2024-12-17 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عمليات التجميل

عمليات التجميل
جو 24 :
غرفةٌ صغيرة، جدرانٌ مهدمة، وأشعة شمس كانت قد تناست المرأة فركزت نسيج ذراتها على مقتطفات من محتويات الغرفة، وكان مازال الظلام الحالك يحاول الإطغاء على النور.

أصوات أغلال لا تكف عن التحرك، وصوت أنين يصدر من امرأة معذبة، فقدت صوتها وشبابها في سبيل تسليط النور على نفسها أن تحدث ضجيجاً يأب ويحدث فرقاً، هذا الصوت الذي يحاول أن يتعدى الضجيج ومجتمع ركز على فئة دون الأخرى.

هذا كان حال المرأة في القرون الوسطى. أقفز لأجد نفسي في القرن الحادي والعشرين، حيث أن هذا الأنين لم يبق فكرة مجردة من خطوط التاريخ، وإنما خط بقلمٍ عريض، يحث على المساواة، وأن المعايير التي تحكم أهمية المرأة ليس فقط جمالها وحسن مظهرها بل عقلها وجمال فركها الفذ.

أو ليس سيدنا علي بن أبي طالب الذي قال: "ليس الجمالَ بأثوابٍ تزينُنا.. إِن الجمالَ جمالُ العقلِ والأدب".

ولكنني وجدت نفسي في مفارقة كبرى، حينما ذهبت إلى إحدى عيادات التجميل في الأردن، شعرت يومها بأن كل ما كافحت المرأة للوصول إليه قد تلاشى ورمي لكي يكون أحد الأفكار البدائية التي تخط في كتب التاريخ ولكن لا يكون لها صدى، كلمات بلا معنى ولا هدف.

ما رأيته كان يسحق كل تقدم وصلت إليه المرأة حتى هذا اليوم. رأيت عيادة مبطنة بالنساء، منهن من جلست ومنهن من اضطرت الوقوف.

رأيت نساء من مختلف الأعمار والأجيال: طالبات، أمهات، جدات. وبعد فترة وإن عادت لي حواسي، و بدأ عقلي يعود إلى وعيه. وما لبثت أن سمعت طنينا في أذني يذكرني بهذا الواقع الأليم، كانت النساء يتحادثن..

كانت بعض من أتت من الساعة السادسة صباحاً لأخذ موعد وقد قاربت الساعة الواحدة بعد الظهر، ومنهن من أخذت موعداً هذا الأسبوع، ومنهن أخذت موعداً قبل ثلاثة أشهر. نساء من الوطن العربي، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق، ومصر.. كلٌ منهن جاءت في سبيل غاية واحد؛ الجمال.

فهيهات لـ"دور العلم كيف ارتقت به"، هؤلاء النساء اللواتي أعدن غرس كل ما كان يمثل قبر المرأة في العصور الوسطى، وأغلال خانقة. أنا لم آت هنا اليوم لاتنقاض عيادة الطبيبة، بل أتيت لكي أحادث هذا الواقع الملموس.

أردت ضمن هذا المجتمع الصغير المذبذب، بتأثير الجمال، أن لا ألقي اللوم لا على رجل ولا على امرأة وإنما على محيط العيادة. نظرت إلى ما حولي فرأيت لافتة كبيرة تذكر المرأة المستهلكة بالخدمات التي تقدمها الطبيبة، ثم التفت لأرى مزيداً من الصور التي تؤرق القلب..

كلُ من اللوحات كانت تنادي إلى التذكير بجسد المرأة، حتى قطع الأثاث كانت لوحات فنية مجردة بالية المعنى تحث عل تسليط الضوء على الأنثى. قررت أن أفتح إحدى المجلات لكي أذكر نفسي بأن المجتمع يحفل بأنواع من النساء، إلا أن عناوين المجلة كانت كالآتي: نصائح لجسم أنحف، أربع خطوات لنحت الوجه بطريقة مثالية أو ما يعرف بالكنتور. فكان أحمد شوقي على حق حينما قال: "خَدعوها بقولهم حَسْناءُ".

إنني أقف اليوم لكي أؤكد أن المرأة هي أكثر من مجرد وجه جميل، إنها أكثر من مجرد نسخة من إطارات ومعايير الجمال، إنها كنز بالفكر، إنها نصف المجتمع الذي تربي النصف الآخر، فحسب قول القروي، "ولا يغرَّنكَ الوجهُ الجميلُ"، وإلا فقدت جيلا بأكمله.

فإعادة غرس هذا المفهوم قد يحتاج إلى عقود، لأن إذا أردنا التغيير حقاً فلابد أن نلغي مفهوم ملكة الجمال، بل نحث على مفهوم التحسين من خلال العيانة والشكل السليم، وليس المقبول. أن نعلم بناتنا أن يحببن أنفسهن، بدلاً من أن يضحين بأنفسهن لمجتمع همجي وأناني.
الراي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير