ارتفاع، بتنا نتعايش مع هذه الحقيقة العلمية بعد معرفتنا الحثية بالعوامل والمسببات المؤثرة ومنها التلوث البيئي والإستهلاك المفرط للهواتف الذكية ونمط الحياة غير الصحي... اليوم أتشارك مع الناس قصة سام ابني بهدف التوعية والإنتباه الى اي عارض قد يُخفي وراءه سرطاناً. ما جرى مع ابني كان صعباً وموجعاً وأتمنى ان لا يعيشه أحد، والسبيل الوحيد لذلك دعم البحوث والمؤسسات التي تهتم بمرضى السرطان للوصول الى علاجات متطورة لكل انواع هذا الخبيث".
السفر الى الخارج بحثاً عن علاج
ويتابع ما جرى مع ابنه، قائلاً" "بدأ سام يعاني من صعوبات تعلمية، ظننتُ بداية انه يعاني من فرط حركي لكن بعد الكشف عليه تبين انه يعاني من شيء آخر. لم نعرف بداية ماذا يجري معه لكنه سرعان ما بدأ يعاني من ألم في الرأس جعلتنا نستشير الطبيب فوراً".
لم يكن طبيعياً ان يعاني سام آلاماً في الرأس عند الإستيقاظ، هناك سبب خفي وراء ذلك. وبعد اجراء الفحوص والصور تبين ان لديه ورماً خبيثاً ونادراً لا علاج له. نجحنا في اكتشافه بسرعة، الكشف المبكر ساعدنا في عدم مواجهة مضاعفات هذا الورم على أعصاب الدماغ، ولكن للأسف كان يعاني نوعا خطيراً غير قابل للعلاج".
ووفق ما اشار اليه بسام، "اجرينا كل الإتصالات وسافرنا به الى مركز سرطان الأطفال في اميركا بغية حصوله على بعض العلاجات التي تخفف من وطأة هذا السرطان. خضع سام لجراحة ولعلاج لمدة شهرين ونصف شهر في اميركا قبل العودة الى لبنان. كما اضطررنا للسفر مرة اخرى للسيطرة على الورم لكن للأسف بعد ذلك علمنا انه انتشر في مكان آخر. كنا على معرفة كاملة ان نوع السرطان المصاب به سام متطور وليس له علاج حتى الساعة".
دعم الأبحاث العملية
يتحدث والد سام بحسرة، ليس سهلا ان تفقد ابنك في سن مبكرة ولكنه يحاول جاهداً ان يساعد أطفالاً آخرين. يعرف ان سام توفي لكنه لا يريد ان يلقى طفل آخر المصير نفسه. برأيه ما تقوم به المراكز التي تُعنى بسرطان الأطفال في لبنان واهمها "مركز سرطان الأطفال في الجامعة الأميركية وجمعية Chance خير دليل على ان الأمل دائماً موجود، والدعم الذي يقدمونه لكل الأطفال يجعلك تقف مذهولاً وممتناً. ومن هنا، قررنا ان نرفع الصوت عالياً لمساندة هؤلاء المراكز في لبنان واميركا لإجراء المزيد من البحوث العملية بهدف معرفة الأسباب والوصول الى علاجات متطورة لكل انواع السرطانات".
نسبة وفاة السرطان في لبنان الى ارتفاع، حقيقة علمية لا نحتاج الى اثباتها، ولكن ما الأسباب المسؤولة عن إصابة الأطفال بالسرطان ولا سيما سرطان الدماغ؟ وهل يمكن الوقاية منه؟ وما أهم الأعراض التحذيرية التي على الأهل التنبه لها للكشف المبكر عنه؟
تشير الاختصاصيّة في طبّ الأطفال وأمراض الدم والأورام لدى الأطفال الدكتورة رلى فرح الى "ان اكثر انواع السرطانات شيوعاً عند الأطفال هو سرطان الدم او اللوكيميا حيث تصل نسبة الشفاء الى 80-90% لكن أكثر الأورام الخبيثة شيوعاً عندهم يتمثل بورم الرأس وتُسجل نسبة الشفاء 50-60%، ويعود سبب تدني النسبة في الحالة الثانية الى صعوبة موقع الورم ومدى قربه من المناطق الحساسة في الدماغ.
إذ يصعب على العلاجات الكيميائية ان تصل الى الدماغ على عكس باقي الأعضاء في الجسم نتيجة وجود الغشاوة التي تغطي الدماغ والتي لا تسمح للعلاجات الكيميائية بالوصول اليه" .
احذروا هذه الأعراض
برأي فرح "تختلف انواع الورم في الدماغ وتتفاوت بين درجة اولى وثانية وثالثة ورابعة. وتكمن خطورة الدرجة الرابعة بنوع الورم الذي يكون خبيثا ويتكاثر بسرعة ويمكن ان ينتقل الى الجهاز العصبي. لذلك من المهم جداً ان نتوقف عند اي عارض او اشارات بسيطة والتي قد تخفي وراءها ورماً خبيثا وأهمها:
* صعوبات في الدرس
* ضعف في الذاكرة
* تغيّر بالطبع والتصرفات
* كسل في المدرسة
* الإكثار في النوم
في بادىء الأمر يصعب على الأهل ان يلاحظوا هذه الأعراض، لكن عندما يكبر حجم الورم أكثر فهو يعطي أعراضاً تحذيرية أكبر وأوضح مثل:
* ألم في الرأس
* حول في العيون
* تغيّر في النظر
* تغيّر في السمع
* ضعف في اليد او القدم
لذلك تشدد فرح على ان " اي وجع رأس يُوقظ الطفل ليلاً او في الصباح مصحوباً بتقيؤ فهذا قد يشير الى وجود ضغط في الرأس على الدماغ وهذا يستدعي اجراء صور شعاعية وتصوير بالرنين المغناطيسي، بالإضافة الى فحص سريري للطفل لمعرفة السبب الحقيقي وراء هذه الأعراض".
استعداد وراثي وعوامل مؤثرة
وفق فرح "هناك أيضاً انواع من الأمراض التي تعطي استعداداً لإصابة الأطفال بأورام في الرأس وهؤلاء يحتاجون الى متابعة سنوية ومراقبة من خلال اجراء تصوير بالرنين المغناطيسي مرة في السنة، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك مرض neurofibromatose حيث يعاني الأطفال من بقع على جلدهم بالإضافة الى مشاكل في النظر او يكون لديهم رأس كبير، هؤلاء الأطفال لديهم استعداد وراثي للإصابة بأورام في الرأس بخاصة اورام في عصب العين".
اما عن الأسباب المسؤولة عن سرطان الدماغ عند الأطفال فتؤكد الاختصاصية في طب الأطفال والأورام انه "في معظم الأحيان تكون اسباب الإصابة بالسرطان مجهولة وغير معروفة ولكن هناك عوامل وراثية وجينية وبعضها مرتبط بالعامل البيئي والغذاء غير السليم ولكن حتى اليوم لم نعرف مدى تأثير اشعة أجهزة الهواتف الذكية والتوتر العالي في زيادة مخاطر الإصابة بسرطان الدماغ عند الأطفال . نحن بحاجة بعد الى ابحاث علمية جديدة لدراسة الرابط بينها وبين سرطان الدماغ. وانطلاقاً من ذلك، نسعى الى القاء الضوء أكثر على أهمية اجراء هذه الأبحاث التي تساعد في تحديد المسببات والكشف المبكر والتشخيص السريع للمرض وصولا الى علاجات ممكنة ومتطورة حتى في أصعب الأنواع حتى لا نصل الى نهاية حزينة".
المفتاح الأساسي للعلاج: الكشف المبكر
"علينا ان نعرف انه كلما كان الكشف مبكراً ساهمنا في اجراء جراحة اسهل واعراض جانبية اخف وتحقيق أعلى نسبة في الشفاء. ولكن من المهم ان نميز وندرك ايضاً ان الأورام ليست جميعها قابلة للجراحة وهي مرتبطة اولاً واخيراً بموقع الورم وعمر الطفل وكثافة الشرايين المنتشرة حول الورم، وهذه جمعيها عوامل مؤثرة لاتخاذ خيار الجراحة من عدمه.
اذا كان الورم في منطقة حساسة فنحن نعجز عن اجراء الجراحة ونلجأ الى استئصال محدود خوفاً من فقدان حاسة مهمة او التسبب بضرر واحيانا خطر الوفاة، لذلك يكون القرار النهائي للجراح الذي يقرر خيار الجراحة او الاستئصال واحيانا يكتفي بأخذ خزعة لتحديد نوع السرطان".
وتشير فرح الى "وجود فحوص متطورة تسمح برؤية التغيرات بالحمض النووي للورم، ان تطور الطب والبحوث نجحا في الوصول الى علاجات مناعية تصيب الورم مباشرة من دون ان تتسبب بأعراض جانبية كما هي الحال مع العلاج الكيميائي. كذلك يؤدي العلاج الشعاعي دوراً مهماً في علاج الأورام ولكنه مرتبط بعمر المريض (فوق الـ 10 سنوات).
احيانا يكون على الطفل ان يخوض معركة طويلة في رحلة العلاج، حيث يعاني من صعوبة في البلع وهذا يتطلب مساعدة اختصاصيين في التغذية والنطق والعلاج الفيزيائي. كما يتطلب الورم وجود فريق عمل متكامل ومتخصص لتقديم الدعم. وهنا يأتي دور جمعية "تشانس" ( Chance) لدعم المرضى ماديا والأهل معنوياً من خلال مرشد نفسي يساعد الطفل كما العائلة في التعامل مع المرض وتقبله حتى يتمكنوا من التغلب عليه".