ما بعد الجدل حول «مشروع قانون الضريبة»
غالبية الأردنيين حسب «نماء»، لم تقرأ قانون الضريبة، لكن غالبية أكبر منهم، يقول الصديق فارس بريزات، ترفض القانون وتعارض إقراره، بل إن كتلة وازنة من الأردنيين لا تريد زيادة الضريبة حتى وإن تم ذلك لتحسين الخدمات الحكومية ... لا حاجة لكثير من الأردنيين لأن يقرأوا القانون حتى يرفضوه ... لقد عرفوا منه وعنه، ما يكفي من المعطيات الكفيلة بتشكيل موقفه الرافض له ... العبء الضريبي يثقل كاهل الأردنيين، والضجر بهذا العبء، بات سمة عامة مشتركة بينهم ... سيما وأن مشروع قانون الضريبة، يعرض على مجلس النواب، غير مصحوب بإجراءات جوهرية في الحرب على الفساد، أو بخطوات جريئة على طريق الإصلاح السياسي وتعميق الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
نميل لتفضيل منطق «التسويات»، لا أسلوب «المكاسرة» لاجتياز هذه المحطة المقلقة نوعاً ما، وأقصد بها مناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل وإقراره... والأرجح أن المشاورات التي بدأها مجلس النواب بهذا الصدد، قد تنتهي إلى شيء من «التسوية»، «فلا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، علّنا نجتاز هذا الاستحقاق بأقل قدر من الكلف والخسائر.
ونـأمل أن تبدأ صبيحة اليوم التالي، ورشة حوار وطنية حول «فكرة الضريبة وفلسفتها»، فالدولة الأردنية بحاجة لمراجعة فلسفتها الضريبة، من ضمن رؤية إصلاحية، تعتمد «مغادرة الريع إلى الإنتاج»، و»الاعتمادية» إلى الاعتماد على الذات»، ومن ضمن رؤية اقتصادية – مالية – نقدية، أوسع وأشمل، تتجاوز مفهوم «الجباية» بمعناه الضيق، والهادف تسكير خانات العجز في الموازنة العامة للدولة، إلى فضاء تطوير الخدمات وحفز النمو والتنمية المتوازنة، ورفع الإنتاجية وتعظيم القيمة المضافة لاقتصادنا الوطني.
وحبذا لو أن حواراً وطنياً، جاداً ومسؤولاً، ومن دون ضغوط داخلية أو خارجية، ينطلق بمبادرة حكومية، مباشرة بعد الانتهاء من استحقاق قانون الضريبة الجديد ... فنصل بالتوافق إلى رؤية وطنية جامعة، حول نموذجنا الاقتصادي وأولوياتنا الوطنية في المرحلة المقبلة، لرسم معالم خريطة طريق «ممرحلة زمنياً» للمستقبل، تخرجنا من عنق الزجاجة أو الدائرة المغلقة، وكلا المصطلحين، انتشرا بكثرة في خطابات المسؤولين في الآونة الأخيرة، وقد آن أوان البحث الجاد عن طريق الخلاص والمخرج الأمن من هذه الاستعصاءات.
ولا بأس، أن تنصرف الحكومة لبحث ملف الإصلاح السياسي على نحو واسع ومكثف، هنا وهنا بالذات، يمكن للحكومة أن تحقق منجزاً ملموساً، يمكّن الرأي العام من الانخراط النشط في صنع السياسات العمومية والمشاركة الفاعلة والمؤثرة ... هنا والآن، يمكن أن للحكومة أن تتقدم بخطى حثيثة، وأن تنسب لنفسها الفضل، في إنها كانت سبّاقة على هذا الطريق، وأن تطوي صفحة المراوحة والتردد التي أثقلت كاهل الأردنيين مطولاً.
في الملف الاقتصادي، ليست لدى الحكومة عصا سحرية، ذات نتائج فورية وسريعة، يمكن للمواطن أن يتلمس آثارها وأن يقطف ثمارها ... بينما في الملف السياسي، لديها «عصا موسى» التي تستطيع أن تضرب بها حالة الركود والاستنقاع، وأن تضع الأردنيين جمعياً على سكة المواطنة الفاعلة والمتساوية، وأن تؤسس لعقدها الاجتماعي الذي طُويت صفحته سريعاً، ودُفنت فكرته وهي في مهدها.
لا بأس أن تشق الحكومة الطريق نحو مرحلة «الحكومات البرلمانية»، فتكون حكومة الرزاز، آخر الحكومات التي تتشكل بالأساليب المتقادمة المعروفة ... ولا بأس من حكومة جديدة بعد عامين أو ثلاثة أعوام، بـ»أكتاف عريضة»، تستطيع أن تضرب بسيف الشرعية الشعبية، رؤوس الفساد وأعناقه، وأن تدك حصونه التي تبدو عصية على الاختراق والتفكيك.
طريقنا للانتقال من الريع الى الإنتاج، طويلة، بل وطويلة جداً ... ومعركتنا مع الفساد، كذلك، بعد أن صار مؤسسة، وحزباً لا نظير له من حيث القوة والنفوذ والانتشار الاخطبوطي ... ومن دون «الشرعية الشعبية» و»حيثية التمثيل»، يصعب على أية حكومة تجفيف منابع الفساد واصطياد أشباحه ... وتلكم مهمة تتصدر جدول أعمال الأردنيين وأولياتهم.
وأحسب أنه من غير المجدي الدخول في «مكاسرة إرادات» ومعارك «كسر عظم»، حول مبلغ يضاف هنا أو نسبة مئوية يجري رفعها بشكل طفيف هناك ... علينا أن نتعلم من درس أيار الماضي، ومن الجدل الذي لم ينقطع حول قانون الضريبة، ومن التوتر والاستقطاب الذي يزداد حدة يوماً إثر آخر، لنفتتح حواراً أعمق وأشمل، حول مفهوم الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي الذي نريد، وان نتحلى بالجرأة والإرادة والوعي، لإدارة هذا الملف، فيما تبقى للحكومة ومجلس النواب، من ولاية دستورية.